لا يوجد مواطن سوى صالح لا يتمنى ان يعيش في دولة لها هيبتها؛ تعلوا فيها قيمة القانون وقامته على ما عداها من اعتبارات، هيبة تحفظ حقوقهم وتؤمن حياتهم وتحقق مبدأ الردع لمن تسول لهم أنفسهم الامارة بالسوء ان يخرجوا على القانون، والحاق عقاب عادل ورادع بالبلطجية والفاسدين الذين عاثوا في الأرض فسادا أيا ما كان مستواهم الوظيفي او الاجتماعي وأيا ما كان موقعهم من السلطة الحاكمة مؤالين لها ام مناهضين لكن ترى ما ماهية هيبة الدولة وما مصادرها الحقيقية وما الذى يهددها(؟؟) يقصد بهيبة الدولة هو ذلك الشعور بالوجل والتهيب الذى يستقر في نفوس المواطنين ويمنعهم من تحدي الدولة أوانتهاك نظامها العام، وذلك خشية منهم واقتناعا بأنهم إن فعلوا سيلقون عقابا رادعا؛ ذلك انهم شاهدوا مباشرة او عبر وسائل الاعلام او قروأ او سمعوا عن ذلك العقاب الأليم الذى نزل بالمجرمين في كل مرة تم التعدي فيها على حرمة الدولة ونظامها العام،وينطوي مفهوم هيبة الدولة على عنصرين: أولهما الرهبة والخشية،العنصرالثاني هو الاحترام، اي الشعور بالتقدير لأفعال الدولة، وهو شعور ينبعث من التزامهذه الأفعال بقيم وقواعد دستورية قانونية معلنة ومعروفةومن خدمة هدف عام يتعدى مصالح القائمين علي إدارة الدولة وتتعدد مصادر هيبة الدولة أولها: القوة الاقتصادية والعسكرية؛ بما يجعلها قادرة على توفير احتياجات المواطنين الاساسية وتأمين وحماية حدودها ومقدراتها، اما ثاني مصادر هيبة الدولة فيتمثل في عدلها مع مواطنيها في تطبيق القانون بشفافية ونزاهة وإعمال معايير واحدة للحكم على الحالات المتشابهة واصدار ذات الاحكام المجتمعية والاعلامية والسياسية عليها، اما ثالث تلك المصادر فيتمثل في سيادة مبدأ الشفافية والمحاسبية وسريانه على الحاكم والمحكوم، وهذا المصدر هو امتداد لمبدا العدل، وميزة ذلك انه يجعل هيبة الدولة قرينة الحب والاحترام والولاء والانتماء وليس مجرد خوف يستقر في الصدور مقرونا بالكراهية والنفاق وحب الانتقام والتشفي ومما يهدد هيبة الدولة وينقص من قدرها في نفوس مواطنيها قصور قدراتها الاقتصادية وتعثرها في الوفاء باحتياجاتهم الاساسية وعجزها عن حماية وتأمين حدودها ومصالحها العليا، كما ان الظلم بأنواعه (الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي….الخ) يهدد هيبتها ويضربها في مقتل، إذ ان فرض هيبة الدولة بالقوة الغاشمة والقهر دون شعور المواطنين بالعدل يؤدى لزيادة مساحة النفاق في المجتمع؛ بمعنى ان يظهر بعض المواطنين عكس ما يبطنون تجاه الدولة وهذه من اخطر السمات التي تهدد الامن القومي بمفهومه الشامل، إذ يلجأ أولئك المواطنون الذين لا يقون على تحمل تبعات اعلان مواقفهم والاشهار باعتراضهم على ظلم وجور الدولة بحقهم؛ يلجأ أولئك المواطنين إلى "ميكانزم" الانسحاب الظاهري وتجنب المواجهة مع سلطة الدولة الغاشمة بيد انهم للأسف وهذا هو الاخطر يلجون لا شعوريا إلى حيل انتقامية ينفسون بها عن غضبهم المكبوت وشعورهم الدفين بالظلم والغبن، ومن هذه الحيل الانتقاميةاللاشعورية السلبية في أداء أدوراهم الوظيفية والنزول بها للحد الادنى الذى يجنبهم العقوبة، كما قد يقاطع أولئك المواطنون اى أنشطة سياسية فلا يذهبون للأدلاء بأصواتهم في الانتخابات والاستفتاءات ويمتنعون عن الابلاغ عن أي جرائم يرونها ترتكب في حق الوطن، ذلك ان معدل ظلم الدولة وجورها يسير في اتجاه معاكس تماما لمنسوب الانتماء والولاء لدى مواطنيها. لذا أدركت الدول المتحضرة ذلك جيدا؛ وحرصت على إعلاء قيم دولة القانون وحقوق المواطنة وإرساء مبدأ الشفافية والمحاسبية بما يضمن تطبيق القانون على الحاكم والمحكوم على حد سواء، وبما يشعر المواطنين بالعدل وانهم جميعا دون تمييز يحظون بدعم الدولة ورعايتها ومع ذلك وقبله احترام إرادتهم والانحناء امامها والرضوخ لها وعدم تسفيهها والالتفاف عليها، ولقد اقدمت الدول المتحضرة على ارساء تلك المبادئ السامية ادراكا منها ان ذلك فقط هو ما سيحقق الامن القومي ويحفظ هيبة الدولة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.