لم أشاهد أية حلقة من مسلسل "الجماعة" الذي كتبه وحيد حامد، ولم أعرف عنه شيئا، ولم يبلغن منه إلا رد فعل الجماعة الغاضب.. وربما يكون عدم اكتراثي نابعا من احساسي أوتوقعاتي بضعف الدراما المصرية والتي بلغت مبلغ "الهيافة" والاستخفاف ولا يليق بكل ذي عقل أن يسلم عقله لهذا السفه. لن يكون مسلسل وحيد حامد، خارج سياق هذا "التهييف" لمصر : العقل والمكانة.. لم نتوقع له أن يكون مضاهيا لمسلسل "الملك فاروق".. لأن فارقا كبيرا بين الأخير والبنا.. فالأول انتهى سياسيا واختفى تماما منذ أن ترك مصر ولم يترك ما يقلق النظام.. بات الكلام في شأنه مثل النفخ في "القربة المخرومة".. مسلسل "الملك فاروق" كان عملا ناجحا بكل المقاييس الفنية والمهنية، وربما أعاد جزءا من الاعتبار إلى الملك الذي استباح قادة يوليو عرشه وعرضه، ولكنه يظل تأثيره عند حدود تأثير الأفلام القديمة.. مجرد سلسلة من الصور التذكارية تنقل إلينا بضع مشاهد من "الزمن الجميل". حسن البنا رحمه الله كان ولا يزال شيئا مختلفا، لم يكن ملكا مُسح "بالاستيكة" مع زوال ملكه، وإنما زعامة دينية وسياسية، لا يزال يقلق الحكام والملوك والرؤساء والأمراء والطغاة وهو في قبره! البنا توفى عام 1949، ولا يزال إلى اليوم يخشون اسمه وفكره واتباعه: يساقون يوميا إلى المعتقلات والمحاكم العسكرية وتزور الانتخابات خوفا منهم ويتلاعب بالدستور رعبا من وصولهم إلى السلطة..فماذا نتوقع من مسلسل يكتبه سيناريست تعايش واقتات واثرى من العمل في خدمة نظام وتيارات سياسية لازالت ترتجف خوفا كلما ذكر اسم حسن البنا؟! جماعة الإخوان المسلمين مثلها مثل أية جماعة سياسية مدنية عليها من المآخذ والتحفظات ما لا يخفى حتى على أعضاء وقيادات وفصائل بداخلها.. ولكن المشكلة أنها على يد وحيد حامد لن تكون في مثل صورة رئيس الجمهورية في فيلم "طباخ الرئيس".. بل ستعيد انتاج الصورة النمطية المعادية للجماعة بالحق والباطل. الرأي العام يتوقع أن يكون التعاطي انتقائيا وربما مسفا ومتبنيا كل ما يشيطن الجماعة في بيئة سياسية باتت فيها الأخيرة هي الأكثر نشاطا وحركة وازعاجا للنظام وللتيارات العلمانية المتطرفة.. وكنت أتمنى أن يكون رد فعل الجماعة على المسلسل هادئا وحصيفا وياليتها قابلته بالتجاهل لأن الكاتب كان يراهن على عصبية الجماعة وانفعلاتها لتحقيق الدعاية للمسلسل، إذ تولى الإخوان الغاضبون فعلا مهمة الدعاية المجانية والعفوية لعمل تليفزيوني مشوه ولقيط ولن يكون له أصل إلا التزوير واختلاق الأحداث وافتعالها. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإن المسلسل مهما قيل عنه يظل "وجهة نظر" وعلى الإخوان أن لا يواجهوا الآراء "السلمية" مهما كانت قسوتها ومهما اسرفت في التضليل والتزوير برد فعل يتصف بالعصبية والتوتر والاضطراب لأنها جماعة كبيرة وتريد الآن أو لاحقا أن تكون شريكا في الحكم ولا يليق ب"رجل الدولة" أن يستسلم لانفعالاته العفوية ويطلق لها العنان وأن يغضب لنفسه أكثر من غضبه لما هو أهم وأقدس وأعظم. [email protected]