شاهد العالم كيف احتفت ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم بعد أندونيسيا "160 مليون" بالرئيس المصري، إنها باكستان التي تعد من أفضل الدول تطبيقًا للنظم الديمقراطية، وهي القوة الاقتصادية الصاعدة بسرعة لتكون ضمن زمرة الدول المتقدمة، الاستقبال التاريخي على الصعيدين الرسمي والشعبي للرئيس في باكستان ومن بعدها الهند ثاني أكبر تجمع سكان في العالم ينم عن وعي وإدراك بثقل دولة عمرها سبعة آلاف سنة وتقدير لقيمة شعب صاحب أقدم حضارة عمرت الأرض. في خضم هذه الاحتفالات التي يفخر بها أي مصري، كان لسراق الفرح "معظم الفضائيات المصرية" رأي آخر حيث أبت وإلا أن تمارس فخرًا بذلك على طريقتها الخاصة بتحويل الإيجابيات إلى سلبيات وبتفريغ زيارة الرئيس من مضامينها الاقتصادية والعسكرية والسياسية وإلى تهكم رخيص وسطحية وابتذال أصبح عنوانًا لمعظم وسائل إعلامنا المقروء والمرئي "للأسف" حتى بات العالم يدرك ذلك تمامًا، ولا يلقي له بالًا، وإذا أراد أن يستقي تفاصيل ما يدور في مصر لا يلجأ إلى إعلامنا الموجه الذي فضح نفسه في كل المناسبات منذ بدء الثورة وحتى الآن. تأتي زيارة الرئيس إلى باكستان والهند التي كانت مسار السخرية طوال يومين متتالين ومرشحة للبقاء أسبوعًا آخر ليلقي في بحرها إعلاميو الضلال حجارتهم الخبيثة تأتي في سياق الاستفادة من تجارب الدول الناجحة ومن ثم إبرام الشراكات الاقتصادية معها في ظل مصر الجديدة. إن مصر لكي تنهض لابد أن تستفيد من خبرات الدول الكبرى، لاسيما المتميزة منها التي تمكنت من إحداث نقلة نوعية سريعة وتحول اقتصادي كبير في وقت قصير، مثل البرازيل وتركيا وألمانيا وسنغافورة والصين وكوريا وجنوب إفريقيا وباكستان والهند. فمن المهم الاستفادة من تجارب هذه الدول التي تمكنت من صنع فارق اقتصادي كبير في سنوات معدودة، مع التأكيد على أن أي نموذج مهما كان ناجحًا لا يمكن استنساخه في بلد آخر، ولكن يجب منح الرئيس الفرصة لكي يسترشد بتلك النماذج في بناء نموذج اقتصادي مصري طموح للخروج من الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها مصر. ولقد قام الرئيس بزيارة 4 دول من هذه السلة من الدول الناجحة تم اختيارها بذكاء شديد، وهي الصين وتركيا سابقًا وباكستان والهند لاحقًا، وأخص الأخيرة بالذكر للرد على أصحاب الأفكار الضحلة الذين يتهكمون على زيارة الرئيس للهند بالقول أنه وفقًا لتقرير مؤسسة "بي دبليو" بعنوان "العالم في عام 2050 آفاق وتحديات وفرص". مفاده أن الهند ستصبح واحدة من أكبر الاقتصاديات في العالم بحلول عام 2050 . وأوضح التقرير أنه من المتوقع للصين أن تتفوق على الولاياتالمتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050، مشيرة إلى أن الصين والولاياتالمتحدة والهند سيحتلون المراكز الثلاثة الأولى بحلول عام 2050، وأشار إلى أن تركيا ستصبح أكبر اقتصاد أوروبي، بينما اقتصاديات باكستان وأندونيسيا ونيجيريا وفيتنام ستشهد صعودًا بقوة، وهنا تكمن أسرار زيارة الرئيس للدول الأربع على وجه الخصوص . وكان جيدًا ذلك التلاقي الفكري مع التجربة التركية مثلًا، لأنها تعد حالة نجاح فريدة شهد لها العالم أجمع في السنوات الأخيرة، تمثلت في نمو غير مسبوق في الاقتصاد وزيادة متوسط دخل الفرد بشكل لافت للنظر، وزيادة كمية الصادرات، فضلًا عن جوانب أخرى مهمة. وثمة نموذج آخر لابد من التعريج عليه فأذكر في نهاية عام الثورات العربية "2011" كان العالم على موعد مع إعلان تاريخي للبرازيل كشف أنها أصبحت سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على بريطاني، ووفقًا لتصريحات وزير المالية البرازيلي آنذاك فإن بلاده حققت نموًٍا بنسبة 2.7% في الوقت الذي حقق الاقتصاد البريطاني نموًا بنسبة 0.8% ، تحقق لهم هذا الإنجاز بعد مرور عام من ولاية الرئيسة "ديلما روسيف" التي أقرت بشفافية أن ذلك لم يكن إلا ثمرة نجاح برنامج اقتصادي إصلاحي طموح شهدته البرازيل طوال ثماني سنوات هي فترة حكم الرئيس السابق "لويس دا سيلفا" من 2003 إلى 2010. لما لا نستفيد مثلًا من نهضة اقتصادية كهذه التي نقلت البرازيل من هوة الإفلاس إلى قمة التقدم الاقتصادي في خلال ثماني سنوات فقط لنتعرف عن قرب كيف طوعت تلك السياسات لتؤثر في حياة ملايين البرازيليين ونقلتهم من مصاف الطبقات الفقيرة إلى الطبقة الوسطى، ماذا يضيرنا في النقل عنهم، خصوصًا أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. إن نجاح الثورة المصرية في تحقيق أهدافها ينطوي على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية، وهي أضلاع مشروع النهضة الذي بنى عليه الرئيس حملته الانتخابية، وهنا لابد من بناء نظام اقتصادي قوي بعد أن اتكأ الاقتصاد المصري طويلًا على نظام ريعي لا يعتمد إلا على بعض البترول "غاز طبيعي"، وتحويلات المصريين في الخارج وإيرادات قناة السويس "رغم ما كان يهدر منها"، والمعونات الأجنبية "مليار دولار أمريكي تقريبًا سنويًا"، بالإضافة إلى السياحة، ولكننا فضلًا عن هذه الجوانب التي تمثل مقومات اقتصاد ريعي، نحلم بإتمام الصورة الجميلة لمصر الجديدة بوجود إنتاج زراعي وفير ونهضة صناعية حقيقية تماثل تلك التي قامت في الصين وتركيا وباكستان والهند، وهذا لن يكون إلا بالاستفادة من تجارب تلك الدول التي لا يحمد اليساريون للرئيس زيارتها. اتقوا الله في وطنكم ودعوا الرئيس يعمل من دون تعمد إفشاله وعرقلته، قولوا خيرًا أو اصمتوا صمت القبور يرحمكم الله .