أصبحنا نعاني ندرة شديدة في مبادرات حل الأزمة السياسية في مصر بسبب حالة الاستقطاب الشديدة التي جرفت النخب والمؤسسات، فأصبح من الصعب أن تعثر على صوت العقل والوسطية والاعتدال وسط هذا الهياج الشديد من كل الأطراف، فهناك نزعات إقصائية عنيفة تحرض على العنف والصدام من جانب بعض القوى المدنية وخاصة الإعلام المحسوب على فلول نظام مبارك، وبالمقابل هناك أفق مسدود لدى الهيئات والأحزاب والفعاليات المتحالفة مع الإخوان عندما تشترط عودة الرئيس السابق محمد مرسي أولًا ثم نتفاهم، وهو بمثابة وضع العقدة في المنشار، وهو طلب غير قابل للتحقيق عمليًا كما شرحنا سابقًا لأسباب عديدة، كما أنه لن يكون حلًا للأزمة أصلًا لأنه لن ينهي الانقسام الوطني ولن يجد مرسي دولة لكي يحكمها من حيث الأصل، والذين يحاولون اختزال الأزمة الآن في الفريق السيسي يدركون أنهم يزورون المشهد ويضللون الجميع عن سبل الحل، فعنوان الأزمة كان هو الرئيس مرسي والإخوان وليس الفريق السيسي، فلا السيسي كان سببًا في انقسام الوطن طوال عام مضى، ولا السيسي كان سببًا في الحرب الضروس بين الإخوان والقضاة ولا السيسي كان طرفًا في عداوة ترسخت بين شيخ الأزهر والإخوان وبين الكنيسة والإخوان وبين العديد من مؤسسات الدولة والإعلام والمثقفين والإخوان وبين حزب النور والإخوان وبين حزب مصر القوية والإخوان وبين جبهة الإنقاذ والإخوان وبين التيارات الشبابية والإخوان، الأزمة صناعة إخوانية بامتياز، وهذا لا ينفي أن نختلف بعد هذه النقطة حول تقييم تدخل الجيش في محاولة لإنهاء هذا الانقسام وتفكيك الأزمة، وهل هي خطوة مناسبة أم لا؟ لكن هذا لا ينسينا مفردات الأزمة الصريحة والواضحة قبل التزوير الذي يتم الآن من قبل الإخوان لإلهاء الناس عن أصل الأزمة وجوهرها وأسبابها والمتسببين فيها الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الحالة المؤسفة خلال عام واحد فقط من إدارتهم للسلطة. ومن حسن حظنا فاجأنا أمس مجموعة من شيوخ الفكر والحكمة، في مقدمتهم الحكيم طارق البشري والمفكر الكبير الدكتور محمد عمارة والمفكر الكبير الدكتور محمد سليم العوا والعالم الجليل الدكتور حسن الشافعي وآخرون، بمبادرة فيها تخريج دستوري جيد جدًا، يمكن أن تشكل مفتاحًا للخروج من الأزمة، وباختصار، تتمثل المبادرة الأفضل حتى الآن، في قرار بالإفراج الشامل عن كل المحتجزين الذين تم القبض عليهم منذ يوم 3 يوليو، يوم عزل مرسي، ويشمل ذلك الإفراج عن الرئيس المعزول، ووقف أي ملاحقات أمنية، وإعادة بث القنوات الفضائية التي تم توقيفها، وتفعيل العمل بدستور 2012 والاستفادة من معطيات المادتين 141 ، 142، المتعلقتين بحال عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه، بحيث يتم تفويض رئيس الوزراء بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل مؤقت، على أن يقوم رئيس الوزراء بدعوة الناخبين إلى انتخابات برلمانية خلال ستين يومًا يعقبها تشكيل حكومة جديدة منتخبة بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية، ثم تقوم الحكومة الجديدة بتحديد موعد لانتخابات رئيس الجمهورية، وتقوم الحكومة المؤقتة بتحديد الإجراءات اللازمة لتعديل الدستور بما يحقق التراضي بين القوى الوطنية المختلفة، هذا هو قوام المبادرة الجديدة، ربما ينقصها الموقف من مجلس الشورى وبند آخر أن تقوم القوى الإسلامية بفض اعتصاماتها بمبادرة ذاتية بعد الإعلان عن قبول هذه المبادرة الوطنية الجامعة، لتفكيك أجواء الاحتقان، وإعادة السلم الأهلي لربوع الوطن، وتهيئة الأجواء الهادئة لاستئناف المسار الديمقراطي. أعتقد أن هذه أفضل مبادرة وطنية جامعة حتى الآن، وأقربها للواقع، كما أنها تحفظ لكل الأطراف حقوقهم وكرامتهم السياسية أيضًا، وتقطع المخاوف والوساوس من كل اتجاه، وأنا أدعو الفريق السيسي والدكتور البرادعي والمستشار عدلي منصور والدكتور حازم الببلاوي إلى اللقاء العاجل مع مقدمي المبادرة لاستجلاء المزيد عن تفاصيلها وإجراء أي تعديلات محتملة عليها، ثم طرحها على كل الفرقاء تمهيدًا لتنفيذها، خاصة وهي لا تتناقض جوهريًا مع خارطة المستقبل المعلنة، بل تتقاطع معها في أكثر من موضع وربما تتكامل معها وتمنحها مخرجًا دستوريًا لائقًا ومعقولًا، وأنا على ثقة من أن جميع الأطراف ستكون متفهمة للمبادرة وأكثر قبولًا لها، لأنها تتسم بالعقلانية وتتفهم مآلات الواقع والأوضاع الجديدة وتحمي مكتسبات ثورة يناير وتراعي مطالب موجة 30 يونيه وتحمي ما بنيناه من أسس ديمقراطية من الانهيار، كما أنها تحمل مخرجًا دستوريًا لائقًا جدًا ومقنعًا جدًا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.