انتابتني حالة من الدهشة والذهول أمس وأنا أستمع إلى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية يقول أنهم لم يحسموا أمرهم هل تكون انتخابات الرئاسة أولا أم انتخابات البرلمان ، هذا الكلام يعني أن "الملعوب" وصل إلى مراحل متقدمة في مخطط سرقة ثورة الشعب المصري واختطاف الوطن وتهميش الشعب ، كنت أتصور أن الدعاية الناصرية المتتالية عن ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية أولا ، كنت أتصور أنها "جس نبض"مبكر ، ولكن كلام المتحدث باسم الرئاسة أمس كشف عن أن هناك ترتيبات حقيقية تشارك فيها رئاسة الجمهورية "وآخرون" في رأس السلطة ، وكنت قد حذرت قبل أسابيع من خطورة هذا الكلام ، لأنه يعيد تكرار نفس المغامرة التي شهدتها مصر مع تجربة محمد مرسي والإخوان ، يأتي رئيس للجمهورية على بلد مفرغة من مؤسساتها الدستورية ، وأخطرها على الإطلاق البرلمان ، لأنه المؤسسة الشرعية الوحيدة التي تعبر عن إرادة الشعب بصورة جماعية ، وهي الرقيب المؤسسي الوحيد والحقيقي على السلطة التنفيذية بجميع أذرعها وأجهزتها ، وهي المؤسسة الوحيدة التي يمكن بها عزل رئيس الجمهورية أو تحجيمه أو محاكمته ، فأن يحاول البعض أن يصنع رئيسا للجمهورية على دولة بلا مؤسسات تشريعية أو رقابية ، بلا برلمان ، فهذا يعني أنه تخطيط مباشر لصناعة الطغيان والانفراد الكامل بالسلطة ، والتلاعب بالوطن وسرقة إرادة جماهيره ، وتعالوا نحسبها بالعقل فقط ، إن مصر الآن لها رئيس جمهورية يمارس سلطاته وصلاحياته كاملة ، أو هكذا فهمونا ، وهو صحيح رئيس مؤقت ، لكنه رئيس جمهورية ، فليس لدينا فراغ في المنصب يمثل تهديدا جديا وعاجلا للوطن ، ولكننا ليس لدينا برلمان ولو مؤقت ، وبالتالي فعملية التشريع والرقابة وكل ما يتفرع عنها معطل وأجهزة الدولة الأمنية والإدارية وغيرها تعمل بالبركة أو تسامح حال الاضطرار ، فأيهما أولى وأخطر وأكثر إلحاحا ، التعجيل بإيجاد غير الموجود ، أم التعجيل بتغيير ما هو موجود بنسخة جديدة مطورة ، إن البلاد لن تعاني أي فراغ أو أزمة أو معضلة إذا بقي المستشار عدلي منصور رئيسا للجمهورية عاما أو حتى عامين ، ولكنها تعاني وتضيع إذا افتقدنا وجود برلمان لمدة عدة أشهر فقط ، البرلمان هو رمز الديمقراطية الأعظم في الدولة الحديثة ، وهو قلب العمل السياسي المؤسسي الحقيقي ، والذين يقولون أننا نؤخر انتخابات البرلمان من أجل أن نقدم انتخابات الرئيس يريدون أن يأتوا برئيس فرعون ، مطلق الصلاحيات ، هو الذي يحكم وهو الذي يشرع وهو الذي ينصب الحكومة وهو الذي يعزل الوزارة وهو الذي يضع السياسات الأمنية وهو الذي يعيد هيكلة بنية الدولة كلها ، هو كل شيء في البلد ، إنها خطوة من أجل صناعة الاستبداد ، وأنا على يقين من أن هذا الرئيس الجديد ، أيا كان جنسه أو انتماؤه ، سيكون أول ما يفكر فيه هو تعطيل انتخابات البرلمان أو تأجيلها ، تماما كما كان يفعل محمد مرسي ، حتى لا يكون هناك "رأسان" في الدولة ، لأن البرلمان هو الذي يفرز الحكومة وهو الذي يحدد رئيس الوزراء ، وهو الشوكة التي في خاصرة أي رئيس جمهورية ، وسيجد الرئيس الفرعون الجديد ألف سبب وألف حيلة وألف "لعبة" من أجل تأجيل انتخابات البرلمان ، وصناعة الفراغ السياسي والتشريعي ، من أجل أن يتاح له فرصة السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة وأجهزتها وإعادة تشكيلها على مقاسه أو مقاس فصيله أو حلفائه ، ثم إذا أتت انتخابات البرلمان يكون بيده مفاتيح "هندستها" بالكامل حسب ما خطط هو "وجماعته" لها . الناصريون الآن يركزون على مطلبين أساسيين ، الأول هو أن تكون الانتخابات بنظام الفردي ، وذلك لتسهيل سيطرة الفلول ورجال أعمال الحزب الوطني المنحل على البرلمان ، والثاني تبكير انتخابات رئيس الجمهورية قبل البرلمان ، من أجل الدفع بالمرشح الموعود مدعوما بأجهزة ومؤسسات نافذة وربما ببعض التدخلات "حسنة النوايا" من أجل اختطاف منصب الرئيس ، فتكون المعادلة التي تحكم مصر خلال المرحلة المقبلة، رئيس ناصري ، وسيادة عسكرية ، وبرلمان فلولي ، وشعب يمشي "جنب الحيط" !
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.