حسنى مبارك كان رجلا متواضع الإمكانيات والقدرات، وبالتالى كانت أحلامه وطموحاته متواضعة، لكن الأقدار وضعته رئيسا لأكبر دولة عربية وإفريقية وشرق أوسطية، وتواضع إمكانياته وقدراته أساسها أنه يفتقد الذكاء والحكمة، ويفتقد المعرفة والدراية، فقد كان جهولا غشوما، فلما تسلطن جار وبطش، وخضع لهوى نفسه الأمارة بالسوء. وجد مبارك حوله من عينة "هامان" كثيرون وليس واحدا كما كان لفرعون مصر الجبار، والتف الجمع الهامانى حوله بالمباخر والطبول والدفوف حتى أسكروه فى نشوة السلطة، ورفعوه فوق كرسى الملك الإله، ليصبح هو الدولة والدولة هو. هامان الأكبر الذى رفع مبارك لمنزلة الإله، والذى سوف يُسأل عن هذه الجريمة أمام الله أولا ثم التاريخ ثانيا، هو ذلك المدعو "صفوت الشريف"، الذى كان وزيرا لإعلامه، ثم أمينا لحزب الفساد والإفساد فى مصر المسمى "الحزب الوطنى"، حيث سخر الرجل إعلام الدولة كله لتمجيد مولاه الفرعون، فكان إذا ذهب لافتتاح (مخبز عيش) يقتصر البث التليفزيونى والإذاعى على الأغانى والأناشيد الوطنية، قبل الزيارة بساعات وبعدها بأيام، وكان يشرف بنفسه على جهاز متخصص فى التعاقد مع حثالة الشعراء والملحنين والمغنيين لإعداد هذه الأغانى، ثم بثها بشكل مكرر حتى تصبح متداولة على كل الألسنة. انصاغ لوزير الإعلام، كل رؤساء تحرير الصحف الحكومية وعددا من كبار صحفييها، وتسابقوا فى إصباغ الصفات والنعوت على شخص مبارك، فهو "بطل" حرب أكتوبر، وهو "نسر" مصر والعرب، وهو "حكيم" الأمة العربية، وهو "القائد" و "الزعيم" الملهم، وكل كلمة أو جزء من كلمة تخرج من بين شفتيه كأنها منزلة من السماء، فتكون لها قداسة، فشاع وترسخ تعبير "بناء على تعليمات أو أوامر أو توصيات السيد الرئيس"، وكانت هذه العبارة كفيلة لتحصين أى فعل، فهى الرخصة التى إذا نطق بها أى فاسد فى الجهاز الحكومى يصبح منزها عن المساءلة، فمبارك بحسب إعلامنا كانت كل قراراته تاريخية، وكل خطواته متأنية، وكل آرائه سديدة، وكل توجيهاته حكيمة، وكل سفرياته ناجحة، وكل محادثاته مثمرة وبناءة، حتى صدق الرجل ذلك وانفصل عن الشعب مستهينا به إلى أن جرى ما جرى. خلال عهده الفاسد تحولت مصر لصورة عصرية من دولة المماليك، فأصبح فى كل جهة وفى كل مؤسسة "أمير" يحمل رخصة الانتماء إلى "تنظيم الحزب الوطنى" تخول له أن يسرق وينهب ويظلم، ومعه حصانة ضد أى مساءلة تكفل له حماية قوية، فكان كل رئيس لأى مؤسسات سواء كانت إعلامية أوتعليمية أو إقتصادية أو مالية أو أمنية ..... إلخ "أميرا" من أمراء دولة الحزب الوطنى المملوكية، التى جلس عليها سلطان الشؤم لمدة ثلاثين سنة حتى خربها وفكك أوصالها وتركها خرابا. هذه المؤسسات مازالت كما هى رغم سقوط رأس النظام، وأتاح لهم المجلس العسكرى على مدى عام ونصف العام فرصة لالتقاط أنفاسهم واستعادة قواهم بعدما قذف سقوط مبارك فى البداية فى قلوبهم الرعب واندحروا فى الجحور، لكنهم خرجوا الآن بكل فجر يجاهرون بمعاداة الرئيس المنتخب، ويعملون جهدهم لإسقاطه، وكل يوم يكسبون أرضا جديدة فى حربهم القذرة ضد الرئيس الشرعى للبلاد، وأصبح جليا لكل ذى بصيرة أن هؤلاء يزدادون قوة يوما بعد يوم، لأنه لا رادع لهم. الذى يجرى فى مصر الآن يذكرنى بما كان يجرى فى دولة المماليك، فحينما كان يتم مبايعة أحدهم سلطانا، تنطلق بعد ساعات مؤامرات الدسيسة ونشر الإشاعات الكاذبة، ثم ينتهى الأمر غالبا بخلع السلطان أو قتله أو هروبه. ما يجرى الآن هو "ثورة" ضد الثورة الأم، ثورة أخرى يقوم بها فلول النظام السابق الذين لا يزالوا على أوضاعهم داخل مؤسسات الدولة لم يتم التخلص منهم، ولم يتم محاكمتهم أو سجنهم، بموجب الشرعية الثورية كما جرى فى كل ثورات التاريخ الانسانى، فالثورة إذا كانت شعبية فهى لها شرعية بلا قيود، لأنه فى النهاية تحتكم لقاعدة الشعب مصدر السلطات. الذى يقود هذه (الثورة) هو إعلام العار الذى ابتلينا به فى هذا الزمن، ولا غرابة فى ذلك، فأصحاب الفضائيات والصحف كلهم من رموز الحزب الوطنى الفاسد الذى أشاع فى مصر الفساد والحرام وحارب الفضيلة والقيم الأخلاقية، وإنى أتعجب كيف تبث قناة (الحياة المسيحية) على النايل سات، إنها القناة التى أسسها القس الشاذ زكريا بطرس، والتى منها خرجت أقذع الشتائم وأحط الافتراءات ضد الرسول والإسلام والقرآن والتى لم يتفوه بها أبو جهل ولا أبو لهب، فهى البهتان نفسه، ومع ذلك سمحت سلطات البلد لها بالبث من خلال النايل سات، والشىء بالشىء يذكر هنا، فهناك قنوات إباحية تبث على النايل سات، وقد سمعت بهذا فلم اصدق، لكنى أعدت البحث فالتقطت حوالى عشرة قنوات ساقطة مداعرة .. كيف سمحنا بذلك؟، وحتى بعد تولى وزارة الإعلام وزيرا من جماعة الإخوان المسلمين لم يتم وقف هذه الضلالات، وإذا قالوا بأنها تبث من أقمار أخرى على نفس المدار فهذا ليس بعذر، لأنه من السهل جدا التشويش عليها وعرقلة التقاطها، فهذه مسائل يقوم بها الهواة من الشباب الدارس للالكترونيات، فما بالنا بقدرات وإمكانيات دولة؟!. إعلام العار يعمل لحساب أمراء المماليك الذين كانوا فى الأصل مجرد (غلمان) يباعوا فى أسواق النخاسة، فاشتراهم نظام مبارك وأغدق عليهم وجعلهم أداة يحقق من خلالها ثروات رهيبة فوق الحصر، وجعلهم ستارا يخفى ما يباشره من أعمال تجارية غير شريفة، ففكك أوصال الوطن كله وباعه لحسابه بأبخس ثمن بواسطة هؤلاء الغلمان، ثم تحول هؤلاء (الغلمان) إلى (أمراء) أصحاب ثروة وسطوة، وبما نهبوه من ثروات حرام يحشدون الحشود، ويدفعون بجيوش البلطجية التى ربوها على أعينهم لإسقاط نظام حكم شرعى يمثل خطرا على مصالحهم وعلى حياتهم الخاصة. السلاح الأقوى الذى يحقق به أمراء دولة مبارك هو "الإعلام"، فقد قاموا بدورهم بشراء مجموعة من (الغلمان) غير الأدهار، ومثلهم من (الجوارى) وكلاهما لا يعرف ولم يسمع عن شىء اسمه "الشرف"، فمنذ متى كان الغلام الذى تم إخصائه لأجل المتعة الحرام يعرف الشرف؟ ومنذ متى كانت الجارية التى يتسرى بها تعرف الشرف؟، هؤلاء منهم ومنهن حشد أمراء الفساد فى دولة مبارك جيش الإعلاميين الذين يقودون الحرب ضد جموع الشعب، بنشر الفوضى فى ربوعه بما لديهم من مواهب خاصة فى نشر الكذب والأباطيل. إعلام دولة المماليك مثل "المسيح الدجال" الذى لا يرى إلا بعين واحدة، فلا يرى هذا الإعلام الفحش الذى يرتكبه السياسيون المعادين للرئيس، ولا يرى فجر المنتمين للجمعيات والمراكز الحقوقية الذين تفرغوا للدفاع عن العهر فى مواجهة الفضيلة، ولا يرون الجرائم التى يرتكبها أمراء دولة الفساد، وآخرهم المدعو ساويرس الذى ثبت أنه متهرب ضريبيا من 14 مليار جنيه، وانشغل هذا الإعلام على مدى عدة أيام بوظيفة تقدم إليها ابن الرئيس مرتبها 900 جنيه شهريا ليست محل أى شبهة. إعلام دولة المماليك يهاجم الشرطة إذا باشرت عملها فى التصدى للبلطجية والمخربين وهم يهاجمون مؤسسات الدولة وأملاك الشعب، ثم يتحولون فى لحظة لتأييدها ومناصرتها ودعمها فى موقفها المشبوه حين أعلنت بعض عناصرها الإضراب عن العمل، والتخلى عن مهامها الوطنية، بما يهدد حياة الشعب وأمن البلاد القومى. إعلام دولة المماليك هاجم وبشدة شخص وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى حين تم تعيينه، واتهموه بأنه (إخوانى) وكان الإخوان (يهود) غير مصريين، ثم تغير هذا الموقف فى لمح البصر بزاوية 180 درجة، حين تعالت اصوات (غير مسئولة) تطالب يأن يتسلم الجيش السلطة، وبدأ بعض المواطنين (المدفوعين) يحرروا توكيلات للفريق السيسى بأن يتولى حكم البلاد من خلال انقلاب عسكرى ضد السلطة المنتخبة، فراح هذا الإعلام يبارك هذا الاتجاه، وتحول السيسى إلى رمز وبطل قومى، وأقيمت حفلات أشبه بحفلات الزار فى الفضائيات لتشجيع الفريق السيسى على الانقلاب ضد الشرعية، مهما كانت تداعيات هذا الامر لو تم، فأى إعلام هذا الذى يديره المخنثون وأشباه الرجال وجوارى دولة المماليك. أمراء المماليك، وهم مجموعة من الخصيان، نجحوا فى تأسيس دولة لهم بعد انهيار دولة الأيوبيين فى مصر والشام عام 1260م، ودامت هذه الدولة حتى الفتح العثمانى للشام عام 1516، ولمصر عام 1517، لكن فلولهم ظلوا فى حالة حرب ضد ولاة الدولة العثمانية، وحاول أحد كبار مجرميهم المدعو على بك الكبير (1728 1773) أن يقيم دولة بمساعدة الروس العدو اللدود للدولة العلية العثمانية، لكنه فشل بسبب تمرد (تلميذه) محمد أبو الذهب ضده، ثم توالت مؤامراتهم الخسيسة، حتى نجح محمد على فى القضاء عليهم أول مارس عام 1811، فى الحادث الشهير الذى عرف تاريخيا ب "مذبحة القلعة"، كذلك أمراء مماليك دولة مبارك فى حاجة إلى (عزومة) كتلك التى دعا إليها محمد على باشا الكبير، وتمكن بعدها من إقامة دولة عصرية امتدت من أراضى الحجاز شرقا حتى برقة غربا، ومن حدود الأناضول شمالا حتى الجبشة جنوبا. [email protected]