الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه ، عمت الفرحة البلاد ، وزالت الهموم من قلوب العباد ، الكل خرج راقص ومهلل ، والباقي في الفضائيات ما بين منافق ومحلل ، فقد أصبحنا أبطال ، وبرأ المرض العضال ، فماذا عسانا أن نقول ، وعقولنا أغشاها الفول ، يا أهل مصر الكرام ، سلمولي علي الترام ..!! بما أنني خائب جدا ، ومشلكتي في صراحتي ، فسوف أكشف لكم اليوم عن سر خطير ، يؤرقني ويؤلمني بشدة ، لا أستطيع كتمانه أكثر من ذلك ، وأرجو ألا يتهمني أحد بالعماله أو الخيانة أو ما شابه من مصطلحات عولمية لولبية متفرنجة .. فالعبد لله لم يشاهد مباراة مصر وغانا في نهائي كأس أفريقيا ، أي والله هذا ما حدث ، رغم أنني كروي قديم ورياضي حديث علي رأي الضيف أحمد ، عاشق للكرة حتي النخاع كما يقولون في الروايات الهنجورية القديمة ، سواء علي مستوي المشاهدة أو الممارسة ، ولا يغرنكم الصورة بالأعلي ، التي قد تشي بكذب ما أدعيه ، فهي لزوم التمويه والتعمية لا أكثر .. أما لماذا لم أشاهد نهائي أفريقيا ، رغم المفترض حدوث العكس ... علي الأقل من الناحية المهنية ، بعيدا عن الوطنية والملوخية ، فالحقيقة أن العبد لله لا يستطيع أن يتقبل بسهوله أو يستسيغ الأجواء المحيطة بالمباراة سوءا قبلها أو بعدها أو حتي وقتنا هذا ، وسواء أيضا فاز منتخبنا أم خسر ، لم يكن الأمر ليختلف كثيرا ، وهي أجواء ما أنزل الله بها من سلطان ، فنحن عندما ننوي علي شيئ ، قل علي الدنيا السلام ، خاصة عندما تتعلق الحدوته بشغل البهلونات ، ومهرجي الملك وأفاعيل النفاق ، ومسح الجوخ ، ولي الحقائق ، والتطفل والتسلق .... إلخ ألخ ألخ .. لذا فضلت النوم علي رؤية مثل تلك المشاهد المؤذية ، وفضلت أيضا أن أبتعد وأريح دماغي و ضميري ، لم أطالع صحيفة أو أشاهد فضائية ، حتي لحظة كتابه هذه السطور، خاصة أن ما يحدث الآن من هيستيريا محمومه ، ومبالغه وتهويل .. لا يتحمله بشر عاقل .. أو نص نص . نعم ..... لا أخفي عليكم سعادتي بفوز مصر وتتويجها ، فرحت كما فرح غيري ، في حدود ما يستدعيه الحدث ، ولا أظن أن الحدث يستدعي أن نرقص كما النساء ونتمايل كما الدراويش و نهلل كما الأطفال ، بمثل تلك الفجاجة والإبتذال ، الذي شاهدنا عليه كل من تصيدته كاميرا فضائية معطوبة أو ضالة .. أقسم بالله أنني أحسست بأسف وخجل لا حدود له ، عندما وقعت عيناي بالصدفة ، وأنا أنتظر دوري عند الطبيب ، علي لقطة للكابتن أحمد سليمان مدرب حراس المرمي ، كان يرقص ويهتف فيها بصورة مشينة ، لا تتناسب ورجل شرطة محترم وهي مهنة الكابتن الأساسية ، لحظتها إنتفض صدري بزفرة حارة ، فما الذي حدث في مصر ..؟؟ أتذكر أنني عاصرت بطولة 1986 التي حصدناها ، كنت وقتها طفلا صغيرا لا أعي شيئا ، لكن أستطيع أن اؤكد علي أنني لم أري مثل ذلك الهزل وتلك المهاترات التي تحدث الآن ، وعايشت أيضا بطولة 1998 ، كنت يومها شابا يافعا ، رأيت السعاده علي الوجوه والفرحه في القلوب ، بهدوء وإحترام وثقة بالنفس ، تمنيت حينها أن أمتلك قلما لأعبر عما يجيش بصدري ويدور من حولي من فرحة وسعادة حقيقية ، وعندما حقق الله سبحانه وتعالي أمنيتي ، وجدت نفسي أغلق التلفزيون ، وأمتنع عن مشاهدة المباراة ، وأنأي بنفسي عن سطر حرف واحد ، فما الذي حدث ..؟؟ .. لا أستطيع أن أفسر حالتي المرضية الغريبة ، والتي هي عصية علي الفهم أو التحليل علي كل لا أريد أن أنغص علي حضراتكم لحظات سعادتكم بفوز مصر ، وأعترف أنني شعرت بالفخر عندما علمت بأن الشاطر حسن مطلوب لقيادة منتخب نيجيريا بكأس العالم ، فهذا مدعاه للفخر والمباهاه .. وأتمني أن نستغل تلك الفرصة جيدا وألا نفرط فيها ، ولا نتوقف عند حدود وأوهام المعدن المصري والإنسان المصري وتخاريف العصر الحديث التي إعتدناها حتي درجة السأم والملل ، بل علينا تصيد الفرصه السانحه ، لتقوية علاقاتنا بالدول الافريقية ، والإقتراب منها أكثر ، ومعايشتها عن قرب في أحزانها وأفراحها ، وتقديم ما يمكن تقديمه من مساعدات ، حتي نكتسبها في صفنا ، ونقوي شوكتنا بها .. لأن تلك الدول تمثل العمق الأمني والإستراتيجي لمصر ، وهو العمق الذي فقدناه وضاع منا وسط الزحام ، بعد وفاة الرئيس عبد الناصر ، فتحينت إسرائيل الفرصة ، وإنقضت علي المكانه والمكان الذي تركناه وتخلينا عنه بإرادتنا الحرة ، أو لنقل بصراحة ودون مواربة ... بخيبتنا الكبيرة التي لا مثيل لها ..! فهل يحدث ما أتمناه ، أم سنكتفي كالعادة بالرقص والتهليل وهز الوسط ، وفي نهاية الأمر نكفي علي الخبر ماجور ..!! .. علي ما أعتقد أننا سنكتفي بالجلوس فوق الماجور ..