كان من الطبيعي أن تثير الانتخابات التي جرت في حزب الوفد علي موقع رئيس الحزب جدلا كبيرا بنزاهتها والشفافية التي جرت بها والأهم أنها - حتي الآن علي الأقل - لم تؤد إلي انقسامات داخلية بل تصافح الفائز والمهزوم وانتهي الأمر عند هذا الحد ورغم أننا نؤمن بأن الجدل الذي أحدثته هذه الانتخابات منطقي وطبيعي في بلد لا يعرف الانتخابات الحقيقية أصلا لا في الأحزاب ولا في الانتخابات العامة - شعبًا وشوري ورئاسة - فإننا نؤمن انه من الطبيعي والمنطقي أيضا أن يكون هناك تساؤل حول الحزب الوطني الحاكم ولماذا لا يجري انتخابات - حقيقية - علي موقع رئيسه رغم كونه الحزب الحاكم منذ ثلاثين عاما تقريبا ثم من الطبيعي أن نتساءل عن وجود أحزاب مثل الحزب الوطني في العالم لا تجري انتخابات علي موقع رئيسها والصدمة أن هذا الأمر موجود بالفعل ولكنه موجود في الدول التي لا تعرف نظام التعددية الحزبية من الأساس وما زال يحكمها حزب واحد ووحيد مثل كوبا وسوريا وكوريا الشمالية وغيرها وهو ما يعني ببساطة أن مصر تنفرد في دول العالم بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي تعرف التعددية الحزبية لكن حزبها الحاكم لا يجري انتخابات علي موقع الرئيس. . طيب، هل هذا معناه أن الحزب الوطني الحاكم يمكن أن يجري انتخابات علي موقع رئيسه؟ نجيبكم بكل صدق أن هذا غير ممكن لأن الحزب الحاكم في مصر يقوم علي الفرد الواحد الذي هو رئيس الحزب - والذي هو رئيس الدولة في ذات الوقت - فهو القيادة التاريخية التي تؤمن كل كوادر الحزب إنه لا يجوز أن يخوض أحد الانتخابات في مواجهته من الأساس ناهيك طبعا عن إمكانية أن يخوض الانتخابات وينجح فيها مثلا. . طبعا لا نستطيع ألا نتذكر انتخابات الحزب علي موقع الرئيس التي جرت في عام 2006 وجاءت كاشفة لعدم قدرة الحزب الحاكم علي إجراء انتخابات علي موقع الرئيس فقد كانت كوميدية بدرجة غير مسبوقة وهو ما يعني ببساطة انه لا انتخابات ولا تغيير داخل الحزب الحاكم حتي وإن ضرب احد أحزاب المعارضة مثالا محترما في إمكانية تطبيق الديمقراطية بداخل الأحزاب وإمكانية تداول السلطة علي موقع الرئيس في انتخابات يشهد لها الجميع بالنزاهة.. إذ سيبقي الحزب كما هو وسيبقي الرئيس كما هو وستبقي الأفكار كما هي وسيبقي الوضع علي ما هو عليه وعلي المتضرر أن «يعمل اللي هو عاوزه»! انتخابات الوطني في 2006 لم يترشح فيها أحد إلا مبارك وحصل علي جميع الأصوات باستثناء 8 قرروا الامتناع عن التصويت... شايفين الديمقراطية! المقارنة بين ما جري في حزب الوفد من انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية حقا وبين الحزب الوطني الحاكم وانتخاباته وعدم إجرائه لانتخابات علي موقع الرئيس أمر طبيعي ومنطقي أولا لأنه الحزب الحاكم والذي يجب أن يعطي مثالا للأحزاب الأخري في الديمقراطية والشفافية وثانيا لأنه الحزب الذي لا يكف ليل نهار عن الحديث عن الديمقراطية والشفافية والنزاهة وإنه الحزب الذي يؤكد قياداته كل يوم أنه يقود عملية الإصلاح والتغيير في مصر ويرسخ ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان تعال نتذكر الانتخابات الوحيدة التي «أمتعنا» الحزب الوطني الحاكم بها حقا ثم نكمل بعد ذلك الحديث عن الحزب الديمقراطي.. جدا. فعندما قرر الحزب الوطني الحاكم أن يرتدي «ثوب» الحزب الديمقراطي وأن يعقد انتخابات علي موقع رئيس الحزب جاءت هذه الانتخابات التي جرت عام 2006 بشكل «كوميدي» للغاية وبدلاً من أن تظهر هذه الانتخابات ديمقراطية الحزب أصبحت وبحق كاشفة أنه «حزب الرجل الواحد» وأن أحدا لا يجرؤ علي الترشيح في وجه رئيس الحزب الذي هو الرئيس مبارك. فقد قام الرئيس بطرح نفسه للترشح علي موقع رئيس الحزب الوطني «الديمقراطي» ولم يتقدم أحد من أعضاء الحزب في مواجهته وظل الرئيس وحيدا «في الانتخابات» أما اللقطة الأهم خلال هذه الانتخابات - ومشيها الانتخابات - أن الرئيس حصل علي أصوات كل أعضاء المؤتمر العام للحزب باستثناء 8 أعضاء فقط قرروا أن «يمتنعوا عن التصويت» ويبدو أن الحزب لم يرد أن تخرج النتيجة بالإجماع فأعلن عن هؤلاء الثمانية الممتنعين ولكن يبدو أيضا أن حسبة قيادات الحزب أخطأت فقد ظهر امتناع هؤلاء عن التصويت أمرين لا ثالث لهما أما أنهم امتنعوا اختلافا مع الرئيس مبارك وهنا كان الأولي بهم أن يصوتوا بشكل مباشر ب «لا» وهو ما يعني الرفض لقيادة مبارك للحزب أما الأمر الآخر الذي يمكن تفسيره بامتناع هؤلاء عن التصويت فهو لم يريدوا أن يكون مبارك رئيسا للحزب لكنهم لم يجدوا أيضا البديل المناسب فقرروا أن يمتنعوا عن التصويت ولا يمنحوا صوتهم لمبارك فلا قيادة الرئيس مناسبة ولا وجدوا البديل. الدكتور أسامة الغزالي حرب يري في كتابه الشهير «الأحزاب السياسية في العالم الثالث» أن الأحزاب الحاكمة في عدد كبير من البلدان العربية - ومنها مصر طبعا - ترغب طوال الوقت في إبقاء الحياة علي حالة من الشمولية وهو ما يصيب الحياة السياسية بالجمود التام ولكنه يرصد أن هذا الجمود يطول الأحزاب الحاكمة نفسها فلا تمارس الديمقراطية الداخلية مطلقا ولا تجري انتخابات بداخلها وإن حدث هذا الأمر فهي لا تعدو أن تكون انتخابات شكلية وأن المقصود منها هو إعطاء الإيحاء بديمقراطية الحزب وأن السلطة فيه يتم تداولها وإن مبدأ الانتخابات هو الحاكم لكل المواقع القيادية فيها. ويري الغزالي في دراسته أنه لا يمكن لأي حياة سياسية أن تتقدم ما دام الحزب الحاكم نفسه لا يؤمن بالديمقراطية، فهذا الأمر سينطبع علي المجتمع وعلي كل الخطوات التي يجب أن تتخذ في إطار خلق مناخ ديمقراطي يحترم التعددية ويجعل من الانتخابات عنصرًا فاصلاً في مسيرته، أما إذا ارتكنت الأحزاب إلي رؤية القائد الفرد وقررت التسليم الكامل فلن يكون هناك تطور لا علي مستوي الحزب الحاكم ذاته ولا بالطبع علي المجتمعات التي ستعاني الجمود وتصبح قدرتها علي التغيير أصعب بكثير من مجتمعات أخري تحتكم طوال الوقت إلي المنافسة والتعددية واحترام حرية الرأي والاعتقاد. «ومع هذا فإن الثابت الوحيد أن الحزب الوطني الحاكم لم يجر انتخابات داخلية حقيقية مطلقًا وأنه حزب يرتبط وجودًا وعدمًا بموقع الرئيس، فرئيس الحزب الوطني الحاكم هو الرئيس مبارك وهو أيضا رئيس الجمهورية؛ لذلك فإن الحزب يستمد وجوده من وجود مبارك علي رأسه. المعروف أن الانتخابات في الحزب الوطني شكلية؛ حتي إن شروط الترشيح لموقع رئيس الحزب مثيرة للسخرية، فالوحدات الأساسية بعد انتخابها يتم تعيين هيئة المكتب بها من القيادة الأعلي، وكذلك كل الهيئات التنفيذية بالحزب يتم اختيارها بالتعيين، فضلاً عن اشتراط الحصول علي تأييد 20% من أعضاء المؤتمر العام المقدر عددهم بنحو 5500 عضو للحزب كشرط للترشح لمنصب الرئيس وبالطبع لن يتوفر هذا الشرط لأي أحد سوي الرئيس أو من يقوم بتزكيته بنفسه. لذلك فإن الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام يري أن إجراء انتخابات حقيقية علي منصب رئيس الحزب الوطني أمر مستحيل، مضيفًا: تعتمد انتخابات الحزب الوطني علي التزكية بشكل أساسي دون أي منافسة فيقوم الرئيس مبارك فقط بترشيح نفسه ويتم التصويت له بالموافقة، وهذه صورة هزلية لا تمت للديمقراطية بصلة؛ لأن الحزب نستطيع أن نختصر كل علاقته بالديمقراطية في كلمة «الديمقراطي» في اسمه ولكنها أبعد ما تكون عن فكره وسياساته القائمة علي فكرة تأبيد سلطة الرئيس، سواء في الحزب أو الدولة، فضلا عن أن الحزب لا يملك كوادر مؤهلة لخوض هذه المعركة؛ لأن أعضاءه لا يؤمنون بتداول السلطة ولم يمارسوا الديمقراطية من قبل. ويعتبر ربيع أن أي محاولة لإجراء انتخابات نزيهة لأحزاب أو غيرها في ظل الأوضاع الراهنة هي محاولة محكوم عليها بالفشل، وهي تشبه من يحاول الحرث في المياه علي حد وصفه مضيفًا: الدول الديمقراطية لا تعرف نظام الحزب الواحد أو رئيس الحزب الأبدي ولا تعرف هذا العبث السياسي سوي الدول الاستبدادية. الحزب الوطني لن ينظم انتخابات لاختيار رئيسه وشروط الترشيح لا تنطبق إلا علي «مبارك» وبس! منذ تولي الرئيس مبارك رئاسة مصر وهو يرأس الحزب الوطني أيضا الذي بدوره يظل حزب الأغلبية ويفوز مرشحوه بغالبية «كاسحة» في انتخابات مجالس الشعب والشوري والمحليات..الحزب الوطني الديمقراطي..نعم هذا هو اسمه الثلاثي بالكامل وليس الحزب الوطني «الحاكم» كما يطلق عليه كثيرا بالرغم من أن صفة «الحاكم» أقرب إلي الواقع من صفة «الديمقراطي» التي تثير دهشة البعض وسخرية البعض الآخر وربما أثارت غضب آخرين فنجد شبابا يهتفون في الشوارع وداخل الجامعات «الحزب الوطني اللاديمقراطي». ولأن وجود الأحزاب في العالم كله مرتبط بمبدأ تداول السلطة ولأنها في العالم كله تشهد انتخابات علي منصب الرئيس ولأن حزب الوفد أطلق منذ أيام قليلة تجربة ديمقراطية ناجحة لم تشهدها مصر منذ سوات كانت الأسئلة التالية منطقية وبديهية: هل يجري الحزب الوطني الحاكم انتخابات علي منصب الرئيس؟ولماذا لا يتم إجراؤها؟ولماذا يظل رئيس الحزب هو نفس الشخص لمدة 30 عامًا؟ وهو الأمر الذي لا يحدث في الدول الديمقراطية بل تشهده النظم الشمولية مثل كوبا وكوريا الشمالية وسوريا؟ من جانبه، يري أمين إسكندر - وكيل مؤسسي حزب الكرامة - أنه لم ولن تجري انتخابات حقيقية علي منصب رئيس الحزب الوطني لأنه يقوم علي فكرة كونه حزب الرئيس مضيفا: هذه هي الفكرة الرئيسية التي قام عليها الحزب الوطني منذ أن شكله السادات أن يكون هو حزب الرئيس والحزب الحاكم وحزب الأغلبية بدليل أن كل المسئولين وقتها تركوا أحزابهم التي كانوا ينتمون إليها وانضموا للحزب الوطني ولا يزال حتي الآن نجد الوزراء والمحافظين ورؤساء المجالس المحلية ورؤساء الجامعات وأغلب من يعتلون منصبًا أو مسئولية في الدولة لابد أن يكونوا أعضاء في الحزب الوطني فهو ليس حزبا سياسيا بقدر ما هو «حزب مصالح» يجمع أصحاب النفوذ والمال وجميعهم يعلمون جيدا أن مصالحهم مرتبطة ببقاء رئيس الدولة علي قمة الحزب أيضا وأنه لو ترك رئاسته سيفقد الحزب قيمته ولن يصبح حزب الأغلبية لذلك لا يؤمن أحد داخل الحزب بفكرة تداول السلطة علي منصب الرئيس لأنهم يؤمنون بفكرة الالتزام لا الاختيار ولا يملك أحد المؤهلات السياسية أو الجرأة لترشيح نفسه أمام الرئيس مبارك. اللائحة الداخلية للحزب الوطني تنص علي أن اختيار رئيس الحزب يكون بالانتخاب الحر المباشر ولكن المصريين لم يسمعوا عن انتخابات الحزب الوطني أو يشاهدوا مناظرات بين متنافسين أو يقرأوا برامج انتخابية متعددة ذلك لأن الحزب لم يجر إلا انتخابات واحدة فقط عام 2006 ولم يترشح لمنصب رئيس الحزب سوي رئيس الحزب وبالتالي فاز بالتزكية دون انتخابات بعد امتناع 8 أعضاء فقط عن التصويت. لائحة الحزب أيضا تضع شروطا للترشح لرئاسة الحزب أولها أن يكون مصريا من أبوين مصريين وألا يقل عمره عن أربعين عاما وأن تكون قد مضت علي عضويته بالحزب خمس سنوات علي الأقل وألا يكون قد فقد شرطا من شروط العضوية وأخيرا أن يؤيد ترشيحه -كتابة- ما لا يقل عن 20% من أعضاء المؤتمر العام.. هذا الشرط الأخير ينفرد به الحزب الوطني حيث إنه غير موجود في أي حزب آخر في العالم وهو يشبه إلي حد كبير شرط ترشح المستقل لرئاسة الجمهورية الذي تم النص عليه في التعديلات الدستورية الأخيرة في 2007 حيث اشترط موافقة 250 عضواً من أعضاء مجلسي الشعب والشوري الأمر الذي يراه الخبراء تعجيزيا ويتنافي مع حرية الترشح. هذا ليس الشبه الوحيد بين لائحة الحزب الوطني ودستور جمهورية مصر العربية فكما أن الدستور ينص علي جواز إعادة انتخاب الرئيس «لمدد» رئاسية أخري فلائحة الحزب تنص علي جواز إعادة انتخاب رئيس الحزب «أكثر من مرة» ولأن من يحكم الحزب هو نفسه من يحكم مصر ولأن مبارك رئيس الحزب الوطني حزب الرئيس نجد النظام يلعب مع الشعب لعبة «ملك وكتابة» ولكن النظام يكسب دائما ببساطة لأنه الملك والكتابة أيضاً. محمد خليل قويطة -عضو الحزب الوطني ووكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب - يقول: الحزب الوطني لديه كوادر كثيرة وشخصيات مؤهلة لخوض الانتخابات علي منصب رئيس الحزب ولكنهم لا يرغبون في منافسة الرئيس مبارك وتغييره لأنهم يثقون في حكمته وسياساته التي حافظت علي استقرار مصر ونحن نجري الانتخابات في الحزب في بداية المؤتمر العام إيماناً منا بوجوب تداول السلطة وانتقالها بشكل شرعي عبر صندوق الانتخابات ويتم اختيار الرئيس مبارك بالتزكية. ويشيد قويطة بانتخابات حزب الوفد الأخيرة بقوله: أتمني أن تسود هذه التجربة جميع الأحزاب المصرية بما فيها الحزب الوطني وأحيي الجمعية العمومية للحزب والمتنافسين الذين كانوا علي قدر كبير من الوعي.