استغربت جدا من اللقاء الخاص والسري الذي تم بين الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وبين قياديي الإخوان المسلمين ، محمد علي بشر وعمرو دراج ، وهو اللقاء الذي تم الكشف عنه لاحقا ، حيث تكلم الطرف الإخواني ليوضح بعض ما جرى ولم يتكلم هيكل ، وربما اشترط عليهم أن لا يتكلموا في التفاصيل ، الغريب في الأمر أن الإخوان "تكبروا" على التحاور سابقا مع أطراف أعلى وأهم من هيكل كثيرا وأكثر مصداقية واحتراما ، وركبوا رأسهم ، ثم هم الآن يتدنون لمستوى هيكل ، وعلى الرغم من قناعة الإخوان وكثير من النخبة المصرية بأن هيكل هو أحد عرابي عملية الإطاحة بالإخوان وتأديبهم التي تتم الآن بصرامة وحسم ، وأحد العقول الأساسية التي شاركت في صناعة السيناريو كله ، وهم يعرفون ذلك ، وقالوه ، كما أن هيكل تحول منذ الإطاحة بالإخوان ومن قبلها بعدة أشهر إلى منصة دعاية سوداء ضد الإخوان وضد محمد مرسي ، فهو على الأقل خصم سياسي وليس وسيطا نزيها بأي معيار ، ومع ذلك قبلوا أن يجلسوا معه ويستمعوا إلى عروضه السخية ، لكي يؤكدوا على عمق الحكمة المصرية الشهيرة "القط يحب خناقه" ، والحقيقة أن هيكل الآن في ورطة كبيرة ، لأنه مطالب بالبحث عن أفكار للخروج من الأزمة التي أدخل البلاد فيها ، بعد أن نجح تحالف أنصار مرسي في وضع العصا في عجلة الدولة الجديدة ، والمؤكد أن هيكل يسمع كثيرا هذه الأيام في لقاءاته الخاصة الأغنية الشهيرة "اللي شبكنا يخلصنا" ، لأن حساباته كانت خاطئة بالكامل ، وعقله الذي تجمد عند المرحلة الناصرية ومعادلات الخمسينات والستينات من القرن الماضي يعجز عن أن يدرك مستجدات واقع جديد ، واقع الإنسان في مصر بعد ثورة يناير ، وهيكل بشكل عام متواضع جدا في أي حديث له صلة بالواقع الجديد ، محليا أو إقليميا أو دوليا ، رغم امتلاكه لشياكة مبالغ فيها جدا في الأسلوب والمصطلحات وتقمص ثياب الحكماء ، وهو يبحر فقط في مجاهل التاريخ الناصري وما مهد له من أحداث وشخصيات وما تمخض عنه ، وحكايات الزمن الماضي والتي لا يوجد عليها شاهد واحد حي ، وما زال تحليله العبقري لعملية تدمير برجي التجارة في أمريكا واتهامه لصرب البوسنة بالعملية ، ما زال مضرب الأمثال على "آثار الشيخوخة" على العقل الصحفي ، وهيكل يشعر بثأر خاص مع محمد مرسي والإخوان ، لأنهم رفضوا وساطته لإخراج ابنه "حسن" من قضية الفساد الكبرى المتهم فيها مع صديقه "جمال مبارك" ، والتي نصب فيها الاثنان على البنوك وعلى البورصة المصرية وسرقوا مئات الملايين من أموال المصريين ، ويفترض أن "حسن محمد حسنين هيكل" المتهم الهارب من العدالة خارج مصر ما زال مدرجا على قوائم ترقب الوصول بأمر النيابة العامة ، وإن كانت هناك تقارير تم تسريبها مؤخرا بأن ملف حسن جرى تسويته بعد أحداث 30 يونيو ، وأن اسمه رفع من قوائم ترقب الوصول ، فهيكل له ثأران مع الإخوان ، ثأر تاريخي ، وثأر شخصي جديد متعلق بتجريس ابنه والإصرار على محاكمته في قضية الفساد الكبرى . الإخوان قابلوا هيكل من وراء ظهر شركائهم في "التحالف الوطني لدعم الشرعية" ، وهي عادتهم مش ها يشتروها ، وقد تحججوا بعد الفضيحة بأن هيكل "اشترط" أن يقابل الإخوان وحدهم ، وهو عذر أقبح كثيرا من الذنب الذي اقترفوه والذي يتوجب أن يعتذروا عنه علنا الآن ، لأنهم يعلمون مسبقا أن هيكل لم يطلب مقابلتهم لكي يتباحث معهم في مستقبل الدوري العام لكرة القدم ، واستعدادات المنتخب الوطني لكأس العالم ، وإنما هم يعرفون أنه يريد التفاوض معهم بالنيابة عن آخرين وأخذ انطباعات أولية عن سقف الحوار وما وصلت إليه بنود المطالب ، وهيكل يدرك أن كثيرا من الخيوط الآن أفلتت من يده ويد من ورطهم في بعض السيناريوهات ، ويريد أن يبحث عن مخرج أقل تكلفة ، إن لم يكن مجانيا ، وكان من الأمانة أن يشترط الإخوان ، وليس هيكل ، أن يحضر ممثلون عن التحالف ، كما أنه عندما يفكر الإخوان في أن يتفاوضوا ، وعندما يفكرون في وسطاء فإن البديهة توجب عليهم أن يختاروا شخصيات مشهورة بالنزاهة والحيدة ، كان عليهم أن "يستنضفوا".
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1