أردوغان.. قال إن علمانية تركيا تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان.. وهو "موقف" يراه "ميزة" تجيز له التعايش "الرسمي" معها باعتباره رئيسا للوزراء.. وهي أيضا من قبيل الفارق الكبير بين "علمانية تركيا" و"علمانية مصر".. فالأخيرة لا تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان.. وإنما تنحاز لدين ولطائفة معينة ضد دين الآخرين. في مصر.. تتخذ العلمانية موقفا معاديا من الإسلام في تجلياته الحضارية والسياسية، فيما تقيم تحالفا فجا مع المشروع الكنسي الانعزالي.. وتنحاز إلى أجندة التنصير المعماري الذي يستهدف تغيير الهوية المعمارية لمصر وإلغاء مضمونها الحضاري والثقافي العروبي والإسلامي. العلمانية في مصر ليست كما يراها أو يتمناها أردوغان.. فهي ليست ذات فحوى فلسفي أو أخلاقي أو إنساني، وإنما تشكيل عصابي، معاد للديمقراطية، لا يستند إلا على فكرة الاستقواء ب"الخارج" أو بالسلطة في الداخل.. ولا تملك أي مشروع وطني مستقل، بل تستقي شرعيتها من التبعية الثقافية والسياسية للغرب. العلمانية المصرية لا تختلف فقط عن النموذج الذي قدمه أردوغان للعلمانية التركية، وإنما هي علمانية لا مثيل لها في العالم.. ففي حين تنحاز العلمانية الغربية على تنوعها، إلى الهوية الثقافية والحضارية للغرب المستندة إلى اليهودية والمسيحية، فإن العلمانية المصرية معادية لهوية بلدها التي تستقى من العروبة والإسلام.. وفي حين تتصدى العلمانية الغربية للتنامي الإسلامي الرمزي مثل الحجاب والمساجد وما شابه.. باعتبارها ذات مضمون رسالي لثقافة وحضارة حية ومغايرة وتهدد أوروبا في هويتها الأصلية.. فإن العلمانية المصرية تتحالف مع أي نشاط طائفي للأقليات الدينية يستهدف تزوير وتزييف هوية مصر الحضارية، وهي مفارقة بالغة الخطورة يضع العلمانية المصرية موضع الاتهام المباشر باعتبارها قوى معادية للأمن القومي المصري. العلمانية في مصر.. تحتاج إلى مراجعة بشأن فحواها ومعناها، ومدى صلته بالعلمانية الحقيقية اصطلاحا أو تطورا تاريخيا.. لأنها أي العلمانية المصرية لا يمكن بحال أن تدرج تحت أي مفهوم له صلة بالعلمانية إلا إذا كانت فعلا مضادا لكل ما هو ديني.. في حين تظل العلمانية كما كانت ولا زالت في بيئتها الأصلية متعددة المذاهب والمعاني كما أصل لها في ذلك الشأن الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله. [email protected]