لا يزال أمر الاستيلاء على حديقة الأميرة فريال بأسوان يؤرقني وأهلها وزوارها، ويلح على شعور أن الحديقة فعلا- كما يبدو- إلى زوال، رغم أن أحد أعضاء مجلس محلي أسوان في تعليقه على مقالنا السابق أبدى حرصه على هذه الحديقة، مؤكداً أن المحافظ يحرص على موافقة المجلس في مثل هذه الأمور، بما يعني- في ظني- أن الأمرمعروض أو سيعرض والموافقة ليس من العسير انتزاعها بوسائل شتى. ويخطئ من يظن أن أمر هذه الحديقة لا يستحق كل هذا الاهتمام قياسا إلى ما نكابده من مشكلات أخرى جسام في التعليم والصحة ورغيف الخبز. ولكن أليس من حق أهل أسوان- على الأقل- أن يكون لهم مكان للترويح عن النفس ولو ساعة من نهار. ثم أليست الحديقة تراثاً يجب رعايته والمحافظة عليه، أم أن مفهوم التراث مقصور على الأوثان والأحجار الصماء. المستأثرون الجدد أو القناص (الذين يعرفون حركياً باسم المستثمرين) يعبثون في الزحام، ينتهزون انشغال الناس بما ابتلوا به ليستولوا خلسة على ما ليس لهم بحق، فلتكن أعيننا مصوبة تجاههم ولنتحسس ما لدينا حينا بعد حين حتى لا نفجع باختفائه. حين زرت أسوان قبل أيام، بعد مرور عام على رحيل محافظها السابق اللواء سمير يوسف (رحمه الله) حزنت على حالها، وحين أمضيت فيها بضعة أيام ازددت حزناً. ومما زاد غمي ونكدي ما سمعته من ألسنة الخلق عن مؤامرة الاستيلاء على حديقة الأميرة فريال (الأثرية). وذكرني أحد التعاليق على مقالي السابق بما يجري في القاهرة الكبرى من استيلاء على أرض حديقة الحيوان (80 فداناً) التي أنشئت منذ أكثر من مئة عام، كما وتذكرت ما كان من محاولة هدم بعض مباني جامعة الأسكندرية، والاستيلاء على حديقة مستشفى العباسية. وسرحت بخاطري إلى حدائق الحرية والأورمان والأندلس التي تتمتع بمواقع متميزة لن تخطئها أعين القناص ولن يحول حائل دونهم في جو الفوضى الهدامة التي تمر بها البلاد، ففي الزحام تكثر السرقات. وبالمناسبة- سيادة المحافظ - يقولون أن أسوان عادت يتيمة، ويذكرون بالعرفان سلفك، ولكن ربما فترة العام التي مرت على ولايتكم لا تكفي للحكم على نشاطكم، وإن كنت لم أر ولو إرهاصة واحدة تنبئ بالعزم على مواصلة مسيرة الإصلاح. المدينة- السياحية- لم تعد على حالها، شحبت واصفر لونها وذبلت، ويكفي للتدليل على ذلك أن شركة الغاز حولت الشوارع الأسفلتية المعبدة إلى شوارع ترابية مرصعة بالحفر الدائرية والطولية، وما أن تمر سيارة أو عربة تجرها عجماء حتى يثورالغبار غضباً، معكراً صفو المدينة وأهلها. ولا أحسب أن المحافظ اللواء مصطفى السيد إلا أن يكون من أولئك القلائل الذين يقدرون المسئولية وينهضون بتبعاتها، كما ولا أحسبه من أولئك الذين يعتبرون منصب المحافظ مكافأة نهاية خدمة أو فترة للراحة والاستجمام. تعلمون أن سلفكم (رحمه الله) بدأ عملاً جباراً لم يؤته أي من السابقين. من المؤكد أنه تم وفق خطة موضوعة، والخطة لم تكتمل بعد، وقد يكون من حظكم أن تكتمل كلها أو بعضها على يديكم. في قلب المدينة أحياء أشيه بالجبانات ومساكنها هى والقبور سواء وإن تجولتم ستعرفون صدق ما أقول. سيادة المحافظ ... أوصيكم خيراً بأسوان وبحديقتها التي تحمل اسم الأميرة فريال، ولا تنسوا إطلاق اسم اللواء سمير يوسف على أحد ميادين أو شوارع المدينة وفاءً وعرفاناً بفضله.