المشهد فى مصر الأن يظهر بوضوح أن الشعب المصرى كله يريد التغيير فى الأشخاص والسياسات وأن يضع مصر بشكل جدى على الطريق الصحيح ويردها عما انزلقت إليه من مهاوى يشعر بها المواطن المصرى، وليس بحاجة إلى أن يقرأ عنها كما أننا لسنا بحاجة إلى تفصيل ما وصل إليه الحال فى مصر .وقد صدرت هذه المطالبات بالتغيير بكلمات مختلفة وفى كل الأوقات من المثقفين والمفكرين والتجمعات الشعبية والحركات غير الرسمية وشباب الفيس بوك حتى بلغ اليأس من أى تغيير مبلغاً خطيراً فى هذا الفريق. تجب الإشارة إلى أن إعلان الدكتور البرادعى عما يعانيه الناس وتردده كل أجنحة الحركة الوطنية يعتبر إضافة بالغة الأهمية لأنها ضمنت تدويل معاناة المصريين بحيث أصبح العالم كله يعرف بالتفصيل ما تعانيه مصر .وقد انتظر الشعب المصرى أن يأتى التغيير من النظام وأن يشعر النظام بأن المصريين يستحقون إما نظاماً أفضل بكثير وإما رجالا على قدر المسئولية والكفاءة ممن يعمر بهم المجتمع المصرى. على الطرف الآخر فإن سلوك النظام فى مصر اتسم بأعلى قدر من اللامسئولية وعدو الاكتراث بل وقمع المطالبين بالإصلاح والمبالغة فى تجميل الصورة المريضة بشكل أفقد الناس الثقة فى كل مايتعلق بالحكومة من إعلام وصحة وتعليم وصار كل ماهو حكومى رمزاً للفساد وعدم الكفاءة رغم ما فى هذا التعميم من ظلم للبعض من المخلصين. بل إن الحزب الوطنى قسم المصريين إلى قسمين، فأصح القسم الذى معه هو مصر كلها وأما غيرهم أعداء هذا الوطن وأعطى الإشارة لكى تنشب مخالب أبواقه وكتبته فى لحومهم . فبدأ المشهد غريباً، مصر تئن مما تعانيه والمصريون يئنون معها، بينما الحزب يقمع كل الذين ينقلون هذا الأنين سعياً إلى العلاج فتسبب الحزب الوطنى فى منع العلاج عن مصر، وظل يكابر بأن الذين يتحدثون عن مصر المريضة مغرضون وعملاء وأعداء هذا الوطن وأن الحزب الوطنى هو وحده الذى احتكر الوطنية والديمقراطية معاً فصدق على الحزب الوطنى ما قاله طه حسين فى مقدمة كتاب الأيام "اللهم قنى ممن لايعملون ويسوؤهم أن يعمل غيرهم" . وقد نقل البرادعى بحكم المتابعة الإعلامية الدولية له ولأهمية مصر للعالم مأساة مصر ولو اكتفى الرجل عند هذا القدر لكان ذلك مساهمة حقيقية فى نقل مأساة مصر إلى العالم. المشهد إذن فيه طرفان حكم أصم أذانه وتشبث بمواقفه وصمم دستوره على هواه وزور إرادة المصريين، يقابله أصوات مصر فى كل مكان يطالب بعضها بالخلاص والتحدى من الحزب وما يرتبط به بعد أن يأس الناس من أن من أفسد يمكن أن يصلح، بل أنه مستمر من فساده ممن لا يجرؤ أحد منهم على نقض هذه الحقيقة. فمصر تستغيث وتنزف والوحش الكاسر قابض عليها. ورغم أن هذه صورة كاريكاتورية لتقريب المشهد فى مصر إلا أننى أستشعر الخطر الإضافى على مصر ويتمثل هذا الخطر فى أن إصرار الحزب الحاكم على مخططه فى الاستمرار فيما يعانيه المصريون وتبديد الأموال العامة فى سفاهات لاحصر لها ثم فرض الضرائب على الناس لتمويل هذه السفاهات ومن بينها التعويضات الباهظة التى تدفعها مصر فى منازعات الاستثمار الوهمى بسبب فساد الوزارء ذمة وكفاءة بل ورفعهم ومكافأتهم كلما سجلوا رقماً قياسياً فى الفساد ،فأصبح معدل الفساد والعجز هما معيارا التعيين فى الوظائف العامة بينما الكفاءة والنزاهة من المحظورات، وأصبح التضييق على كل من ينبه إلى مأساة مصر أمراً عادياً تمارسه الدولة الأمنية فكيف يترجم الشعب المصرى هذا الغليان إلى عمل سياسى واضح؟ وهل فقد الشعب تماماً الأمل فى أى تفاعل من جانب النظام معه؟. إننى أخشى أن يفهم النظام الأمر فهماً أمنياً كعادته وأن نشهد فى مصر خطين متوازيين، كل مصر على طريقه فيشجع ذلك بعض القوى الخفية التى تتربص بمصر فتلقى مصر إلى مزيد من المعاناة وفى هذه الحالة فإن المسئولية الكاملة تقع على من بيده القرار. وأخيراً فإن البرادعى وغيره من الأسماء ليست إلا رموزاً للتعبير وكلها تحمل رسالة واحدة وهى أن تصبح مصر كما يريدها المصريون لاما يريدها قلة نأمل أن تعرف طريقها إلى الهداية والوطنية الحقة.