ربما يبدو الحديث عن انتخابات مجلس الشعب القادمة نوعا من التسرع غير المحمود, وقد يبدو أيضا محاولة متسرعة لإسدال الستار علي ما جري. وفيما أري فإن استخلاص الدروس مما جري يعد فريضة لا مهرب منها لأي خطوة نحو المستقبل.أو حتي محاولة لاستشفاف ذلك المستقبل. فالانتخابات القادمة التي أتحدث عنها سوف تجري بعد حوالي عام علي الأكثر فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة, وبعد خمسة أعوام علي الأكثر بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب. المدة المتبقية إذن قصيرة بحساب الزمن. ولعلي لا أجانب الصواب كثيرا إذا ما قلت إن من تقع عليه المسئولية الأولي لاستخلاص الدروس ومحاولة الاستفادة منها هو الحزب الوطني الحاكم باعتبار أنه الممسك بمقاليد الأمور في السنوات القادمة, ولذلك فهو الأقدر لو شاء علي وضع خلاصة تلك الدروس المستفادة موضع التطبيق الفوري. لو نظرنا إلي المشهد من بعيد لوجدنا أعضاء الحزب الوطني الذين فازوا بمقاعد مجلس الشعب يوم الانتخابات فرحين بفوزهم يرددون أن يوم فوزهم هو عرس الديمقراطية, وبالمقابل ترتفع أصوات من لم يحالفهم الفوز سواء من أعضاء الحزب الوطني أو غيرهم إلي جانب قوي المعارضة علي تنوعها منددة بالنتيجة ملوحة بما تراه مؤكدا لوقائع التزوير. ولا يقتصر الأمر علي هؤلاء الخاسرين, فقد أشار الصديق الدكتور عبد المنعم سعيد في سلسلة مقالاته الذكية عن الانتخابات الأخيرة إلي أن كل هذا الغضب من القراء علي مقالاتي الأخيرة تعليقا علي الانتخابات النيابية والتي علي كثرتها خلت من تعليق ايجابي واحد ومضي مشيرا إلي أنه رغم أن هؤلاء يمثلون شريحة محدودة من الشعب المصري من الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطي المصرية التي تمتلك الكمبيوتر, ولديها من الدافع لكي تعلق علي ما هو مكتوب سواء باللغة العربية أو الإنجليزية, إلا أنها شريحة تتمتع بالإيجابية والحيوية الشديدة, وللحق فإنهم لم يكونوا وحدهم الذين أتوا بهذه التعليقات, بل شاركهم فيها جمع من الزملاء الذين يعتزون بي وأعتز بهم وبصرف النظر عن تفسير تلك الظاهرة, فإن أحدا لا يختلف علي وجودها ولا علي خطورتها: المزاج القومي المصري أصبح نافرا من القبول بفكرة نزاهة الانتخابات. لقد تكررت رؤيتنا لهذا المشهد المشين يتكرر في كل انتخابات جرت في بلادنا عبر سنوات طوال, حتي أصبح بحكم التكرار يكاد يكون أمرا عاديا لا غرابة فيه: يحدث ويمضي ويخفت بالتدريج إلي أن نستعيده مرة أخري مع كل انتخابات قادمة. ويغيب عنا أن هذه الوصمة المشينة نكاد ننفرد بها دون بلاد العالم قاطبة سوي قلة من الدكتاتوريات التي نربأ جميعا ببلادنا أن تقارن بها. الانتخابات تجري أمامنا علي اتساع العالم من إنجلترا إلي الولاياتالمتحدة إلي الهند إلي باكستان إلي ماليزيا بل في إسرائيل وحتي تلك الانتخابات التي جرت في فلسطينالمحتلة لم نسمع في أي منها قط تلك الوصمة المشينة الاتهام بالتزوير رغم أنه في كل تلك الانتخابات علي مختلف أساليبها وعلي مختلف طبيعة نظم الحكم التي أجريت في ظلها كانت تسفر حتما عن فائز ومهزوم, ولكن الجميع يسلم في النهاية بسلامة العملية الانتخابية, فنزاهة الانتخابات لا تتحقق أبدا إلا إذا سلمت بها جميع الأطراف المشاركة فيها. ومادامت الوصمة تعلق دائما بالطرف الفائز, وحيث إن الطرف الفائز في بلادنا هو الحزب الوطني الديمقراطي, فعلي كاهله وحده دون غيره تقع مسئولية محو هذه الوصمة الشائنة لتحقيق الشعار الذي مارسته الدول الديمقراطية جميعا بحيث أصبح من نافلة القول ولم تعد في حاجة لترديده: انتخابات يجمع علي نزاهتها جميع الأطراف. إنه التحدي الحقيقي الذي يواجه الحزب الوطني الفائز. قد يتصور البعض أن تحقيق ذلك أمر مستحيل, ولكنا لو نظرنا لما يجري حولنا لوجدناه أمرا ممكنا ميسورا بل وواقعيا فضلا عن أنه لا يمثل خطورة حقيقية عاجلة علي قوة الحزب الوطني الديمقراطي. أولا: الاحترام الصارم لاحكام القضاء ولنعد إلي سلسلة مقالات الصديق الدكتور عبد المنعم سعيد التي تناولت الانتخابات الأخيرة والتي أشار فيها علي سبيل المقارنة إلي أن عدد النواب الذين صدرت بحقهم تقارير من محكمة النقض تقضي ببطلان فوزهم, بلغوا77 عضوا, من بينهم58 ينتمون إلي الحزب الوطني, و15 لجماعة الإخوان المسلمين, و2 لحزب الوفد, و2 من المستقلين, أي أن من صدر بحقهم وهم من أحزاب وجماعات مختلفة حكم لم يزد علي17% من عدد الأعضاء وهو ما يعطي صورة عن الحجم الهائل من المبالغة في الحديث عن التزوير في الانتخابات. ويفهم من سياق الحديث أن النسب المقابلة في انتخابات2010 سوف تكون أقل. ولكن السؤال هو تري هل سيتكرر حيالهم ما حدث في الانتخابات السابقة؟ تري ماذا تم بالنسبة لهؤلاء النواب الذين قضت محكمة النقض ببطلان فوزهم؟ هل أجبر هؤلاء النواب علي مغادرة مقاعدهم احتراما لأحكام القضاء؟ هل تم تقديمهم للمحاكمة بتهمة التزوير؟ هل تمت محاكمة من استأجروهم لممارسة البلطجة؟ ذلك هو ما ينبغي أن يحدث هذه المرة تمهيدا للانتخابات القادمة. ثانيا: الشفافية من خلال القبول بالإشراف الدولي. علي الحزب الوطني الديمقراطي أن يفكر بجدية وهدوء في القبول بالإشراف الدولي علي الانتخابات, لإسقاط حجة المشككين, فالعديد من الدول ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة لم تعد تجد غضاضة في القبول بالإشراف الدولي علي انتخاباتها. ثالثا: توسيع نسبة المشاركين في الانتخابات. لا شك أن الالتزام بتحقيق انتخابات يعترف بنزاهتها الجميع, وإجراء محاكمات عاجلة وحاسمة لممارسي البلطجة في الانتخابات ومن يستخدمونهم من المرشحين, سوف يرفع من نسبة تلك المشاركة, إلا أنه ينبغي التفكير في آلية تتيح للمصريين العاملين بالخارج المشاركة في الانتخابات خاصة مع تطور ويسر وسائل الاتصال.وكذلك النظر في إتاحة الفرصة لرجال القوات المسلحة والشرطة للمشاركة في الانتخابات ليست المقترحات السابقة سوي محاولة اجتهادية محدودة, فثمة العديد من الأفكار والمقترحات والآليات التي يمكن لمفكري وقيادات الحزب الوطني الديمقراطي مناقشتها وتفعيلها, وهم علي ذلك دون أدني شك قادرون, والسؤال هو: أتراهم راغبون في ذلك؟ أتراهم يدركون حجم الوصمة التي تعلق بهم وببلادنا والتي لا يستحقونها ولا نستحقها؟ ذلك هو السؤال.