منذ أن تفتحت عيناي على مدينة أسوان وإلى عهد قريب لم يكن بها متنفس لأهلها سوى حديقة الأميرة فريال التي أنشئت في الأربعينيات وسميت باسم كبرى بنات الملك فاروق (رحمهما الله) . الحديقة تقف عند الطرف الجنوبي للمدينة، ومهما أطلت واجتهدت في وصفها فلن استطيع أن أعطي صورة حقيقية عن جمالها وبهائها. ويكفي لجذب انتباه القارئ أن بهذه الحديقة عدداً من الشرفات فوق صخور جراتينية تطل على أجمل جزء من نهر النيل بزرقته المبهرة وبالأشرعة البيضاء التي تتهادى على صفحته... منظر لا تمله العيون. تصميم الحديقة فريد، ليس له نظير... تجد فيها هضاباً صغيرة وأودية وممرات. تصميم يشعر الزائر وكأن الحديقة له وحده، لا يشاركه فيها أحد، خصوصية لا يجدها الزائر في أي مكان. حديقة لا يسمع لها ضجيج مهما اكتظت بالزوار. وهي فوق ذلك ملتقى نباتات العالم، فهي زاخرة بأنواع من الأشجار العملاقة النادرة التي تحمل كل منها بطاقة تعريف عن اسمها وموطنها. ورغم توالي العقود على هذه الحديقة فهي مازالت فتية رائعة الحسن، هي وجهة أهالي أسوان في الأعياد ووجهة السائحين باعتبارها معلماً هاماً من معالم المدينة وتراثاً أثرياً. وتعلمون أيها السادة أن في مصر فئة من المستثمرين المستأثرين الذين يفسدون على الناس حياتهم ويستكثرون عليهم عيشتهم المفرطة في التواضع. هذه الفئة قسمت مصر إلى مناطق أستئثار، ويبدو أنهم فرغوا من استنزاف شمال البلاد وحل الدور الآن على أسوان بعد أن كان الظن أنها ليست مطمعاً لطامع. هناك من يحوم حول الحديقة بعيون صقر يتتبع فريسته ويتحين الفرصة للاستيلاء عليها، يريد تحويل الحديقة إلى مطاعم وملحقاتها ليتلوث أرضها وفضاؤها، ولتقض مضاجع طيورها ولتصبح مأوى لكل ضال. نما إلى علمنا أن مفاوضات ومساومات تجري بشأن الاستئثار بهذه الحديقة ويخشى أن يستطيع المستأثر إقناع المسئولين بالسحر والشعوذة ليغتصب من أهل أسوان إرثاً عزيزاً. إنني لن أتوجه إلى المحافظ أو إلى مساعديه- فهم ضيوف طال بهم المقام أم قصر- وإنما أتوجه إلى المجالس الشعبية الممثلين لأهل أسوان ليأخذوا حذرهم مما يحاك لهذه الحديقة، وعلى الصحافة الإقليمية ومراسلي صحف المعارضة التصدي لهذا الأمر. فيا أهل أسوان أعلموا أن لا عزيز لدى هؤلاء المستأثرين، فجل اهتمامهم بالمادة وبعائدها السريع دون أي اعتبار لقيمة تاريخية أو حضارية أو ترويحية، فعضوا على حديقتكم بالنواجذ ولا تفرطوا في هذه القطعة العزيزة من مدينتكم لصالح أي مستأثر أياً كان الدثار الذي يتدثر به. ويا أيها المستأثرون إن كنتم صادقي النية في الاستثمار فأمامكم متسع بشمال أسوان وغربها. ****** اللواء محافظ أسوان... عافانا الله وعافاك... قرأنا أنكم وهبتم من أموال المحافظة مليون جنيه لأحد الأندية الرياضية، وكنا نرجو إنفاق هذا المبلغ في شراء ألف خروف لتوزيع لحومها على الفقراء في عيد الأضحى. وأوصيكم في عجالة بالاهتمام بالمدينة درءاً للمقارنة بينكم وبين سلفك عليه رحمة الله. ولنا لقاء آخر على هذه الصفحة بإذن الله، وكل عام وأنتم بخير.