عندما دعا المفكر الإسلامي المرموق ، وصاحب الصوت المعتدل ، الدكتور محمد عمارة إلى ضرورة التحاور مع الشباب المتطرف ، والذي يستعمل العنف ، لإقناعهم بالتخلي عن هذا النهج الخاطئ ، كتاب مهاجما للرجل ومجرحا فيه تجريحا مريرا ، فقال : "أما دعوة الدكتور محمد عمارة فهي دليل قطعي على أن هؤلاء المتأسلمين جميعا تيارا واحد حتى هؤلاء الذين يدعون الحكمة والاعتدال فهم في نهاية الأمر يروجون لذات الفكرة الإرهابية . ثم يضيف : "إنه يريد أن نعطيهم شرف أن نحاورهم وهم مجرد قتلة ، أما هو ضمير لهم ومتستر عليهم" (الصفحة 90 من الكتاب المذكور) ، أليس هذا من الهوس والغلو البغيض أن ينفي عن مفكر إسلامي مرموق وصف الإسلام ويتهمه بغير دليل ولا حجة بأنه ضمير للإرهابيين ومتستر عليهم ، بل يجعله معهم في سلة واحدة ، وأنه يروج للفكرة الإرهابية . ولم يكتف رفعت السعيد بمحاولة تجريح وهدم الرموز الإسلامية في مصر وحدها ، بل إن أي رمز إسلامي يطوله لسانه أو قلمه لا يتورع عن تجريحه وطرده من الإسلام ، وها هو يهاجم الشيخ عبد العزيز بن باز ، العالم الجليل ، مفتي المملكة العربية السعودية ، والرجل الذي يحظى بالاحترام والتقدير من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، لعلمه وتواضعه وعفة لسانه ، يكتب عنه رفعت السعيد قائلا : "يواصل الشيخ عبد العزيز بن باز فتاواه المتأسلمة ، والتي تعبر عن هذا النمط من التأسلم السعودي الذي يتحول بالإسلام من رحمة للعاملين إلى معول يهدم العقل والعلم" (الصحفة 62 من الكتاب المذكور ، وقد سبق نشرها في جريدة الأهالي بتاريخ 11 1 1995) . أليس من الهوس أن يوصف العالم الجليل بأنه متأسلم وأنه معول هدم للعقل والعلم؟! بل إن الغلو يصل به إلى حد أن يطعن في الدولة ذاتها ويصفها بأنها تؤوي الثعابين المتأسلمة في صحفها لتمنحها حصانة رسمية ، فقد كتب تحت عنوان "ثعابين رسمية" يقول : "وجحور الثعابين المتأسلمة كثيرة في مصر ، لكن أخرطها وأكثر إيواء للأفاعي السامة هي مجلة تسمي نفسها اللواء الإسلامي ، وتقول أن الذي يصدرها هو الحزب الحاكم ، فهي إذن لسان حاله ، أو هو مسئول عن خطاياها وأخطائها ، وهذا اللواء المتأسلم ، ينفث سمومه الداعية لخراب الوطن ، وإلى تكفير كل خصومهم متسربلا في كل ما يكتب بستار رسمي ، يضفي على تأسلمه حصانة وعلى سمومه مشروعية ، وهل أحتاج أن أقرر وأكرر أن مثل هذه السموم هي المصدر الشرعي للقتل بالرشاش والقنبلة" (الصفحة 160 من الكتاب وقد سبق نشرها في جريدة الأهالي بتاريخ 5 7 1995) . وأرجو أن تلاحظوا طبيعة الألفاظ التي يستخدمها في هذا النقد العجيب . وفي رده على أحد الكتاب الإسلاميين يقول عن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : "وهو المشار إليه بأنه رأس الاعتدال في تياركم وبهذا الوهم سمح له التليفزيون الرسمي بالتسلل إلى بيوتنا ليعلم الناس شؤون الدين" (الصفحة 148 من الكتاب المذكور) ولا تكاد مؤسسة من مؤسسات الدولة تسلم من هذا الهجوم الموتور ، بما في ذلك القضاء المصري والأزهر كمؤسسة ، فقد استباح لنفسه أن يروج للدعايات الكاذبة والمشينة ضد قضاء مصر وضد الأزهر ، حيث روج في مقاله المنشور بتاريخ 30 11 1994 للعدوان على الأزهر ، فكتب عن مصادره يقول : "فالأزهر ومنذ حوالي عشر سنوات أصبح يلعب دورا بالغ الخطر على حياتنا الثقافية ، وتحول مجمع البحوث الإسلامية عن مهمته الأصلية .. إلى نوع من محاكمة المثقفين ، مهمته إنزال العقاب على من يتصور أنهم يخالفونه الرأي" ، ثم استدار إلى القضاء كي يبث فيه وعنه سمومه ووصفه بأنه "مخترق" ، وقال : "إن الأزهر كمؤسسة عليمة لها ثقل الآن في المجمعات استطاعت أن تخترق النظام القضاء والتشريعي وتغازله ويغازلها ، هذا الغزل المتبادل" (الصفحة 36 من الكتاب المذكور) . بل إن الهوس والجرأة البشعة على القضاء ورجاله جعلته ينقل في كتابه الطعن الصريح في نزاهة القضاء والتعريض بشخص أحد المستشارين الأفاضل ، السيد المستشار طارق البشري ، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة . تعليقا على فتوى أصدرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ، بجعل الاختصاص في تحديد الشأن الإسلامي في الأعمال الفنية يعود للأزهر وليس لوزارة الثقافة ، ورغم أن الفتوى تصدر عن أكثر من عشرين مستشارا هم أعضاء الجمعية ، إلا أنه حرص على جعل قلمه منبرا للطعن في المستشار طارق البشري ، رئيس الجمعية ، بل لم يكتف بالتعريض بالمستشار الفاضل فقط ، بل نقب في شجرة عائلته لكي يطعن في جده فضيلة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر الشريف سابقا ، فينقل القول المشين : "أود أقول في النهاية أن الفتوى غير معزولة عن صاحبها المستشار طارق وتحولاته ، بل غير معزولة عن فقه المالكية الذي ينتمي إليه جده الشيخ سليم البشري ، وهذا المذهب يوصف أصحابه بالجمود والتعصب" . (الصفحة 36 من الكتاب المذكور ، وقد نشرها أيضا في مقالته المنشورة في الأهالي بتاريخ 7 12 1994) ، وهل هناك هوس أكثر من هذا ؟! والرجل لم يكتف بمحاولة هدم الرموز الإسلامية الآن فقط ، بل إنه يستدير إلى الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي ، لكي يشوهه تشويها بشعا ، ويهدم معالمه فقد كتب يقول : "وما كانت دعاوى الأمويين والشيعة والعباسيين والعثمانيين والزعم بأنها أصحاب الولاية على المسلمين ، وهي دعاوى استخدمت السيف دوما لحسم الخلافات الفكرية .. ما كانت هذه الدعاوى جميعا سوى محاولات لتسييس الدين ، أي تديين المنازعة على السلطة ، وإعطاء الفعل الذي غالبا ما كان عنيفا وبشعا في عنفه غطاءا ومبررا دينيا" (الصفحة 21 من الكتاب المذكور) ، بل إنه يروج أمام العامة في مقالات أن الجنود المسلمين في جيش معاوية بن أبي سفيان ، عندما دخلوا المدينةالمنورة اغتصبوا بكارة ألف فتاة من بنات المسلمين الأبكار (في الصفحة 18 من الكتاب المذكور) ، وبالله عليكم إذا كان تاريخ الإسلام كله باستثناء ثلاثين عاما فقط هو تاريخ تأسلم وخداع باسم الدين ، وأن المسلمين كانوا هجما يغتصبون فتياتهم الأبكار ، وفي مدينة رسول الله ذاتها ، فماذا بقي لنا حتى لا نصف هذا الكلام بأنه هوس ؟! بل ماذا يتبقى عندما يستدير هذا الكاتب الماركسي إلى سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، لكي يصفها بأنها "أفكار الجهالة التي لا تناسب القرن العشرين" ، حيث كتب يعلق على تمسك المسلمين بالهدي الكريم فيقول : "أفكار تنتمي إلى دائرة الجهالة ، فيقال للطفل عندما يغطس الحمد لله لأن العطس من نعم الله ، والتثاؤب من فعل الشيطان .. فهل مثل هذه الأفكار تناسب إنسان القرن الحادي والعشرين" (الصفحة 220 من الكتاب المذكور)