في أحد الصالونات الثقافية لأحد كبار أساتذتنا في الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة التقيت بعدد من المثقفين المصريين من تيارات مختلفة ، وكان الحديث الأساسي لأحد أبرز العلمانيين في مصر ، كان الحديث عن نهضة اليابان وأسبابها ، بغية الوصول إلى ما ينفعنا من هذه النهضة في مصر . كان حديث الدكتور العلماني عن طبيعة اليابانيين وأخلاقهم ، وكان طرحه يقوم على ترك كل ما هو من الدين، وأن نغوص في هذه الثقافات لنتعلم منها . حقيقة أنني طلبت الكلمة وكان ضمن حديثي أن محمد عبده حينما سافر قال مقولته الشهيرة : وجدت إسلاما بلا مسلمين !! أي أن تلك القيم الداعية للحضارة والنهضة من المحافظة على الوقت وإتقان العمل والعدل بين الناس كل هذه هي قيم الإسلام التي دعانا إليها هذا الدين الحنيف. ثم قلت : أقسم بالله العظيم ما من شيء – تقريبا – ذكر من أسباب نهضة اليابان وما ذكر من محاسن أخلاقهم إلا ووجدته في ثقافتنا الإسلامية . وقد ذكرت مثالين – نظرا لضيق الوقت– المثال الأول : حينما ذكر الأستاذ العلماني أن اليابانيين في السفر لابد أن يكون أحدهم هو المسئول ولابد أن يطيع الجميع أوامره حتى وإن كان هذا المسئول أصغرهم، وأنه وهو أستاذ في اليابان حدث له هذا وأطاع هذا المسئول وقد كان طالبا صغيرا عنده . قلت : تذكرت أسامة بن زيد الذي عهد إليه بقيادة الجيش وكان عمره 18 عاما وتحت قيادته الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهما من هما ، ومع ذلك كانا الشيخان يطيعان أوامره . المثال الثاني الذي ذكرته أن الأستاذ العلماني ذكر أن في اليابان حرية شخصية لكن طالما كنت في بيتك.ففي بيتك تفعل ما تشاء، ما لم يضر الغير ، أما خارج البيت فالحرية مقيدة . قلت : تذكرت عندما سمعتها تلك القصة التي حدثت مع عمر بن الخطاب لما كان يسير في طرقات المدينة يتفقد الرعية وسمع صوت بعض الشباب وعلم أنهم يشربون الخمر ، فدخل عليهم دون استئذان . فقال له صاحب البيت إننا أخطأنا خطأ واحدا وأنت أخطأت ثلاثة أخطاء ، منها أنه دخل بيتهم دون استئذان . فعلم عمر أن صاحب البيت معه الحق . فخرج من البيت وتركهم . لأن للمرء حرية في بيته فلا يدخل أحد دون إذنه . ذكرت ذلك لكي يعلم الجميع أن عندنا في ثقافتنا الإسلامية ما يغني عن ثقافات الغير، مع التنبيه أننا ننفتح على الغير في كل ما هو مفيد ونافع ولا يضاد عقيدتنا ، وقد أخذ عمر بن الخطاب طريقة الدواوين من الفرس وأدخلها في البلاد الإسلامية وأفاد منها . لكن لابد أن نعالج عقدة النقص التي يعاني منها بعضنا ، ونعلم أن في ديننا كفاية وأن الدين جاء ليصلح الدنيا ، وليس كما أراد البعض أن يحصره في جدران المسجد، ولابد أن نؤمن بما عندنا من كنز حضاري . وقت أن طبقه المسلمون سعدوا وسادوا الأمم ، وارتقوا سلم الحضارة حتى وصلوا إلى أعلاه.