احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد مزاولة نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية    مصر تقرر حظر استيراد السكر لمدة 3 أشهر    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    حماس تدعو لتصعيد المقاومة والثأر لشهيدي الخليل    فاو: 75 مليون دولار مطلوبة لإنقاذ غزة من المجاعة.. والسودان يواجه أزمة من صنع الإنسان    الغزاوي يجتمع مع فريق رجال اليد قبل نهائي السوبر المصري بالإمارات    لخلافة صلاح.. جنابري يقترب من ليفربول    وزير السياحة والآثار يتفقد المتحف المصري الكبير لمتابعة حركة الزائرين    أسعار الذهب اليوم.. تعرف على قيمة أعيرة 24 و22 و21    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    البحوث الإسلاميَّة: الأزهر يُولِي أبناءه من مختلِف الدول اهتمامًا خاصًّا ورعايةً كاملة    إعلام فلسطيني: وفاة رئيس الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ عبد العظيم سلهب    الصحفيين الفلسطينيين: الاحتلال يمنع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب    عبد العاطي يستعرض مع لجنة العلاقات الخارجية ب«الشيوخ» محددات السياسة المصرية    النائب العام يستقبل رئيس وكالة اليوروجست ووفدًا من ممثلي الاتحاد الأوروبي    مستقبل وطن: العامل المصري يمتلك وعيًا سياسيًا قويًا.. واستخدم حقه الدستوري لاختيار ممثليه    الأهلي بطلا لدوري مرتبط سيدات السلة    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    تحذير عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس واستمرار سقوط الأمطار غدًا    ضبط 3 متهمين فى واقعة إصابة طبيب خلال قافلة طبية بقنا    أمن الإسماعيلية يفحص فيديو طفلة الإشارة    الداعية مصطفى حسني يحث طلاب جامعة عين شمس على المحافظة على الصلاة    بعد استفاقته من الغيبوبة.. محمد صبحي يوجه رسالة ل نقابة المهن التمثيلية من داخل المستشفى (تفاصيل)    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    أغرب عادات الأبراج اليومية.. روتين كل برج    تصريح صادم من المطرب مسلم عن خلافاته مع شقيقته    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تستعرض جهود مصر في تعزيز الأمن الصحي العالمي    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    عبد الغفار: نمتلك 5400 وحدة صحية تعكس صمود الدولة وقدرتها على توسيع التغطية الصحية الشاملة    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسميم السياسي للمصريين والعرب
نشر في المصريون يوم 07 - 12 - 2009

في علم الإتصال السياسي هناك ظاهرة مهمة هي "التسميم السياسي (intoxication)" كتب عنها العالم الراحل حامد ربيع وغيره من علماء السياسة العرب. وهي تشير إلى محاولة زرع أفكار معينة أو قيم دخيلة من خلال الكذب والخديعة ثم العمل على تضخيم هذه القيم تدريجيا لتصبح قيم عليا في المجتمع المستهدف. وعملية التسميم السياسي، بهذا المعنى، مرحلة من مراحل المعركة مع الخصم أو مقدمة لمعركة قادمة، وهي تستهدف تبديل القيم أو التحلل من قيم معينة بشكل تدريجي وغير مباشر. والأخطر من كل هذا أن التسميم لا يمارسه العدو مباشرة وإنما يتم استعمال نخب فكرية وثقافية وفئات مختارة لتُنقل لها – في مرحلة أولى - الأفكار الدخيلة، ثم تُترك هذه النخب والفئات – في مرحلة ثانية - لتنقل تلك الأفكارإلى الجماهير من خلال أدوات الدعاية والإعلام المختلفة. أنا أعتقد جازمًا أن آلة الدعاية الصهيونية نجحت في زرع الكثير من الأفكار الدخيلة ثم تَرَكَت لضعاف النفوس وأنصاف المتعلمين رعايتها حتى صارت هذه الأفكار مصدرًا للكثير من الفتن والانقسامات بين العرب..
ومن هذه الأفكار الدخيلة: القول بأن الفلسطينيبن باعوا أراضيهم، أو أن العرب يضيعون فرص السلام مع الإسرائيليين، أو أن السلام سيضمن التفرغ للتنمية، أو أن العرب والمسلمين أمة ميتة فاسدة، أو أن العروبة ماتت، وغير ذلك. اليوم سأقف عند مقولة ترددت في الآونة الأخيرة في أعقاب الأحداث المؤسفة التي تلت مباراة قدم القدم بين مصر والجزائر، وهي "أن العرب يكرهون المصريين"..
ترتبط المقولة، في اعتقادي، بدور مصر ومكانة مصر بين العرب. فلم نسمع عن أي كراهية لا لمصر ولا للمصريين قبل 1952 ولا في عهد الرئيس جمال عبدالناصر. بل على العكس تمامًا، فعندما كانت مصر منارة الفكر ومهد المؤسسات العلمية وقبلة الفنون والآداب وقلعة الأهداف العربية والكرامة العربية ومصدر الدعم لكل الحركات التحررية، كان العرب من المحيط إلى الخليج يقصدونها للتعلم والعمل والسياحة والإقامة.. كانت مصر النموذج الذي يتطلع الجميع أن يحذو حذوها.
وعندما تغيرت مصر وأدارت وجهها عن قضية العرب المركزية، كان من الطبيعي أن تتغير مشاعر العرب – كما مشاعر معظم المصريين – من نظام الحكم في مصر ومن كل من يدعمه من المصريين.. مصر اليوم فقدت كل عوامل الجذب السابقة، فهي لا تُصدر الفكر ولا الثقافة ولا الأدب ولا العلم ولا الشعور بالعزة أو الكرامة.. مصر اليوم غارقة في بحر من المشكلات، ونظامها السياسي تجمد وجمّد شعبها.. وهوغير مؤثر لا في المنطقة العربية ولا في خارجها.. وحال مصر النظام لا يختلف كثيرا عن حال معظم الأنظمة العربية.. ولهذا ينظر كثير من المصريين والعرب إلى شافيز في فينزويلا وأردوغان وصحبه في تركيا كنماذج تحافظ على كرامة شعوبهم وسمعة دولهم في العالم..
بدأت فكرة أن "العرب يكرهون مصر" مع زيارة الرئيس السابق أنور السادات إلى الكيان الصهيوني وتوقيعه اتفاقيات كامب ديفيد. أي أن الكراهية نتيجة مباشرة لنوعية السياسات المصرية التي بدأها السادات واستمرت حتى اليوم. فكيف يمكن تصور أن تحظى السياسة الخارجية المصرية بدعم العرب وهي التي انفردت في ابرام صلح مع الكيان الصهيوني حيّد الكثير من الأدوار التي كانت مصر تقوم بها وقيد يدها في كثير من المجالات.. كان من الممكن أن يُوقّع النظام الصلح الذي يريد لكن دون التخلي عن الدور التاريخي والطبيعي لمصر في المنطقة.. فالصلح الحقيقي لا يعني أن تقف مصر عاجزة عن احتلال لبنان بالكامل في الثمانينيات، ولا أن تتحول مصر إلى مجرد وسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال مرحلة أوسلو وما بعدها، ولا يعني الصلح صمت مصر حيال حصار العراق في التسعينيات ثم احتلاله، ولا يعني ترك السودان لمشكلاته كما نرى اليوم.. هذه حقيقة التي لا يجب أن نتجاهلها.
ومن هنا فالكراهية الموجودة الآن هي في حقيقتها كراهية للنظام وممارساته وليس للشعب.. وهذا لا ينفي أن كراهية هؤلاء للنظام امتدت وأثّرت في الشعوب.. فالبعض ينتقد المصريين ويحملونهم مسؤولية السكوت على ما فعله السادات.. كما أن نجاح الحكومة – وبعض المثقفين - في اقناع بعض المصريين بما أطلق عليه السلام مع "إسرائيل" أثّر بالسلب وخاصة بعد أن دُفع المصريين دفعًا إلى الإنكفاء على الذات وعدم الاهتمام لا بالسياسة ولا بالشأن العام. وقد فاقمت وسائل الإعلام التجارية وغير المهنية هذه الأمور وعملت على ترسيخ حالات الإنقسام والتشرذم العربي على المستوى الشعبي، وتسطيح عقول الناس وإلهائهم في قضايا تافهة وهامشية.. والشعب المصري في هذا لا يختلف عن معظم الشعوب العربية الأخرى، بل لا أبالغ إن قلت أن حالة بعض الشعوب العربية أسوأ من حالة المصريين..
في زماننا هذا يمكن التصدي لهذا الأمر من خلال الإعلام الهادف والمهني من صحف وفضائيات ودور نشر وإنترنت... غير أن هذا الإعلام الهادف يحتاج إلى حكومات وطنية مسؤولة أمام شعوبها تقف وراء هذا الإعلام وتدعمه. وفي ظل غيبة هذا النوع من الحكومات الآن، على أصحاب الثروات من الوطنيين الغيوريين على أوطانهم دعم هذا الإعلام الهادف وإنشاء قنوات وصحف مستقلة أو تمويل برامج محددة (أفلام ومسلسلات وبرامج وثائقية وتفاعلية ودعائية أو ملفات صحافية وغير ذلك) في الوسائل والأدوات الإعلامية القائمة. ويحتاج هذا الأمر، أيضًا، إلى نخب بديلة للطبقات فاسدة التي أنتجتها الحكومات وصارت ناقلا للأفكار الخبيثة التي تروج لكل الأفكار الضارة بدءًا من خدمة مصالح السلطة وبقائها وانتهاءً بترديد المقولات التي تُضعف رابطتي الإسلام والعروبة وكل القيم والمبادئ العليا للمصريين والعرب. المسؤولية التاريخية تحتم على كل من يُعمل عقله ويُعلي مصالح أمته أن يتقدم ودون انتظار لدعوة من هنا أو هناك للانضمام إلى هذه النخبة البديلة.
-----
قسم العلوم السياسية – جامعة الإسكندرية
www.abdelfattahmady.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.