في ثمانينيات القرن العشرين, دعا الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون(1913 1994 م) في كتابه( الفرصة السانحة) دعا أمريكا وأوروبا وموسكو إلي الاتحاد في مواجهة الأصولية الإسلامية. التي تريد كما قال: 1 بعث الحضارة الإسلامية 2 وتطبيق الشريعة الإسلامية 3 واتخاذ الإسلام دينا ودولة.. ودعا نيكسون إلي دفع العالم الإسلامي في طريق كمال أتاتورك(1881 1938 م) طريق العلمانية, وربط العالم الإسلامي بالغرب اقتصاديا وحضاريا. وفور سقوط الاتحاد السوفيتي أوائل سنة1991 م كشفت مجلة( شئون دولية) التي تصدر في لمبردج بانجلترا عدد يناير1991 م عن السر في اتخاذ الغرب الإسلام عدوا أحله محل الخطر الأحمر .. وقالت: إن السر هو استعصاء الإسلام والمجتمعات الإسلامية علي العلمنة, ومن ثم علي التبعية لنموذج الغربي العلماني في التحديث, الأمر الذي جعل الإسلام كما قالت المجلة يشكل تحديا للثقافة الغربية!. وفي يوليو سنة1990 م صرح جياني يميكليس رئيس المجلس الوزاري الأوروبي بأن المواجهة مع الشوعية قد انتهت, إلا أن ثمة مواجهة أخري يمكن أن تحل محلها بين الغرب وبين العالم الإسلامي, وذلك هو مبرر بقاء حلف الأطلنطي, رغم إلغاء حلف وارسو.. وبالفعل, تم تطوير صيغة مهام حلف الأطلنطي في الاجتماع الذي عقد بأمريكا في الذكري الخمسين لتأسيسه ابريل1999 م فبعد أن كان مجاله أرض الدول المشتركة فيه.. أصبح مجاله مصالح الدول المشتركة فيه؟!.. وبذلك أصبح العالم الإسلامي مجالا للتدخل العسكري لحلف الأطلنطي!. وفي أكتوبر سنة1991 م صرح الكاردينال بول بوبار مساعد بابا الفاتيكان بأن الإسلام يشكل تحديا لأوروبا وللغرب عموما.. وأن التحدي الذي يشكله الإسلام يكمن في أنه دين وثقافة ومجتمع وأسلوب حياة وتفكير وتصرف.. وأن الإسلام يفتح أوروبا فتحا جديدا! وفي سنة1993 م كشف صموئيل هنتنجتون(1927 2008 م) المفكر الأستراتيجي الأمريكي الشهير.. عن موقف الغرب وفلسفته في صراع الحضارات.. وأشار علي صانع القرار الأمريكي أن يبدأ بتحييد الحضارات العالمية, حتي يفرغ من صراعه مع الحضارة الإسلامية.. ثم الحضارة الكونفوشيوسيه الصينية ... ثم يستدير بعد ذلك للانفراد بالهيمنة علي العالم بعد الفراغ من الحضارات التي حيدها في إفريقيا واليابان..!.. وكتب المفكر الأستراتيجي الأمريكي فوكويامايقول: إن الإسلام هو الحضارة الوحيدة المستعصية علي قبول الحداثة الغربية.. وعلي المبدأ الأساسي في هذه الحداثة, وهو العلمنة وفصل الدين عن الدولة وقال: إن المسألة ليست حربا علي الإرهاب, وإنما هي حرب علي العقيدة الأصولية الإسلامية الرافضة للحداثة الغربية .. وإن هذه العقيدة الأصولية الإسلامية هي أخطر من الفاشية والشيوعية! وفي24 أكتوبر1995 م قرر الكونجرس الأمريكي اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل, لأنها وكما قال الوطن الروحي لليهودية.. وشرعت الحكومة الأمريكية في بناء سفارتها بالقدس علي أرض مملوكة للوقف الخيري الإسلامي!.. وفي16 سبتمبر2001 م.. وقبل بدء التحقيق في أحداث11 سبتمبر أعلن الرئيس الأمريكي بوش الصغير الحملة الصليبية علي العالم الإسلامي.. ورغم الكلام عن أن هذه العبارة إنما كانت زلة لسان, فإن الوقائع قد شهدت علي أنها حقيقة مقصودة.. وعلي أن أحداث11 سبتمبر2001 م كانت الفرصة السانحة التي جعلها نيكسون عنوانا لكتابه!.. وفي17 سبتمبر2001 م أعلن توني بلير رئيس وزراء انجلترا أن هذه الحملة هي حرب المدنية والحضارة ( في الغرب) علي البربرية في الشرق! وفي26 سبتمبر2001 م أعلن سلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا : أن الحضارة الغربية أرقي من الحضارة الإسلامية, ولابد من انتصار الحضارة الغربية علي الإسلام, الذي يجب أن يهزم.. وأن الغرب سيواصل تعميم حضارته, وفرض نفسه علي الشعوب!.. وأعلن السيناتور الأمريكي جوزيف يبيرمان وهو مرشح سابق لمنصب نائب الرئيس : بأنه لا حل مع الدول العربية والإسلامية إلا أن تفرض عليه أمريكا القيم والنظم والسياسات التي تراها ضرورية.. فشعارات أمريكا لا تنتهي عند حدودها, بل تتعداها إلي الدول الأخري! وأعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت: إننا معشر الأمريكيين أمة ترتفع قامتها فوق جميع الشعوب, وتمتد رؤيتها أبعد من جميع الشعوب!.. وفي أكتوبر2001 م عقد بالقاهرة بفندق شيراتون هيليوبوليس مؤتمر لحوار الأديان.. وفي ختامه رفض مندوب الفاتيكان القس خالد أكشه ومندوب مجلس الكنائس العالمي الدكتور طارق متري التوقيع علي البيان الختامي, لتضمنه عبارة: الديانات السماوية والقيم الربانية.. قائلا: نحن لا نعترف بالإسلام دينا سماويا, ولا بالقيم الإسلامية قيما ربانية!. وفي أكتوبر2001 م بدأت أمريكا وحلف الأطلنطي غزو أفغانستان.. وفي نوفمبر سنة2001 م كتب الكاتب الصهيوني الأمريكي توماس فريدمان يقول: إن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية هي في المدارس. ويجب علينا عندما نعود من جبهة القتال, أن نكون مسلحين بالكتب المدرسية, لتكوين جيل جديد يقبل سياساتنا كما يحب شطائرنا: وإلي أن يحدث ذلك لن نجد لنا أصدقاء هناك.. وكتب الكاتب ستانلي.أ. فايس في الهيرالدتربليون الدولية يقول: إن حقيقة الحرب علي الإرهاب تكمن في: هل ستقوم الدول الإسلامية باتباع النموذج الاجتماعي السياسي لتركيا كدولة حديثة علمانية؟.. أو نموذج الأصولية الإسلامية؟.. وإن علي رئيس باكستان برويز مشرف أن يحذو حذو أتاتورك, الذي أجبر تركيا بإصرار شديد علي أن تهجر ماضيها!. واعتمدت أمريكا200 مليون دولار لتحديث وعلمنة التعليم الديني في باكستان.. وأجبرت العديد من الدول العربية الإسلامية علي تعديل مناهج تعليمها الديني, وعلي اختزال هذا التعليم, وعلي وقف تمويل المدارس الدينية الرافضة للعلمنة والتحديث.. ولقد خفضت اليمن.. علي سبيل المثال في العام الدراسي2001 م 2002 م ساعات تدريس القرآن الكريم, اعتبارا من الصف الخامس الأساسي حتي المرحلة الثانوية, بنسب تتراوح من25% إلي50% عما كانت عليه, وخفضت حصص التربية الدينية في المرحلة الثانوية بنسبة25%... وصرح الرئيس اليمني وقتها علي عبدالله صالح بأنه: علينا أن نحلق رؤوسنا بدلا من أن يحلقوها لنا!.. وتقدم السفير الأمريكي لدي دولة إسلامية كبري بمذكرة تطلب فيها أمريكا اختصار ساعات تدريس مواد العلوم الدينية من عشرين ساعة في الأسبوع إلي أربع ساعات فقط وبحيث لا يتجاوز تدريس تلك المواد حدود الأمور العبادية المباشرة, التي تنصب علي علاقة المرء بربه الأمر الذي يعني استبعاد كل ما يتعلق بنظم المعاملات والحياة العامة, وعلاقة المسلمين بغيرهم من المناهج الدراسية.. كما طلبت أمريكا في هذه المذكرة أن يبادر المسئولون عن قطاع التربية والتعليم إلي مراجعة كل كتب العلوم الدينية في ضوء هذه المقترحات, وعلي وجه السرعة.. بحيث تطبق المناهج الجديدة ابتداء من العام الدراسي المقبل سنة2002 م! وحتي منابر المساجد, اعتمد لها الرئيس الأمريكي بوش الصغير ملايين الدولارات, لما سمي بدعم الأئمة المستنيرين! الذين يطلب منهم ترويج أفكار الغرب, وتشكيل الذهنية العربية لدي الجيل الجديد, وإعادة صياغته تجاه الصراع العربي الإسرائيلي!.. بل لقد تجاوز التدخل الأمريكي في التعليم الديني بالبلاد العربية والإسلامية حدود المطالبة باختزال المناهج وساعات التدريس, والاكتفاء من الإسلام بالجانب الشعائري الفردي دون الجماعي .. تجاوز الأمر هذه الحدود إلي حيث طلبت أمريكا تحويل المدارس إلي أجهزة للرقابة الأمنية علي المدرسين والطلاب, وذلك لحساب أجهزة الاستخبارات ومكاتب التحقيقات الأمريكية!.. فخصصت أمريكا لباكستان مائة مليون دولار, لكي تراجع كتب الثقافة الإسلامية وليس فقط المناهج المدرسية!.. وتحكم السيطرة علي المدارس الدينية, بحيث يعد ملف لكل أستاذ وطالب!!.. هكذا سعي الغرب ويسعي إلي مسخ الإسلام كي يكون كالنصرانية مجرد طقوس فردية, وليدع دنيا المسلمين للقيصر الأمريكي ولقد سلك الغرب لتحقيق هذه المقاصد الغزو العسكري.. والغزو من خلال مناهج التعليم! المزيد من مقالات د. محمد عمارة