جامعة عين شمس تفتح باب التقديم أمام الطلاب الجدد للقبول بعشرات البرامج المميزة بمختلف كلياتها    قانون الإجراءات الجنائية الجديد    لينك تسجيل رغبات الدور الثاني لطلاب الثانوية العامة 2024 عبر موقع التنسيق الإلكتروني    سعر الريال السعودي بالبنوك في ختام اليوم 13 سبتمبر    أستاذ اقتصاد يكشف العائد من حزمة التسهيلات الضريبية الجديدة(فيديو)    أستاذ قانون: المحكمة الجنائية الدولية بصدد إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    «القاهرة الإخبارية»: ولاية فلوريدا محطة مهمة في السباق الرئاسي الأمريكي    بيان مدريد المشترك.. مطالبة بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة    بيان «مدريد» يطالب بإعادة السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية على معبر رفح وبقية الحدود    رضيع فلسطيني يواجه ثلاثية الموت.. سرطان ونزوح وجوع    عاجل.. طعن رئيس جزر القمر خلال حضور جنازة.. ماذا حدث له؟    محرز يقود تشكيل أهلي جدة في مواجهة النصر بالدوري السعودي    خبر في الجول – سيراميكا يتفق مع أحمد أشرف لاعب الأهلي السابق لضمه    جامعة المنوفية تحصد 4 ميداليات بالمهرجان الرياضى لجامعات الدلتا والقاهرة الكبرى    ضربه 9 طلقات.. أولى جلسات استئناف المتهم بقتل نجله في المقطم| غدا    حريق هائل يلتهم مخازن مبنى الإدارة التعليمية باسنا جنوب الأقصر    شبورة مائية ورياح.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس غدًا السبت    مصطفى أبو سريع يكشف كواليس ارتجاله في مسلسل عمر أفندي (فيديو)    أونروا: مقتل أحد موظفى الوكالة برصاص قناص إسرائيلى شمالى الضفة الغربية    كلاكيت تالت مرة.. دنيا سمير غانم تخوض الماراثون الرمضاني بتوقيع أحمد الجندي    خالد عبد الغفار: تقديم 69 مليون خدمة طبية في النسخة الثانية من «100 يوم صحة»    نائب محافظ سوهاج ووكيل الصحة يتفقدان المستشفى العام لبحث رفع مستوى الخدمات    انتشال ضحايا ومصابين.. القصة الكاملة لانهيار عقار شبرا مصر| صور    ميدفيست للسينما يقيم معرضا داخل الجامعة الأمريكية عن العلاقات الإنسانية    ناصف يتفقد أعمال تطوير قصر ثقافة البدرشين والطفل بجاردن سيتي    قناة مفتوحة تعلن إذاعة مباراة الأهلي وجورماهيا في دوري أبطال إفريقيا    حريق هائل يلتهم إدارة إسنا التعليمية بالأقصر.. فيديو وصور    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو احتجاز مواطن في أسيوط على يد ضابطين لإجباره على تطليق زوجته في أسيوط    تفاصيل التحقيقات في اتهام «عاطل» ومالك مقهى بسرقة فيلا مدرب حراس المنتخب الأوليمبي    رئيس "الوطنية للإعلام" يهنئ السيسي بمناسبة المولد النبوى الشريف    وكيل أوقاف الفيوم يفتتح مسجد الرحمة بقرية شرف الدين    سقط في الركعة الثانية.. وفاة رجل أثناء الصلاة داخل مسجد بالمنوفية    هل يشعر من مات مظلومًا بعودة حقه بعد وفاته؟.. أمين الفتوى يرد    40 ألف فلسطينى يؤدون صلاة الجمعة فى المسجد الأقصى    عمرو سلامة يوجه رسالة ل يسري نصرالله بعد مشاركته في "كاستنج"    محافظ دمياط يلتقي المواطنين في مسجد قباء    تصريحات مثيرة من جوارديولا حول ال115 تهمة ضد مانشستر سيتي.. ومواجهة برينتفورد    شاطئ عجيبة يشهد انطلاق أولى جولات أسبوع أطفال أهل مصر.. وبدء تدريبات الورش اليوم    شون شيما: الدوري المصري قوي وتنافسي..وسأبذل قصارى جهدي لمساعدة مودرن سبورت    جولات مستمرة لتقييم الخدمات بالمنشآت الصحية بأسيوط    غدا.. قطع الكهرباء عن 5 مناطق بسمالوط في المنيا    كل ما تريد معرفته عن المؤشر العالمي للأمن السيبراني بعد انضمام مصر    وكيل صحة شمال سيناء يحيل المتغيبين في وحدات الرعاية بالشيخ زويد إلى التحقيق    الجنايات تنظر محاكمة متهم بخلية بولاق بجلسة 23 سبتمبر    رئيس جامعة الجلالة ل«الخريجين»: المستقبل أمامكم استمروا في السعي    ورش مهرجان المسرح التجريبي رؤى جديدة ومبتكرة    «هل المحبة تكون بالقصائد الشركية والرقص؟» دار الإفتاء تحرم الاحتفال بالمولد النبوي في هذه الحالة؟    وفاة «الوحش يفيمشيك» أضخم لاعب كمال أجسام في العالم    أهداف شركة ابدأ الذراع التنفيذى للمبادرة الوطنية    أحاديث نبوية عن فضل يوم الجمعة.. تعادل صيام وقيام سنة كاملة    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد سيدنا الحسين    ضبط 3 متهمين بتزوير المحررات الرسمية بالقاهرة مقابل مبالغ مالية    «أونكتاد»: الناتج المحلي الإجمالي لغزة انخفض بنسبة 81% في الربع الأخير من عام 2023    للعام الرابع.. تعليم البحيرة يتصدر المركز الأول لضمان الجودة والاعتماد    القبض على صاحب كيان تعليمي بدون ترخيص لاتهامه بالنصب بمدينة نصر    جوزيه جوميز يكشف.. نصحية فيريرا له.. وسر إغلاق تدريبات الزمالك    بعد تحذير صندوق النقد، الذهب يحوم قرب أعلى مستوى على الإطلاق ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    كان قلبه حاسس.. تعرف على وصية إيهاب جلال قبل وفاته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة : زمن المماليك .. ثراء ورخاء وفقر ووباء
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 05 - 2010

من الدول المثيرة للتفكير فى أمرها، دولة المماليك فى مصر، تلك الدولة المليئة بالتناقضات، فهى عصر بناء وتشييد، لكنها فى ذات الوقت عصر استبداد واستغلال، تقلبت فيها الأحوال بين انتصارات باهرة وهزائم ماحقة، بين ثراء ورخاء وفقر ووباء.
دولة حكم فيها عبيد أرقاء رعية يفترض أنها من الأحرار، فما حكاية هذه الدولة؟ وكيف نشأت؟ ولماذا انهارت؟
ينقسم تاريخ دولة المماليك إلى حقبتين أساسيتين، عصر دولة المماليك البحرية أو الأتراك، وعصر دولة المماليك البرجية أو الجراكسة؟
نشأت دولة المماليك البحرية من قلب الدولة الأيوبية، حيث ظهر المماليك كمجموعات من الرقيق المقاتل المجلوب من خارج البلاد استجابة لتحدى الخطر الصليبى فى المشرق، وامتدادا للنهج الذى سار عليه الخلفاء العباسيون منذ العصر العباسى الثانى، ثم ترسخ وجود هذه المجموعات المقاتلة مع الغزو المغولى للمشرق الإسلامى، فتحول المماليك إلى سادة للمجتمع، وورثوا دولة أساتذتهم الأيوبيين بنظمها ورسومها.
لقد ظهرت دولتهم إلى الوجود على أنقاض الدولة الأيوبية عقب معركة المنصورة التى انتصر فيها مماليك الصالح نجم الدين أيوب على لويس التاسع، وكان هذا الانتصار هو شهادة الميلاد للدولة الجديدة التى حملت أعباء القضاء على الوجود الصليبى فى المشرق العربى وعبء مواجهة الخطر الجديد خطر الهجمة المغولية التى انطلقت من السهوب الآسيوية لتجتاح العالم القديم كله.
وكانت الملامح الإقطاعية قد اتضحت فى المجتمع الشرقى الإسلامى كله فى مواجهة الأخطار الخارجية الداهمة التى أحاطت بالعالم الإسلامى. ومع سيطرة المماليك منذ النشأة الأولى لهم كان لدولتهم طبيعة عسكرية وإقطاعية، فارتبط نفوذهم الاجتماعى والاقتصادى والسياسى بالدور العسكرى الذى كانوا يقومون به.
لقد شيد المماليك دولة إقطاعية عسكرية نجحت فى أداء مهمة تاريخية محددة، ألا وهى التصدى للأخطار الخارجية، والتى كانت المبرر التاريخى لنشأة دولتهم. ومن العجيب أن تلك الدولة الإقطاعية التى تسودها طبقة من الأرقاء المقاتلين نجحت فى تصدر المجتمع كله، وقيادته سياسيا واجتماعيا، والسيطرة على ثروته الاقتصادية.
واحتكر المماليك القتال والأعمال العسكرية، ولم يسمحوا للمصريين بالانخراط فى صفوف الجيش حتى صار الجيش المملوكى لا يضم أحدا من خارج طبقة المماليك سوى بعض أبنائهم «أولاد الناس» وقليلا من الأعراب، وكان حمل السلاح وركوب الخيل محرمين على غير المماليك، ولم يستثن من ذلك سوى الأعراب.
كان الاقتصاد المصرى فى ذلك العصر يقوم على دعامتين أساسيتين:
الدعامة الأولى: الزراعة التى ظلت تشكل العنصر الأساسى فى الاقتصاد المصرى طوال آلاف السنيين منذ سيطر الإنسان المصرى الأول على نهر النيل وحول المستنقعات إلى أراض زراعية، كانت الزراعة العمل الأساسى لأغلبية السكان، وكان القمح المحصول الرئيسى الذى تنتجه مصر، ويشكل عائد الزراعة والضرائب المفروضة عليها المصدر الأكبر لموارد الدولة، كما تشكل الأراضى الزراعية التى تمنح كإقطاعات لأمراء المماليك مصدر دخلهم ونفوذهم فى نفس الوقت.
الدعامة الثانية: تجارة المرور التى كانت تعبر الأراضى المصرية، فقد أدت الحروب التى قامت فى وسط آسيا إلى تحول التجارة بين أوروبا والشرق الأقصى من الطرق البرية إلى الطرق البحرية، فتأتى التوابل والبهارات وبضائع الشرق عبر المحيط الهندى وبحر العرب إلى موانئ مصر على البحر الأحمر ثم تنقل بالطريقين البرى والنهرى إلى الموانئ الشمالية على البحر المتوسط (الإسكندرية ودمياط)، ومن هناك ينقلها التجار الأوروبيون خاصة البنادقة بسفنهم إلى موانئ أوروبا الجنوبية، وكانت سلطنة المماليك تحصل على جزء من مواردها من الرسوم التى تفرضها على تلك التجارة.
أما على الصعيد الاجتماعى فقد عرف المجتمع تفاوتا طبقيا واسعا ما بين قمته وقاعدته، كما عرف تميزات على أساس العرق والدين إلى جانب التمايزات الاقتصادية.
كان المماليك يشكلون قمة الهرم الاجتماعى وعلى رأسهم السلطان، وداخل طبقة المماليك كان هناك تفاوت كبير بين كبار الأمراء الذين يحملون رتبة «أمير مائة مقدم ألف» ويبلغ عددهم عادة 24 أميرا، وصغار المماليك الذين يشكلون قاعدة هذه الطبقة الاجتماعية الغريبة فى تكوينها، وبين الفئتين نجد أمراء الأربعين وأمراء العشرات، وكانت العلاقات التى تحكم المجتمع المملوكى علاقتى الأستاذية والخشداشية، الأولى علاقة ولاء تربط بين الأمير المملوكى ومماليكه الذين اشتراهم ورباهم فى طباق مخصصة لسكناهم بقصره، وكان المماليك يجلبون أطفالا صغارا من وسط آسيا ومناطق القوقاز غالبا، ويباعون فى أسواقا خاصة للرقيق، ويشتريهم الأمراء ويربونهم تربية عسكرية ودينيه ليعدونهم ليكونوا مقاتلين مسلمين عند تخرجهم من الطباق المملوكية، وبعد تخرج الأمير وتحوله إلى مقاتل،
بل حتى بعد تدرجه فى سلك الإمارة تظل تربطه بسيده الأول أو أستاذه حسب مصطلح ذلك العصر علاقة ولاء تسمى علاقة الأستاذية، أما الخشداشية فكانت العلاقة التى تربط المملوك بزملائه الذين تربوا معه فى نفس الطبقة فى قصر سيدهم، وكلمة خشداشية من اللفظ الفارسى خشداش وتعنى «أخ أو زميل». وكانت روابط الأستاذية والخشداشية فى المجتمع المملوكى أقوى من روابط الدم.
أما أبناء المماليك فكان يطلق عليهم مصطلح «أولاد الناس»، وربما نستطيع أن نعتبرهم يشكلون الفئة التالية للمماليك فى السلم الاجتماعى رغم أنهم لا ينتمون لطبقة المماليك بحال من الأحوال، وكان مصدر دخلهم الأساسى ما يحصلون عليه من «رِزَق» من الدولة، والرزق هو أراض كانت الدولة تمنح حق استغلالها والاستفادة من ريعها لبعض الأفراد، كما اتجه عدد من أولاد الناس إلى العمل فى التجارة أو للدراسة الدينية والعمل فى التدريس أو الفتوى أو القضاء، كما اشتهر عدد من أولاد الناس بالكتابة التاريخية، وكان أولاد الناس حلقة الوصل بين المماليك والمجتمع المصرى، فقد كانوا يتزوجون عادة من مصريات.
يلى المماليك وأولادهم كبار التجار وكان لبعضهم ثروات ضخمة، لكنهم كانوا معرضين فى أى وقت لصدور قرارات من الدولة بمصادرة ثرواتهم وأملاكهم بدعاوى مختلفة، وفى نفس المستوى الاجتماعى يمكن أن نصنف كبار رجال الدولة من الموظفين من أرباب الأقلام، وأرباب الأقلام مصطلح يشير إلى الموظفين المدنيين فى الدولة، وكانوا عادة ذوى خلفية دراسية دينية إذا كانوا مسلمين، وكان عدد منهم مصريين مسيحيين أو يهود، وإن كان عصر المماليك قد شهد تراجعا كبيرا فى أعداد كبار الموظفين الأقباط الذين ظلوا على دينهم، وإلى نفس المستوى الاجتماعى أيضا ينتسب كبار القضاة والعلماء ورجال الدين.
ثم تأتى بعد ذلك الفئات الوسطى من التجار والموظفين والعلماء، وإلى جانبهم الصناع والحرفيين، والمتعاملين مع سلطة الدولة من أهل الريف.
وفى أسفل السلم الاجتماعى يأتى الفلاحون الذين يزرعون أرضهم ويقدمون الإسهام الأكبر فى انتاج المجتمع بينما يحصلون على أقل نصيب من الثروة.
هناك فئة اجتماعية مهمة فى ذلك العصر هى العرب أو العربان كما تطلق عليهم بعض المصادر، وكانوا يعيشون على أطراف الدلتا والوادى، وهم من سلالة الفاتحين العرب وبعض القبائل العربية الأخرى التى جاءت فى هجرات متوالية إلى مصر، وكانوا يعتقدون أنهم أحق بحكم مصر من المماليك، وكان هؤلاء العرب يعيشون على مساعدة الدولة فى الجباية وفى قمع انتفاضات الفلاحين أحيانا، وعلى نهب القرى وقطع الطريق أحيانا أخرى، كما شكلوا قسما من احتياطى الجيش المملوكى أثناء الحروب الكبرى.
أما سياسيا فكان السلطان رأس الدولة، وقد حاول كثير من سلاطين المماليك خاصة فى عصر دولتهم الأولى إقرار نظام لوراثة العرش، لكن معظم محاولاتهم بأت بالفشل وانتهت إلى انقلاب الأمراء على وريث العرش والإطاحة به، وربما كانت أسرة قلاوون التى تنتسب إلى السلطان المنصور سيف الدين قلاوون أحد أهم سلاطين مصر فى ذلك العصر الاستثناء الوحيد، ورغم تولى عدد من أبناء قلاوون وأحفاده عرش مصر فقد تعرض كثيرون منهم للعزل وانتهى عصرهم بزوال دولة المماليك البحرية وقيام دولة المماليك الجراكسة محلها.
وكان الدور الأكبر للإدارة السياسية للدولة فى يد كبار الأمراء من العسكريين، مع مساهمة من بعض كبار الموظفيين من المدنيين وكبار الفقهاء، لكن الكلمة الحاسمة عادة كانت بيد السلطان وكبار الأمراء.
وكانت الشرعية السياسية والدينية للدولة مستمدة من الخلافة العباسية التى قام السلطان الظاهر بيبرس بإحيائها فى القاهرة بعد سقوطها فى بغداد على يد المغول، فقد جلب بيبرس أحد أفراد البيت العباسى ونصبه خليفة بالقاهرة فى محاولة لإضفاء الشرعية على دولة المماليك، وكان الخليفة العباسى بالقاهرة منزوع السلطات دوره الوحيد أن يصدر مرسوما بتقليد السلطان وتفويضه بسلطات الخليفة أو الإمام.
أما على الصعيد الإقليمى، فقد قامت السياسة الخارجية للماليك على نسج تحالفات مع عدد من الدول الإسلامية واستندت تلك التحالفات إلى موازين القوة فى المنطقة، كما أقامت تحالفات أخرى مع بعض الدول الأوروبية خاصة المدن التجارية الإيطالية، مستندة إلى المصالح التجارية المشتركة للطرفين. فعندما قامت دولة المماليك البحرية أصبحت خلال سنوات القوة الأولى فى منطقة المشرق العربى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.