لم يكن الفيديو الذي ظهر فيه النمنم وهو يعلن بصراحة يحسد عليها أن المصريين علمانيون بالفطرة , لم يكن يمثل مفاجأة لي على الأقل , فهو أحد النماذج العلمانية التي احتككنا بها عن قرب والتي لا تستطيع أن تتجمل في جلساتها الخاصة , بل تتباهى بعدائها الشديد لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة . فشخصيات مثل النمنم , صلاح فضل , فاطمة ناعوت , محمد سلماوي , وغيرهم من المنتمين إلى هذا التيار العلماني المتطرف ليس لديهم مشروع سياسي علماني معتدل , يمكن أن ينطلق من أرضية وطنية لكي يقدم نموذجا علمانيا يتسق مع ثقافة وهوية الشعب الذي ينتمون إليه , فلم يقدموا لنا حتى الآن أية ملامح واضحة لعلمانيتهم تلك , اللهم إلا مجموعة من الكتابات التي هي أقرب إلى المسخ الفكري والتشوه المعرفي والانهزام النفسي أمام مشروع غربي له إيجابياته وسلبياته , مميزاته وعيوبه . لكن مشكلة هؤلاء أنهم يريدون نقل التجربة الغربية كما هي إلى مجتمعات أخرى لها خصوصيتها الحضارية وهويتها الثقافية التي لا تقبل الانسياق وراء الآخر دون تمحيص ونقد , أي لها موقفها المحايد والموضوعي من هذا الآخر . أما هؤلاء العلمانيون فإن موقفهم من الآخر الغربي هو الاستسلام والتبعية والنقل الببغائي لكل ما أنتجته الحضارة الغربية , ولم يتوقف الأمر عند هذا الانبهار بكل ما هو غربي , بل تجاوز ذلك إلى التصادم والرفض لكل ما هوشرقي أو إسلامي , لقد كان "كبلنج " أكثر واقعية من هؤلاء عندما قال : "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا " لكنهم يصرون على أن يجعلوا الشرق غربا !. إن هذا التصادم الذي يبديه العلمانيون المصريون مع هويتهم وحضارتهم الإسلامية يجعلهم لا يتورعون عن اتباع شتى الطرق التي تتصادم مع أبجديات العلمانية ذاتها التي تمنح الشعوب حرية اختيار ما يناسبها من نظم سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية , وبالتالي فإن علمانيتهم تلك علمانية مزيفة متوحشة , تنظر إلى شعوبها على أنهم قطيع وهم القاطرةالتي تقوده إلى جنتهم الموعودة , ولذلك فإنها لا تتورع عن ارتكاب ما تيسر لها من مجازر كما قال النمنم محذرا من هذه الرومانسية في التعامل مع الإسلاميين وأنه قد آن الآوان لسحقهم . وقد كان لي تجربة شخصية مع الدكتور صلاح فضل أحترم رغبته في أن لا أقصها وقد وعدته بذلك , لكنها تلخص هذه الكراهية للإسلاميين , وهي كراهية تذكرنا بالنظام العنصري الذي عانته دولة جنوب إفريقيا لعقود. إنني أستطيع أن أجزم بأنه على الرغم من كل الأخطاء التي ارتكبها الإسلاميون في الحكم , والتي لا يختلف المنصفون على أنها أخطاء لا يمكن تبريرها , ولا الدفاع عنها , ولا التماس العذر لمرتكبيها , فإنهم – وأعني الإسلاميين – هم البديل الذي ينبغي أن تراهن عليه الجماهير العربية في المرحلة المقبلة , وعلى الرغم من حملات التشويه العنصرية التي يشنها العسكر والعلمانيون عليهم , فإنهم حائط الصد أمام غزوات التغريب التي يجهز لها الآن فرسان معبد العلمانية الدمويون الذين لا مانع لديهم من أن يطأوا رؤوس شعوبهم بحذاء علمانيتهم بدعوى أنهم الأكثر وعيا وثقافة بين شعوب متخلفة تسمى الشعوب العربية والإسلامية – من وجهة نظر السادة العلمانيين , لقد جربنا ستين عاما من العلمنة والعسكرة , ولم نجن من وراء ذلك إلا التبعية والقهر والتخلف , فهل تلك هي جنة العلمانيين ؟