سميحة شتا يسعى رئيس الوزراء الكندى مارك كارنى إلى تشكيل حكومة جديدة بعد فوز حزبه الليبرالى بأكبر عدد من المقاعد فى البرلمان، مُكملًا بذلك تحولًا سياسيًا ملحوظًا فى ظل مواجهة محتدمة مع الولاياتالمتحدة. جاء هذا الفوز فى الوقت الذى اصطدم فيه كارنى - بعد توليه منصبه خلفًا لجاستن ترودو فى مارس - ب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن سياسة الرسوم الجمركية ودعوات ترامب لإضافة كندا إلى قائمة الولاياتالمتحدة «الولاية الحادية والخمسين». اقرأ أيضًا | ترامب يرجح عقد اتفاق تجاري مع كندا خلال زيارة كارني وأعلن كارنى فى خطاب النصر: «لقد انتهت علاقتنا القديمة مع الولاياتالمتحدة، تلك العلاقة القائمة على التكامل المتزايد باطراد». أعطى الكنديون الليبراليون تفويضهم الرابع منذ عام 2015، على الرغم من أن السباق ضد المحافظين كان أقرب بكثير مما توقعته استطلاعات الرأى. ومع ذلك، قبل أربعة أشهر فقط، كان زعيم حزب المحافظين بيير بواليفير يتقدم بفارق 25 نقطة فى استطلاعات الرأى العام وكان لديه طريق آمن إلى حد ما نحو النصر. لكن تقدم بواليفير سرعان ما تلاشى بسبب تغيّر مشاعر الناخبين، الذى حدّدته الأشهر التى سبقتها أكثر من فترة الحملة الانتخابية الرسمية. وقد غيّر إعلان استقالة جاستن ترودو فى أوائل يناير، وتأكيد كارنى ترشحه رسميًا لقيادة الحزب الليبرالى، المشهد السياسى بشكل جذرى. وفى غضون أسابيع، ارتفع الدعم الليبرالى بشكل كبير عندما أصبح كارنى زعيمًا للحزب، واستمر ترامب فى إطلاق التهديدات بشأن تحول كندا إلى الولاية الأمريكية رقم 51 وفرض رسوم جمركية عقابية متقطعة على البلاد. لقد استفاد كارنى، البالغ من العمر 60 عامًا، وهو خبير اقتصادى وصانع سياسات محنك روّج لنفسه باعتباره المرشح المناهض لترامب وركز حملته على التعامل مع الولاياتالمتحدة، فى نهاية المطاف من تصرفات الرئيس الأمريكى.. قال كارنى لأنصاره فى ليلة الانتخابات إن ترامب يريد «كسرنا، حتى تتمكن أمريكا من امتلاكنا»، مضيفًا: «هذا لن يحدث أبدًا»، وسط صيحات من الحشد. كما قدم تقييمًا صارمًا للنظام العالمى الذى كان محددًا فى السابق بنظام تجارى عالمى متكامل مع الولاياتالمتحدة فى المركز، قائلا إن مثل هذا النظام قد انتهى، وتعهد بإعادة تشكيل علاقات كندا مع الدول الأخرى. لقد تجاوزنا صدمة الخيانة الأمريكية، لكننا لن ننسى الدروس أبدًا. وقد التقى رئيس الوزراء الكندى مارك كارنى بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضى وأكد أن كندا «ليست للبيع» بينما أثار الرئيس احتمال أن تصبح البلاد الولاية رقم 51 فى الولاياتالمتحدة. وفى حديثه فى المكتب البيضاوى، أشاد ترامب بكارنى باعتباره أحد «أعظم العودات السياسية على الإطلاق»، ووصف زيارة رئيس الوزراء بأنها «شرف» للبيت الأبيض. لقد شكلت النبرة الودية لاجتماع الثلاثاء تناقضًا صارخًا مع الخطاب العدائى لترامب خلال الأشهر الأخيرة، حيث شن حربًا تجارية ضد جاره الشمالى، وقلل من شأن سلف كارنى، جاستن ترودو، ووجه تهديدات متكررة بسحق اقتصاد كندا بهدف ضمها. ردّ كارنى الثناء، مُخبرًا ترامب بأنه «رئيسٌ يُحدث نقلةً نوعيةً» ويُركّز بشدة على الاقتصاد. لكنه رفض أى فكرةٍ حول انضمام كندا إلى الولاياتالمتحدة كولايةٍ رقم 51، وهو اقتراح طرحه ترامب مجددًا خلال الاجتماع. وقال كارنى لترامب: «كما تعلمون من سوق العقارات، هناك بعض الأماكن التى لا تكون متاحة للبيع أبدًا». من المحتمل أن يكون اللقاء بين رئيس الوزراء والرئيس هو القمة الأكثر متابعة فى تاريخ كندا، وسط مخاوف من المزيد من الاحتكاك الدبلوماسى والتجارى بين بلدين يتقاسمان تقليديا القيم السياسية والثقافية. قبل دقائق من الاجتماع، نشر ترامب على وسائل التواصل الاجتماعى أنه «يريد بشدة» العمل مع كارنى، لكنه أعاد إحياء رقم تم دحضه مفاده أن الولاياتالمتحدة «تدعم كندا بمبلغ 200 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى منحها الحماية العسكرية المجانية». قال كارنى: «من المهم دائمًا التمييز بين الحاجة والواقع». إلا أن كارنى تجنب طوال الوقت انتقاد الرئيس شخصيًا، مدركًا تمامًا أن البلدين يشتركان أيضًا فى اقتصاد متكامل، إذ يتجاوز حجم التبادل التجارى بينهما تريليون دولار كندى «725 مليار دولار أمريكى»، وأن الدبلوماسية الأمريكية تعتمد أكثر من أى وقت مضى على نزوات رئيسها. وتطرق الاجتماع إلى العلاقات التجارية للبلاد، حيث أشار ترامب إلى اهتمامه بإعادة التفاوض على جوانب رئيسية من اتفاقية التجارة الحرة USMCA، واصفا الاتفاقية السابقة، نافتا، بأنها «الأسوأ فى تاريخ العالم». ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن فوز كارنى كان بمثابة لحظة مذهلة فى صعوده السريع فى المؤسسة السياسية الكندية منذ دخوله السباق لخلافة ترودو فى يناير، ورغم حداثة عهده السياسى وخبرته فى صنع السياسات، اتسم كارنى بنبرة جدية ومحسوبة، وتحدٍّ لمبادرات ترامب العدوانية، مما ساعد فى التأثير على الناخبين الذين كانوا يفكرون فى دعم المحافظين، وفقًا لاستطلاعات الرأى ورأى بعض الناخبين الأفراد. وبدا أن سياسته، كبراجماتى ووسطى، تتلاءم بشكل أفضل مع التوجهات الكندية بعد عقد من أجندة ترودو التقدمية. كانت هناك أدلة وافرة على أن شخصية كارنى وخلفيته قد عززتا موقف الليبراليين. فهو خبير اقتصادى خريج جامعتى هارفارد وأكسفورد، وشغل منصب محافظ بنك كندا خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، ومحافظ بنك إنجلترا خلال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. ثم انضم لاحقًا إلى مجالس إدارة شركات، وأصبح صوتًا بارزًا فى مجال الاستثمار المراعى للمناخ. سيكون الطريق أمام كارنى وحكومته الجديدة شاقًا. فى البداية، سيحتاج إلى التفاعل مع ترامب وموقفه المتقلب تجاه كندا، ومناقشة قضايا شائكة، بما فى ذلك التجارة والأمن. وسوف يحتاج إلى أن يُظهِر للناخبين أن أوراق اعتماده فى السياسة الاقتصادية يمكن استخدامها حقاً لتحسين النمو الاقتصادى البطىء فى كندا ومعدلات البطالة المرتفعة باستمرار.