لا أظن أن تهيئة الأوضاع نحو الجمود والتشبث بالسلطة رغم كل هذا الغليان بسبب الفساد والعجز عن إدارة البلاد بطولة تحسب للحزب الوطنى وقياداته، بل هى عمل أنانى يضحى الشعب كله بالوطن حتى يبقى الحزب على أطلال أمة. فإذا كان هذا الحزب يريد حقا ما وصلنا إليه دون تفصيل تعرفه قياداته جيدا فقد نجح نجاحاً باهراً فى ذلك، حيث وصلت مصر على المستوى الدولى إلى حال لا يناسب مطلقاً قامتها ومكانتها التى تستحقها، ومع ذلك يرددون أن الدور المصرى فى أحسن حالاته، والدليل على ذلك أن مصر مهددة بالعطش بسبب هذه السياسات الحكيمة العاقلة. وإذا كان الحزب يدرك فعلاً ما أوصل مصر إليه وهو نادم على ذلك فليصحح المسار وليعد المسرح الشفاف وليدعوا الشعب إلى انتخابات حرة تحترم فيها إرادة المواطن التى لا يؤثر عليها الخوف أو اليأس من المستقبل أو الحاجة أو العوز، ثم يفوز الحزب الوطنى بشكل نزيه، فى هذه الحالة سيكون العيب فى شعب أدمن الاستبداد والفقر والعزوف عن السلطة ويستحق حكومته ونظامه وعلى الرافض أن يختار وطناً آخر وشعباً آخر. فهل يظن الحزب الوطنى حقاً أن الشعب يريدهم رغم كل شئ، وهل يرى أنه يحسن لمصر وأن هذه التشنجات فى جسد المجتمع وروحه ليست إلا مبالغات ورؤى مثقفين بلهاء وأن هذا الحزب هو الذى يحسن إدارة هذا الشعب بهذه الطريقة، وكما تكونوا يول عليكم؟. إن ما تشهده مصر اليوم هو الحصاد المر لسياسات خاطئة لا أظن أنها مقصودة لتدمير هيبة الدولة ومصداقيتها، فأصبح الوطن بعضه يمزق بعضه، وهل هذه خطة مرسومة حقاً حتى يتلهى الناس بهذه المعارك والعداوات بعيداً عن نقد السلطة والحكم بعدم استحقاق الحزب، وإزاحته عن الحكم بسبب أخطائه وخطاياه؟. أننى أحذر من أن أزمة المحامين والقضاة، والأمن والشعب، والشعب والفئات المختلفة مع الدولة، وأزمات الفساد والبطالة والأسعار وتجفيف منابع الرزق وانسداد آفاق الأمل فى غد حتى لو كان بعيداً أدى إلى تحلل خطير فى المجتمع وإلى ترتيبات وسلوكيات وجرائم يفزع المجتمع كله منها، بل ساقت هذه الأوضاع شبابنا إلى الانحراف أو الانتحار مادامت الحياة الكريمة قد أصبحت حكراً على "شعب الله المختار" من بين الشعب المصرى، فأيقظ ذلك الأحقاد والعداوات. ولا أظن أن هذه الآفات التى عصفت بالمجتمع، فضلاً عن تقزيم مصر فى منطقتها وتجاسر الأذلاء عليها بغير مبرر مقبول وإزاحتها بالإهانة عن مكانتها والتباكى بأنها مستهدفة وتتعرض لمؤامرة، كل ذلك سوف يؤدى إلى الانفجار. فلا يمكن للمحامين أن يقبلوا ما كان مقبولا فى السابق، ولا يمكن للقضاة أن يرضوا بأن تنكشف الدولة فيتعرضون للإهانة والاعتداء والاستفزاز فيفقدون حيدتهم ويهتز ميزان العدل فى أيديهم بعد أن سحقته الدولة عندهم، عندما عمد بعض منتفعيها إلى إباحة دخول النيابة والقضاء بغير الطريق الطبيعى وهو الكفاءة وتكافؤ الفرص، فتسلل إلى القضاة من ليس جديراً بشرفه فجمع سلطة واستقلال وهمياً إلى صلف وجهل واحتماء بالسلطة، ففتح ذلك الباب لكل صور الفساد. من ناحية أخرى، فإن السلطة التى عينت القاضى زجت به فى فساد الانتخابات العبثية حتى تضمن شرعية قضائية وهمية لبقائها وغصبها للسلطة، ثم تدوس بالأقدام أحكام القضاء، فلم يعد للقضاء كرامة ابتداء وانتهاء، فاستخف بالقضاء من كانوا يقفون ببابه يرجون عدله، واستعلاءه على السلطة وإخضاعها لسيف القانون، فإذا بالسلطة تدوس القانون والقاضى والمواطن بأقدامها. فلا حل لهذه المأساة فى إطار هذا المناخ الفاسد المتعفن إلا بإتاحة الفرصة لديمقراطية تضمن كرامة الجميع وتنزل السلطة منزلة الخادم للسلطتين التشريعية والقضائية ولرأى المواطن الذى يملك تشكيل السلطة ورقابتها وتنحيها. أما حين تأتى السلطة غصبا فإنها تتحصن بالفساد، فتعمد إلى قلب الموازين، فتصبح الحكومة هى التى تشكل البرلمان بالتزوير، فيغدو النواب طائعين لمن عينهم، فلايملكون محاسبة أسيادهم والمتسترين على فسادهم، وتمر القوانين من هذا المناخ الفاسد، فيعانى الشعب هذا التواطؤ الغريب بين السلطة والبرلمان، ومن ذلك يعدل الدستور وتستر الجرائم ويتم تجاهل أنات المجتمع، ثم تزور إرادته لتأييد هذه الأوضاع. أما العداء بين الأمن والشعب، بسبب تحول السلطة إلى سلطة أمنية بوليسية، فإنه يؤشر دائماً إلى نهاية النظام فى كل الحالات التى رأيناها فى أكثر من ثلاثين بلدا، ولكن النهاية تكون عادة دموية، لأن الأمن أداة نظام لا يتمتع بمصداقية ولا رضى الشعب فيقهر الأمن الناس على منع الأنين، فيصبح الأمن بسبب تجاوزه لهذه المهمة وإمعانه فى تجاوز سلطاته وقوانين الدولة السلطة العليا فى البلاد. ولعل المراقب يلاحظ أن هناك مؤشرات كثيرة على استخفاف الناس بالشرطة وكل ما يتصل بها، وعلاج هذه الظاهرة لايكون بالمزيد من البطش والظلم، وإنما بإحترام القانون وعودة الشرطة إلى شعارها القديم أنها فى خدمة الشعب وتأمينه لا أن تكون سبباً فى قلقه وانعدام أمنه. ومعلوم أن استخدام القوة خارج دائرة القانون والشرعية هو الذى يميز العصابة عن القوة النظامية للدولة، فالشرطة تفقد شرعيتها إذا تجاوزت القانون وهكذا يعرض النظام بسبب أخطائه الفادحة أداة حماية المجتمع للخطر.