لا يستطيع الفاشلون أن يأتوا للاستيلاء على حكم بلد عربي أو إسلامي إلا على ظهور الدبابات وخلف دروع العسكر، وهذا مضطرد كما رأيناه في الجزائر والعراق وباكستان وأفغانستان ومصر مؤخرًا، أما استحقاقات الرجوع إلى الشعب وجعله الحكم بين الفرقاء، فلا يلزمهم ولا يستطيعونه لعلمهم بنتيجته مسبقًا ولاحتقارهم الدائم لخيارات الشعوب. أتعجب من هذه الطبقة الطفيلية ممن يسمون بالنخبة لمجرد أنهم يملكون المال والإعلام، وقد زرعوا زرعًا في جميع مفاصل الدولة عبر عشرات السنين السابقة، ألا يتنادوا إلى التحاكم إلى الصناديق، وهم في أوج قوتهم وعنفوانهم، خاصة بعد إظهار قوتهم على الحشد عبر ربوع مصر كما يصورون ذلك، ودعونا نصدق أنه قد نزل إلى ميادين مصر يوم الثلاثين من يونيه الماضي ثلاثة وثلاثين مليونًا، أليس من المنطقي حينئذ أن يقوم قادة الانقلاب وحلفاؤهم وقد ملكوا مفاصل الدولة وأتوا بالفاشلين لكي يتوسدوا أمور الدولة عبر آليتهم المدرعة، أن يقضوا على الإخوان المسلمين بل والتيار الإسلامي بصفة عامة بالضربة القاضية عبر استفتاء مثلاًَ على خارطتهم للطريق أو على عزل الرئيس مرسي أو أي استحقاق انتخابي آخر، خاصة أن الإسلاميين كانوا بفعل الإعلام الموجه واصطناع الأزمات من الحكومة العميقة والمتنفذين من أيتام مبارك في أضعف حالات الظهير الشعبي لهم! ومع ذلك لم يفعلوا. إنه صناعة الكذب والدجل بل والسحر والشعوذة من هؤلاء الفاشيين الجدد الذين صدعوا رءوسنا بالدولة المدنية والديمقراطية، حتى إذا ما أتت بغيرهم قالوا ليست الديمقراطية صناديق فقط!! طيب نفتح الباب أم نقفله؟! لم يدع الانقلابيون مجالاً لحسن الظن بهم، فبدأوا عهدهم بخفر وعودهم التي قطعوها لحزب النور الذي ورطوه معهم - ولا نعلم عنهم إلا خيرًا – وقد يكون على ضعف موقفه غصة في حلوقهم، كما صرح بذلك بعض غلاة العلمانيين، ثم توالت أعمالهم الانتقامية في محاولة منهم لإذلال الخصم وقهره لإضعاف موقفه التفاوضي باعتقال السياسيين والشرفاء وإطلاق يد الشرطة تعبث في أمن الشعب وحريته وقمعه من جديد لمحاولة استعادة هيبتها المهدرة بنفس المنهج الإجرامي الذي اعتادوه سابقَا، وكأن لهم "تار بايت" مع الشعب وخاصة الإسلاميين. تقدم عقلاء الأمة من المحسوبين وغير المحسوبين على التيارات الإسلامية - الذين تُحدث سيرتهم التهابات حادة لأصحاب الصوت العالى من النخبة المختارة مدعي الحرية والثقافة! – بمبادرات، الواحدة تلو الأخرى، تحفظ بعض ماء وجه الانقلابيين وتدعو الإخوان ومؤيديهم إلى التنازل عن بعض مطالبهم، وكل هذه المبادرات عمادها الرجوع إلى الشعب، ولكنهم يأبون - إلى الآن - أن يجروا هذا الاستحقاق بحجج واهية شتى، كيف لا وقد ظنوا أنهم قد ركبوا مصر وامتطوا جوادها وساقوا قطارها فلا يضرهم هؤلاء الصبية الرعناء الذين يقذفون بصغار الحجارة على قطار المسيرة المنطلق والذي لا يمكنه الرجوع إلى الخلف – كما زعموا، إنها غطرسة القوة والاستهانة بقطاع عريض كبير من الشعب لم يدخل استحقاقًا انتخابيًا إلا وحقق فيه ما لا يتمناه شانئوه. لا حل لأزمة البلد إلا بالحوار والمفاوضات وبحل سياسي يحاول إعادة بناء الثقة بين الفرقاء، وليكن عبر وساطات عقلاء الأمة الذين ليس لهم خصومة مع أحد، أما تمسك كل طرف بأقصى مطالبه وخاصة الذين استولوا على الحكم عنوة والتلويح بفرض الحلول الأمنية وقهر الطرف المخالف صاحب الحق الأصلي والاستخفاف بأمر الدماء، خاصة بعد مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة، فهو لعب بالنار وإدخال البلد في أتون فتنة قد ندري بدايتها، ولكن لا يستطيع أحد أن يتنبأ بنهايتها التي هي كئيبة على أي حال. لا بد للانقلابيين أن يتنازلوا عن كبريائهم وغطرستهم، فانقلابهم وأقوالهم ليست وحيًا منزلاً ولا زعماؤهم أنبياء مرسلين، وليست إرادتهم لا مبدل لها، ومصلحة مصر وشعبها لا شك أعلى قدرًا من الجميع، فهل يعقلون ويقدمون مصلحة الأمة على مصالحهم الذاتية الضيقة؟ أم أن مصر كبيرة عليهم كما كانوا يقولون على الدكتور مرسي والإخوان؟