الذى يجرى فى مصر الآن يذكرنى بما كان يجرى فى دولة المماليك، فحينما كان تتم مبايعة أحدهم سلطانًا، تنطلق بعد ساعات مؤامرات الدسيسة ونشر الإشاعات الكاذبة، ثم ينتهى الأمر غالبًا بخلع السلطان أو قتله. خلال عهد الفاسد المخلوع تحولت مصر لصورة من دولة المماليك، فأصبح فى كل جهة وفى كل مؤسسة "أمير" ينتمى إلى عصابة الحزب الوطنى، معه رخصة تخول له أن يسرق وينهب ويظلم، ومعه حصانة ضد أى مساءلة تكفل له حماية قوية، فكان رؤساء المؤسسات الإعلامية والتعليمية والاقتصادية والمالية والأمنية.... إلخ "أميرا" من أمراء دولة الحزب الوطنى المملوكية، التى جلس عليها سلطان الشؤم لمدة ثلاثين سنة حتى خربها وفكك أوصالها وتركها خرابا. هذه المؤسسات مازالت كما هى رغم سقوط رأس النظام، وأتاح لهم المجلس العسكرى فرصة لالتقاط أنفاسهم واستعادة قواهم بعدما قذف سقوط مبارك فى قلوبهم الرعب واندحروا فى الجحور، لكنهم خرجوا الآن بكل فجر يجاهرون بمعاداة الرئيس المنتخب، ويعملون جهدهم لإسقاطه، وكل يوم يكسبون أرضًا جديدة فى حربهم القذرة ضد الرئيس الشرعى للبلاد، وأصبح جليًا لكل ذى بصيرة أن هؤلاء يزدادون قوة يومًا بعد يوم، لأنه لا رادع لهم. ما يجرى الآن هو "ثورة" ضد الثورة الأم، ثورة أخرى يقوم بها فلول النظام السابق الذين لا يزالوا على أوضاعهم داخل مؤسسات الدولة لم يتم حتى مجرد إقالتهم، إن لم تتم محاكمتهم، أو سجنهم بموجب الشرعية الثورية كما جرى فى كل ثورات التاريخ الإنسانى، فالثورة إذا كانت شعبية فهى لها شرعية بلا قيود، لأنه فى النهاية تحتكم لقاعدة الشعب مصدر السلطات. فى العهد البائد انتهكت كل الحرمات، وتحول القانون إلى أداة بطش فى يد العصابة الحاكمة، فكان يتم تفصيل القوانين على مقاس كل أمراء دولة مبارك المملوكية، فرجال أعماله تم لأجلهم سن مجموعة من القوانين تكفل لهم ممارسة النهب بلا حدود، ورجال أمنه ورجال قضائه وقيادات حزبه ورموز إعلامه.. كل هؤلاء تم تفصيل قوانين خاصة تحقق لهم ممارسة النهب والسرقة والحماية فى نفس الوقت، وكانت أحكام القضاء (النزيهة) تصدر ولا يعيرها أحد اهتمامًا، وهناك عشرات الألوف من الأحكام التى صدرت ضد مؤسسات الدولة ولم تنفذ، لكن الوضع مختلف مع الرئيس الجديد الذى وصل سُدة الحكم بإرادة شعبية نظيفة. أخبار رئيس الجمهورية ومؤسسة الرئاسة يتناولها الإعلام وكأنها لرئيس دولة أخرى تأتى فى هامش النشرات والصفحات، وفى السابق كان إذا عطس مبارك أو ابنه أو زوجته تتناوله تلك الأبواق وكأن الدنيا كلها تنتظر ذلك، فكل خطاباته كانت تاريخية، وكل خطواته دائمًا كانت متأنية، وكل مباحثاته كانت دائمًا مثمرة وبناءة، حتى صدق الرجل ذلك وانفصل عن الشعب مستهينًا به إلى أن جرى ما جرى. إحدى القنوات التى يملكها رجل معتوه ومختل عقليًا، ومصر كلها تضحك عليه، تأتى بما يشكل جرائم جنائية بنص القانون، وما تبثه من ضلالات وتحريض يحتم إغلاقها فورًا، ولو كانت فى أرقى بلاد العالم ديمقراطية قناة تفعل مثل هذه لأغلقت فورًا وأعدم القائمون عليها لما تشكله من خطر على الأمن القومى، لأن هذه الدول تضع نصب أعينها مصالح الدولة العليا وتقدمه على أى اعتبار، والقناة المعنية تبث ما من شأنه بث الفتن فى الدولة، ووصل الأمر أن يحرض صاحبها الشعب الإسرائيلى للثورة على قادته لمحاربة مصر ووجه كلامه للشعب الإسرائيلى قائلا لهم حرفيًا: لن يتحقق أمن لكم مادام مرسى فى الحكم (!!)، فضلاً عما يبثه من بيانات وأرقام ومعلومات خاطئة من شأنها إثارة الفتن فى ربوع البلد، وكنا فى السابق نرى فى هذه القناة منفذًا للتروح نضحك على صاحبها المخبول، لكن يبدو أن رموز الدولة العميقة رأوا فى هذا المختل ما يحقق أهدافهم فالتف حوله بعض الرموز المشهورة من حثالات النظام السابق، وأصبحوا يمدونه ببيانات وأرقام لا يعرف عنها شيئًا، فهو جهول أحمق، وكثيرًا ما يلعب الحمق دورًا فعلاً فى إحداث الكوارث، وهذا الأحمق المختل الذى تلوث به الأثير أصبح يشكل خطرًا على أمن واستقرار البلد، وصاحبها يشعر بأمان، فرئيس نادى القضاة يعلن له على ملأ من العالم أنه رجل صادق (!!) ومخلص ووطنى، وهو نفسه الذى اتهم 2600 قاضٍ بأنهم مزورون، وذلك يؤكد أن هذا الرجل كان على حق عندما قال ذلك، فلماذا إذن هذه الأفلام والمسرحيات التى يعرضها الرجل كل فترة بزعم الدفاع عن القضاء ضد المتطاولين عليه؟!، وهل أخذ صاحب القناة وعدًا منه بأنه لن يدان فى أى من عشرات القضايا والبلاغات المنظورة ضده حاليًا أمام القضاء والنيابة؟!!. مطلوب فورًا عدم الاستهانة بهؤلاء، فالنار تأتى من مستصغر الشرر، والإنجليز عندهم مبدأ بأنك إذا استهنت بعدوك تخسر المعركة، وفى تراثنا العربى حكمة تقول: "إذا كان عدوك نملة فلا تنم له"، وهذه القناة وصاحبها رغم حقارته أصبح بحق يشكل خطرًا على استقرار البلاد، فهى التى تقود الحشد المدنس حاليًا ضد الرئيس المنتخب، ورئيسنا ملزم باتخاذ الإجراءات اللازمة ضده قبل استفحال خطرها. [email protected]