يشير مفهوم دولة القانون إلى دولة العدل والحقوق، وهي الدولة التي يعلو فيها القانون ويسود على ما سواه من اعتبارات أخرى قد تبدو ذات قيمة وأثر في المجتمع مثل المركز الاجتماعي أو المالي أو الديني أو الوظيفي، ومن المظاهر الأساسية لدولة القانون إخضاع الدولة في جميع تصرفاتها الداخلية والخارجية لحكم القانون؛ ولا يمكن لبلد أن تسود فيه الحرية المسئولة والديمقراطية ويزدهر الاستثمار دون أن تترسخ به أولًا دعائم دولة القانون، ودولة القانون بهذا المفهوم هي نقيض الدولة البوليسية التي تكون فيها السلطة التنفيذية مطلقة الحرية تتخذ ما تراه من قرارات دون التقيد بالقانون والدستور وتكاد تنعدم فيها الفواصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومن ثم تغيب عنها الشفافية والمحاسبية ويسود الفساد الإداري والمالي في كل مؤسسات الدولة. وتتأسس دولة القانون على مجموعة من المبادئ السامية منها: سيادة الدستور والقانون، الفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، ليس بمعنى أن تعمل وكأنها جزر منعزلة ولكن بمعنى أن لكل سلطة سيادتها واستقلالها ولا تطغى أو تتغول سلطة على أخرى بما يضمن تحقيق التوازن في المجتمع، ومن مبادئ دولة القانون أيضًا تفعيل مبدأ الشفافية والمحاسبية، واحتكار الدولة الاستخدام المشروع للقوة؛ وهذا يضمن تجريد الأفراد والمؤسسات الخاصة من استخدام القوة بما يكفل إرساء دعائم الأمن والسلام الاجتماعي واستبعاد شبح الاحتراب والاقتتال الأهلي، وضمان أمن وأمان الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع. والرابحون من إرساء دعائم دولة القانون كثر؛ الدولة ذاتها إذ إنها ستتمكن من الفوز بثقة المؤسسات الدولية وستتباهى بذلك في الأوساط والمحافل الدولية، والمجتمع بمؤسساته وأفراده الصالحين الأسوياء الذين تفرض عليهم دولة القانون واجبات وتضمن لهم حقوقهم، وسيادة دولة القانون يوفر بيئة تشريعية واجتماعية وثقافية جاذبة للاستثمار وداعمة له مما يكون له عظيم الأثر على انعاش الاقتصاد الوطني ورفع المستوى الاقتصادي للأفراد، أما الخاسرون من إرساء دولة القانون فهم البلطجية والخارجون عن القانون والمؤسسات والتنظيمات غير الشرعية التي تهدد سلام المجتمع وأمنه، لذلك كان ولا يزال الوطنيون المخلصون على اختلاف أيديولوجياتهم ينادون بضرورة إرساء دعائم دولة القانون في مصر، ليقينهم أن ذلك يمثل عاملًا أساسيًا من عوامل نهضتها وسمة أساسية من سمات تحضرها. ولقد صدرت خلال الأسابيع الماضية رسائل إيجابية مطمئنة لرجل الشارع العادي تفيد استعادة دولة القانون لهيبتها وسلطتها في مصر بعدما شهدته من انفلات أمني وأخلاقي عقب ثورة يناير، ومن هذه المؤشرات ما شاهده المواطنون عبر وسائل الإعلام من إلقاء القبض على جمال صابر، منسق حركة لازم حازم، واقتياده معصوب العينين للتحقيق معه فيما نسب إليه من اتهامات، ومشاهد القبض على أحمد قذاف الدم والتحفظ عليه والمداولات القانونية بخصوص تسليمه، واستدعاء النيابة للناشطين السياسيين المشهورين مثل الدكتور حازم عبد العظيم، وحمدي الفخراني للتحقيق معهم، وإلقاء القبض على الناشط أحمد دومة وإبقائه قيد الحجز ، والقبض على عبد الله بدر لتنفيذ الحكم الصادر ضده في قضيته الشهيرة مع إلهام شاهين، وأخيرًا إلقاء القبض على الفنان محمد رمضان بطل فيلم "عبده موته" في واقعة تم فيها اتهامه بحيازته سلاحًا ناريًا وذخيرة حية؛ كل تلك الحالات أبرقت برسائل واضحة وسريعة بأن لا أحد فوق القانون مهما كان وزنه الاجتماعي أو السياسي أو شهرته، وهى رسائل جد مهمة وضرورية في الوقت الراهن بالذات وكنت أتمنى أن يتم إخراجها إعلاميًا بطريقة أكثر حرفية بحيث تظهر الشرطة المصرية أكثر تحضرًا وكفاءة واقتدارًا بعيدًا عن مشاهد الفوضى والعشوائية. يبقى أن نرى دولة القانون ناشطة وفاعلة في مواجهة كل المتدثرين بالحصانات والمواقع التنفيذية والمراكز الطبيعية رفيعة المستوى وألا يحول بين بسط يدها على كافة أرجاء المحروسة ومن فيها حائل مهما كان. [email protected]