البعض يعتقد أن تصريحات أردوغان بشأن "العلمانية" كانت "مدحا" لها.. فيما كان الرجل واضحا حين أكد بأنه مسلم.. وليس علمانيا، ولكنه رئيس وزراء لدولة علمانية. أردوغان ألمح أيضا إلى الفارق بين علمانية الدولة وعلمانية المجتمع.. هذا الوعي توقع رئيس وزراء تركيا، بأنه أكبر من وعي المذيعة المصرية التي أجرت معه الحوار.. وربما كان قلقا من قدرتها على الاستيعاب، فانهى كلامه بسؤالها: هل فهمت الآن؟!. وفي تقديري أن أردوغان شديد الوعي بهذا الفارق.. فهو يؤكد بأنه ليس علمانيا.. وألمح إلى أنه ليس بالضرورة ان تكون العلمانية ضررا على المجتمع طالما ظل الأخير محتفظا بهويته الثقافية والحضارية التي تُستقى من دين الدولة الرسمي. في زيارتي الأخيرة لتركيا قبل شهر رمضان، لاحظت بأن الدولة محتفظة بشكل مدهش بهويتها الإسلامية.. فالمساجد المؤسسة على الفن المعماري العثماني تنتشر بشكل واسع.. وترى مآذنها وهي تشق عنان سماء اسطنبول على سبيل المثال من أي مكان تتواجد فيه، سواء على مشارفها، أو في وسطها أو في شمالها أو جنوبها.. بمعنى أن العلمانية التركية تظل حصرا على العقل السياسي الرسمي، فيما ينفصل المجتمع عنها بروحه و"نفسه" وقيمه الإسلامية بشكل قد يثمر قناعة، بأنه لا خطر من "علمانية الدولة" على "اسلامية المجتمع".. وأن الأخيرة هي "الأصل".. والأولى "طارئ" سياسي والعاقبة هي ل"الأصل" وليس ل"الاستثناء" كما علمتنا السنن الكونية والاجتماعية. في مصر، أفرزت التحالفات الطائفية، مع أجندة "التوريث"، قلقا مشروعا على الهوية المصرية، وظل التمدد الأسمنتي والخرساني الكنسي غير المشروع في الشوارع والميادين العامة، مصدر استفزاز وخوف على الهوية.. خشية أن تتعرض الأخيرة ل"التزوير" الدعائي جراء محاولة "نصرنة المعمار" المصري.. ولعل ذلك ما أعطى مشروعية لحالات الفزع من "علمنة" الدولة .. وعزز في الوقت ذاته من أهمية الابقاء على المادة الثانية من الدستور .. وهي مخاوف ، صحيح أنها لازالت موجودة، إلا أنها خفت نسبيا بعد سقوط مشروع التوريث والذي انهى مرحليا المشروع الانعزالي الطائفي للتيار الشنودي داخل الكنيسة المصرية. ومن هذه المقاربة، يمكن القول، إنه إذا كانت "علمانية الدولة" لا تمثل خطرا على "هوية المجتمع" في تركيا.. فإن "علمانية الدولة" في مصر لا تزال تمثل خطرا كبيرا على الهوية المصرية، ولعل ذلك هو الفارق بين السياقين الذي ينبغي أن يكون حاضرا في وعي النخبة المصرية. [email protected]