البعض يرى أن موقف الإخوان في أزمة الإنقلاب هو موقف مثالي سواء من الناحية الأخلاقية أوالسياسية ، وهو موقف يقوم على التشبث بالإرادة الشعبية ، والإصرار على الحفاظ على مكتسبات الثورة. في حين يرى آخرون أنه موقف انتهازي ، لا يمت إلى العقل والأخلاق بأي صلة لأنه ببساطة لو كان الرئيس المنقلب عليه هو من الفريق العلماني لما دفعت الجماعة بشبابها وبناتها للتهلكة في الشوارع من أجل رئيس علماني ، بل وربما باركت الانقلاب عليه وانتهزت الفرصة لتصل هي إلى المنصب بطريقتها. طبعاً لم تتح للإخوان فرصة لكي يثبتوا أنهم مع الديموقراطية سواء جاءت برئيس علماني أو إسلامي ، وأنهم علي استعداد لاتخاذ نفس الموقف وبنفس القوة لو حصل الانقلاب علي رئيس من خارج الجماعة. ولكن مع ذلك أعتقد أنه يمكن استشراف رد فعل الجماعة في تلك الحالة الافتراضية وذلك بناء علي المعرفة المسبقة بأدبيات الجماعة ومبادئها.
أقل الناس حماسة للإخوان سيخرج عليك ويقول: أنه بالتأكيد ستقف الجماعة ضد الإنقلاب في كل الأحوال وبكل قوة لأنها تؤمن بالديموقراطية ، يستوى في ذلك أن يكون مرسي هو الرئيس أو غيره. لا أميل لمثل هذه السذاجة في الطرح التي تفترض أن الإخوان المسلمين إنما هم من جنس الملائكة الذين يتخذون المواقف المثالية في كل الأحوال ، ويتحلون بالتجرد الكامل ، ولا تشوبهم أي شبهة من الرغبة في الانتصار علي المنافس السياسي.
إذن الأمر فيه تفصيل ، ولا يجوز هكذا التبرع بإضفاء هالة من القدسية على الجماعة دون النظر إلى الطبيعة البشرية التي تحكم تكوين قياداتها وأفرادها على السواء ، كما لا يجوز إطلاق الاتهامات بالانتهازية لوجود افتراض ظني بداخلك أن الإخوان وهي المؤسسة التي لها سابق تضحيات وطنية إنما تفعل ذلك بحثاً عن مصالحها الخاصة لا عن مصلحة الوطن.
المؤكد أنه في حال الانقلاب على رئيس علماني ، فإن قراراً سيصدر من جانب جهة الإدارة في الجماعة بضرورة رفض الانقلاب والتصدي له والمطالبة بالعودة للشرعية. هذا لا شك فيه .. لأن النضال الدستوري والقانوني هو الطريق الوحيد الذي يؤمن به الإخوان كوسيلة للتغيير، وهم يعلمون أن أي تعدٍ على هذا المسار يفقدهم الميزة الأهم التي يتمتعون بها وهى المهارة في العمل السياسي الجماهيري الذي يفوز دوما في الاستحقاقات الانتخابية ، ويجعل من الانقلابات سنة دارجة ستطولهم في وقت لاحق إن هم رضوا به هذه المرة. لذلك فإن رفض الانقلاب مبدأ أساسي يجعل قواعد اللعبة ثابتة مما يضمن لهم احترام الآخرين للشرعية إذا أتت بهم كما احترموا هم الشرعية عندما أتت بغيرهم.
هذا عن القرار السياسي والموقف الأخلاقي ، ماذا عن تفاعل أفراد الإخوان مع هذا القرار في الشوارع والميادين بما يضمن تأثيره على جهة الانقلاب ، كيف تتوقع أن يلقى قرار التصدي للانقلاب ذات الحماسة التي تدفع الشباب لأن يقدم أرواحه فداءً لذلك؟. تستطيع أن تصدر قرارًا بالتظاهر في الشوارع والاعتصام في الميادين ، ولكنك بالقطع لا تملك أن تصدر قرارًا لشاب بأن يقف في وجه الرصاص إلا أن يكون لديه هو القناعة العميقة بعدالة القضية التي يضحي بنفسه من أجلها.
وبالمناسبة فإن الاستعداد للتضحية بالروح هي نقطة التفوق التي تجعل من أنشطة رفض الانقلاب فعالة وعصية على التهديد والإحتواء ، وهي موجودة الآن بغزارة في نفوس الشباب ليس لشخص الرئيس ولا لاسترجاع الشرعية فقط ولكن أيضاً لأجل المشروع الإسلامي الذي يراد وأده في المهد. لن يضحي أحد بنفسه في سبيل رئيس علماني ، حتى العلمانيون أنفسهم لا يفعلون ذلك ، وبالتالي فإن الوقوف في وجه انقلاب على رئيس علماني لن يجد التجاوب الكافى من شباب التيارات الإسلامية ولا من عموم الشعب صاحب الهوى الإسلامي ، مما يجعل اتخاذ قرار التصدي للانقلاب من الأساس صعباً ومحسوباً في ظل انعدام حماس شعبي كافي لإنجاحه.
في رأيي أنه بافتراض أن العسكر قام بالانقلاب على رئيس علماني فلن تنجح أي محاولة للوقوف ضده ، ليس بسبب أن الإخوان لن يتصدو له ، ولا بسبب أن شباب التيارات الإسلامية – وهم المحرك الرئيسي للحراك الشعبي الان - لن يتظاهروا ويعتصموا ضد الإنقلاب ، ولكن بسبب أنهم – أي قواعد التيار الإسلامي – لن يجدوا أنفسهم مضطرين لبذل دمائهم من أجل رئيس علماني.
عندما دفع الإخوان بالدكتور مرسي لسباق الرئاسة ، كانت الفكرة الأساسية التي جرى التأسيس عليها في إقناع الناخبين باختياره أن خلفه ظهيراً شعبياً متحمساً للدفاع عنه ، وهو ما نراه متجسداً في كل شهيد يسقط الان برصاص الانقلابيين الخونة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.