لاقت مبادرة حزب البناء والتنمية "وطن واحد ومستقبل مشترك" ترحيبًا واسعًا فى الأوساط السياسية، لدلالتها أولًا على أن الحزب مهتم بأولويات قصوى لعلاج المشاكل الكبرى الموروثة من نظام مبارك. وكذلك تدل على وعى كبير بتحديات المرحلة وسبل تخطيها بطرق عملية ومبادرات جريئة تتجاوز أساليب تقليدية عفا عليها الزمن وثبت فشلها. الأهم من ذلك أن المبادرة خرجت وسط أجواء غير مُواتية، بل ربما كان المخطط هو ترقب ردود أفعال إسلامية عنيفة بسبب الكثير من الاستفزازات المقصودة لهذا الغرض على الأرض وعبر وسائل الإعلام، فجاء رد الجماعة الإسلامية بهذه الخطوة التصالحية مُحبطًا لآمال ومخططات النافخين فى نيران الفتنة. والملاحظ هنا أن الكثيرين لا يزالون يتعاملون مع الجماعة الإسلامية فى محدودية فترة الثمانينات والتسعينات عندما كانت جماعة تدافع عن وجودها ضد بطش مبارك، وعندما كانت مشتتة بين المنافى والسجون وكانت هناك عزلة بين القيادة والأفراد، وربما اتخذ أحدَ القرارات المصيرية عضو عادى كرد فعل على تجاوز ما. وهم لا يُدركون أن الأوضاع تغيرت وأن الجماعة لملمت شتاتها وأعادت ترتيب أوراقها وصارت كيانًا مؤسسيًا يتخذ قراراته بصورة منهجية ومدروسة. وربما كانت هذه الأبيات المعبرة التى نطق بها الشاعر العربى مناسبة لمن يحاول استفزاز الجماعة وفقًا لخبرات الماضي، لا وفقًا لتطورات الحاضر ومستجداته بعد أن صارت الجماعة وحزبها فى صدارة المشهد السياسى وتعتبر نفسها اليوم مسئولة عن دولة وعن وطن، وأن زهدت فى اعتلاء المناصب والتنافس على الكراسى. يقول الشاعر قديمًا فى رد معبر على المستفزين والمستفزات والمسيئين والمسيئات: وأن ضيعوا غيبتي حفظت غيوبهم وأن هُمُو هوُوا غيى هَويتُ لهم رشدا ولا أحملُ الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا فى المقابل كانت آخر مبادرات الإساءة والاستفزاز مبادرة المذيع باسم يوسف، وهى تذكر بتلك القصة عندما خرج أحد الملوك للصيد ومعه نديم من ندمائه فأشرف على صخرة ملساء ووقف عليها فقال النديم: لو أن إنسانًا ذُبحَ على هذه الصخرة ليبصر دمه إلى أين يبلغ؟ فأمرَ الملك فذبحوه عليها، فقال الملك: رُب كلمة تقول لصاحبها دعني. باسم استراحَ عدة أسابيع وعادَ ليجرب شيئًا جديدًا أكثر صعوبة بعد أن أصابه الغرور وظن أنه أحرز نجاحات فى النيل من الإسلاميين والرئاسة والإخوان . حاولَ أغبياء كثيرون التطاول على رموز وثوابت الإسلام قبل باسم وفشلوا وتحطمت محاولاتهم على صخرة الإسلام الصلبة، وجاء باسم برعونة ليجرب حظه، ليرسخ في أذهان الرأي العام المحلي والعالمي تفوقه؛ فبعد أن دوخ الإسلاميين وسبب صداعًا مزمنًا للرئاسة وللإخوان، تساءلَ عن الشيء المستحيل الذي فشل فيه من سبقه، ومن ثم تقدم باستخفاف وصبيانية وهو يظن أنه قادر على الإتيان بما لم يأتِ به الأوائل. الإسلاميون تغيروا وعادت قياداتهم لتحدد المسارات وترسم الاستراتيجيات واستعادوا قوتهم وترابطهم وعقولهم السياسية المفكرة؛ فلا غرابة من أن يبادروا بالتواصل والتودد. فى حين لم يغادر الآخرون العقلية الرجعية بنفس غباء ورعونة ومحاكاة أساليب المُفلسين، وباسم يتطاول وجبهة الإنقاذ تتضامن مع معلمة مُسيئة، والهدف واحد: إضفاء القداسة على كيان ما وأشخاص بعينهم فلا يمسهم نقد، وفي المقابل محاولة نزعها من المقدس وانتقاص قدره في النفوس! وفضلًا عن موقف حزب البناء والتنمية الذى نستشعر فيه مسئولية "رئيس القوم"، فهذا المُرتقي الذي غامرَ باسم في صعوده من أخطر ما يكون عندما تجرأ وعرض في برنامجه بمقام النبوة، وباسم ليس بدعًا من المُسيئين الذين حاولوا قبله ليروا أينجحون أم يفشلون فى زحزحة صخرة الإسلام الراسخة ففرمتهم وجعلتهم "كفتة".