خبير عسكري: مصر تمتلك أوراق ضغط دولية لم تستخدمها بشأن سد النهضة    وزير البترول: الغاز الإسرائيلي أرخص من "سفن التغييز" والصفقة تجارية بحتة    المؤتمرات الدولية.. ركيزة الحوار البناء والشراكات الاقتصادية بين الدول    محمد صبحي: غزة اختبار سقطت فيه كل الشعارات والمواثيق.. والقوى الدولية تلعب دور محامي العدو    محمد صبحي: المقاومة الفلسطينية لن تموت.. والمعركة على الوجود الفلسطيني كاملا    إعلام الاحتلال: الجيش ينهي عملية نزع السلاح من غزة داخل الخط الأصفر    وزير خارجية روسيا: ناقشنا مع الشركاء إصلاح مجلس الأمن وتعزيز ميثاق الأمم المتحدة    حماس تؤكد التزامها باتفاق غزة وتبحث مع الاستخبارات التركية ترتيبات المرحلة الثانية    مجلس القضاء الأعلى العراقي: لا يمكن تأجيل أو تمديد جلسة انتخاب الرئاسات الثلاث    آرسنال ينتزع فوزًا صعبًا من إيفرتون بهدف ويستعيد صدارة الدوري الإنجليزي    خبر في الجول - بسبب نتائج مصر في كأس العرب.. اتحاد الكرة يقرر رحيل اللجنة الفنية    بركلة جزاء قاتلة.. أرسنال يهزم إيفرتون ويعود لاعتلاء صدارة البريميرليج    مبابي يعادل رقم رونالدو التاريخي ويحتفل على طريقته    الثالث تواليا.. يوفنتوس ينتصر على روما ويقترب من المربع الذهبي    مجاهد: تقسيم القارة ل 4 مناطق لدوري الأمم الإفريقية.. وسبب إلغاء بطولة المحليين    الدفاع المدني يرفع ركام شقة منهارة وإصابة طالب في العجوزة    وزارة الداخلية تنفذ أكثر من 60 ألف حكم قضائي في حملات أمنية مكثفة    محمد صبحي عن فيلم «الست»: أم كلثوم ليست ملاكا لكنها رمز.. اهتموا بالفن ولا تنبشوا في السلوكيات الشخصية    أخبار مصر اليوم: أسعار السلع المخفضة بأسواق اليوم الواحد، تدعيم أسطول النقل بالشركات التابعة للقابضة ب529 أتوبيسا.. غدا الأحد غرة شهر رجب، الأرصاد تحذر من انخفاض درجات الحرارة فى الصباح الباكر    الصيام تطوعا في رجب وشعبان دون غيرهما.. الإفتاء توضح التفاصيل    9 عادات يومية تعيق بناء العضلات    برنامج «دولة التلاوة» يكرم الشيخ المقرئ أحمد نعينع    إيمي سمير غانم تمازح الجمهور: «لو حسن الرداد اتجوز عليّا ده حقه»    تامر حسنى يقدم ميدلى من أغانى العندليب الأسمر فى حفل عابدين    وزير البترول: فاتورة استيراد المواد البترولية ترتفع في الصيف ل 2 مليار دولار    مقتل 5 متهمين بترويج المخدرات بعد ساعتين من تبادل إطلاق النار مع الأمن في أسوان    مجدي مرشد نائب رئيس حزب المؤتمر ل"صوت الأمة": التدخل الرئاسي أنقذ الانتخابات.. ولا يوجد أي غبار على مجلس النواب الجديد    أسماء ضحايا ومصابي حادث تصادم تريلا وموتوسكلين بقنا    إعلام عبرى: إسرائيل تدرس إقامة سجن أمنى جديد محاط بالتماسيح بطلب من بن غفير    المصل واللقاح: انتشار الفيروسات التنفسية طبيعي في الخريف والشتاء.. و65% من الإصابات إنفلونزا    وزير خارجية بوتسوانا: المنتدى الروسي - الأفريقي منصة مهمة لتحديد أولويات التعاون    6 أعراض مبكرة للإصابة ب الذئبة الحمراء    محمد صبحي يكشف كواليس لقائه بأم كلثوم: «غنّت لي وحدي وأهدتني 50 جنيهًا»    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    زعم أن أخاه يسيء معاملته.. تفاصيل واقعة إشعال شقيق ناصر البرنس النيران في نفسه بالشيخ زايد    أمين مجمع البحوث الإسلامية يحاضر علماء ماليزيا حول ضوابط الإيمان والكفر    سوريا.. إحباط تهريب مسيّرات ومتفجرات إلى قسد والسويداء وداعش    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    مباراة الزمالك وحرس الحدود اليوم والقنوات الناقلة في كأس عاصمة مصر 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة .. ملك الصرب يحج إلى بيت المقدس بإذن من سلطان مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 10 - 2009

نتوقف اليوم فى عصر المماليك البحرية الذى امتد فى التاريخ المصرى من سنة 1250 إلى سنة 1382، وشهدت خلاله البلاد بعضا من أزهى أيامها، كما شهدت كذلك بعضا من أتعس لياليها.
لقد تولى المماليك حكم مصر والشام فى أعقاب انهيار دولة أساتذتهم الأيوبيين الذين خاضوا المرحلة الوسطى من مراحل الحروب الصليبية، وأصل مماليك مصر عبيد أتراك أو جراكسة، جاء بهم النخاسون وهم صبية صغار من مواطنهم الأصلية فى آسيا الوسطى أو القوقاز،
وباعوهم للأيوبيين ليكونوا منهم فرقا عسكرية تدعم الجيش الأيوبى أو حرسا خاصا للسلاطين، وقد توسع السلطان الصالح نجم الدين أيوب فى جلب المماليك الذين كانت تتم تربيتهم فى معسكرات خاصة فى قلعة الروضة أو فى قلعة الجبل، وإلى أماكن تربيتهم تنسب دولتاهم البحرية والبرجية كما تنسب أيضا إلى جنسهم الأتراك والجراكسة.
وقد بدأت دولة المماليك فعليا بتولى شجرة الدر التى كانت جارية ثم أم ولد للصالح نجم الدين أيوب، ونجحت فى إدارة معركة المنصورة بعد وفاته دون إعلان خبر الوفاة، ويرجع الفضل الأكبر فى انتصار المنصورة إلى حكمة شجرة الدر وبسالة المماليك وقدراتهم العسكرية إلى جانب مشاركة الأهالى فى المعركة.
وقد تخلص المماليك من توران الشاه الوريث الشرعى للعرش ولكن لم تقم لدولتهم قائمة حقيقية إلا بعد انتصارهم على المغول فى عين جالوت، لقد تولى المماليك حكم مصر والشام وأسسوا دولتهم فى فترة عصيبة وصعبة؛ فالوجود الصليبى لا يزال قائما فى الشام، والحملات ما زالت تتوالى من أوروبا ويمتد تهديدها إلى مصر،
ومن أقصى الشرق ظهر خطر جديد يجتاح أمامه الدول والبلدان، وهو خطر قبائل المغول التى نجح جانكيز خان فى توحيدها والانطلاق بها للتوسع فى كل الاتجاهات، وفى عصر خلفائه استطاع المغول أن يطرقوا بقوة أبواب المنطقة العربية، فسقطت بغداد تحت أقدامهم واستمروا فى تقدمهم غربا صوب الشام ثم مصر،
وهنا نشأت دولة المماليك، لقد قامت منذ البداية كدولة عسكرية، وكانت استجابة عاجلة لتحديات خطيرة تواجه مصر والمنطقة العربية. وقد نجح المماليك بالفعل فى التصدى للمهمة التاريخية التى ألقيت على عاتقهم؛ فبعد انتصارهم على لويس التاسع فى المنصورة،
هزموا المغول هزيمة ساحقة فى عين جالوت. لقد تمكن المماليك من إبعاد الخطر المغولى الداهم عن مصر والشام لعشرات السنين، وحققوا أول انتصار كبير على المغول منذ انطلاقهم من صحارى آسيا لاجتياح العالم. وبعد انتصار عين جالوت تفرغ المماليك للقضاء النهائى على الوجود الصليبى فى الشام، ونجح سلاطينهم الأوائل بيبرس وقلاوون وأبنائه من بعده فى استئصال الممالك الصليبية نهائيا من الشام، وأعادوا توحيد مصر وسوريا تحت سيطرتهم.
ورغم السمات العسكرية الواضحة لدولة المماليك منذ اللحظة الأولى لنشأتها، فإن عصر المماليك لم يكن عصر حروب فقط، لقد أصبحت القاهرة فى ظل حكمهم مركزا من المراكز الحضارية الكبرى فى العالم، وشيدت فى عصرهم مئات المنشآت الدينية والمدنية فى القاهرة وغيرها من مدن مصر والشام؛
فالغالبية العظمى من المساجد والمدارس والوكالات والبيمارستانات التى لا تزال مبانيها قائمة إلى الآن ترجع إلى عصرهم، وتشهد على عظمة إبداع الفنان والصانع والبناء فى مصر وسوريا.
كذلك فإن العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين مصر وبلدان العالم المختلفة شرقا وغربا قد انتعشت وتطورت فى عصر دولتى المماليك البحرية والبرجية، وتحفل المصادر التاريخية التى ترجع إلى ذلك العصر بتسجيل زيارات سفراء الدول الأجنبية وقناصلها ومبعوثيها لبلاط السلطان المملوكى فى القاهرة، فلم تمنع الحروب الطاحنة التى شهدها عصر المماليك هؤلاء الحكام من إقامة العلاقات السياسية حتى مع أعدائهم.
ومن الدلائل الواضحة على الرقى الحضارى الذى وصلت إليه مصر فى ذلك العصر، الفصل الكامل بين الصراعات العسكرية القائمة، وبين حقوق أهل الديانات المختلفة فى ممارسة شعائرهم الدينية، حتى ولو كانوا من أعداء البلاد.
فلم تمنع الحروب الصليبية سلاطين دولة المماليك من منح الأمان لملوك بعض الدول الأوروبية وحكامها حتى يتمكنوا من الحج إلى بيت المقدس، لقد كانت القدس وكل فلسطين خاضعة للحكم المصرى بعد نجاح سلاطين المماليك من أسرة قلاوون فى تصفية آخر الجيوب الصليبية الأوروبية هناك، وقد احترم هؤلاء السلاطين حق المسيحيين الأوروبيين الذين كانوا أعداء الأمس فى الحج إلى بيت المقدس، وتصور بعض المخطوطات الأوروبية التى ترجع إلى ذلك العصر برسوم ملونة قوافل الحج الأوروبية إلى القدس، كما تحفل المصادر العربية بمعلومات عن هذه القوافل.
وفى عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون الذى حكم البلاد بين سنة 1293 وسنة 1341، أراد ملك الصرب استيفانوس فراكس أن يحج إلى بيت المقدس مع زوجته، فتقدم بطلب إلى السلطان المملوكى، وكان رد السلطان الناصر محمد بن قلاوون على طلب الملك الصربى عهد أمان له ولزوجته ومرافقيه حتى يتمكنوا من زيارة بيت المقدس وأداء فرائضهم الدينية والعودة سالمين، وقد جاء فى نص عهد الأمان:
«بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله الذى أمن بمهابتنا المناهج والمسالك، ومكن لكلمتنا المطاعة فى الأقطار والآفاق والممالك، وأعان على لساننا بدعوة الحق التى تنفى كل كرب حالك، فإن كرمنا يرعى الوفود، وشيمنا تدعى فتجود، وذممنا بها لحظ الحقوق وحفظ العهود، فخدمنا تنجح كل مقصود، وبنعمنا تمنح الأمانى والمنى، وهما أعظم نعمتين فى الوجود، فليس آمل عن أبواب سماحنا بمردود، ولا متوسل إلينا بضراعة إلا ويرجع بالمرام ويعود، ولما كان حضرة الملك الجليل المكرم المبجل العزيز الموقر استيفانوس فراكس، كبير طائفة النصرانية، جمال الأمة الصليبية، عماد بنى المعمودية، صديق الملوك والسلاطين، صاحب الصرب، أطال الله بقاءه، قد شمله إقبالنا المعهود، ووصله فضلنا الذى يحجز عن ميامنه السوء، وينجز الوعد، اقتضى حسن الرأى الشريف أن ينشر سبيله ونوفر له من الإكرام جسيمه، كما وفرنا لغيره من الملوك مثوله، وأن يمكن من الحضور هو وزوجته ومن معهما من أتباعهما إلى زيارة القدس الشريف، وإزالة الإعراض عنهم وإكرامهم ورعايتهم، واستصحاب العناية بهم، إلى أن يعود إلى بلادهم آمنين على أنفسهم وأموالهم...»
لكن ما دلالة عهد الأمان هذا؟
إن العهد الذى منحه السلطان الناصر محمد بن قلاوون لملك الصرب يعكس مدى التطور الحضارى والرقى الذى وصلت إليه دولة المماليك فى تلك الفترة، ففى الوقت الذى كانت حالة الحرب قائمة فيه بين المماليك والممالك الأوروبية الصليبية، احترم المماليك حق رعايا تلك الدول فى أداء فرائضهم الدينية فى المناطق التى كانت تسيطر عليها مصر، وأعطى سلطان مصر عهد أمان لملك الصرب كى يحج هو ومرافقوه ووفر له الحماية، وهو ما يسعى القانون الدولى الإنسانى لتأكيده اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.