العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    رسميًا.. فتح باب التقديم الإلكتروني للصف الأول الابتدائي الأزهري (رابط التقديم وQR Code)    «إيد واحدة».. قوافل التحالف الوطني ركيزة أساسية لتنمية المجتمع    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 18 يونيو بعد الانخفاض بالصاغة    الغرفة التجارية تعرض فرص الاستثمار ببورسعيد على الاتحاد الأوروبى و11 دولة    الإيجار القديم.. المستشار محمود فوزي : 250 جنيها إيجار موحد للجميع.. والفروق تُسدد بالتقسيط بعد التصنيف    النفط يقفز 4% عند إغلاق تعاملات الثلاثاء بدعم من مخاوف ضربة أمريكية لإيران    ضعف مياه الشرب ب 9 قرى بمركز المنشأة في سوهاج لهذا السبب (اعرف منطقتك)    سعر البطيخ والخوخ والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025    شيفروليه كورفيت تُحلق في الهواء بملعب ترافيس باسترانا الترابي    كجوك: الحصيلة الضريبية هذا العام شهدت نموًا بنسبة 35%    مصطفى الفقي: إيران تحارب باسم الفارسية لا الإسلام ونظامها عقائدي يصعب إسقاطه    التلفزيون الإيراني: هناك مفاجأة الليلة سيتذكرها العالم لقرون عديدة    التشكيل الرسمى لمواجهة أولسان ضد صن داونز فى كأس العالم للأندية    الأردن: نتعامل مع الأوضاع الإقليمية من منطلق الحفاظ على سيادتنا    إعلامي أمريكي: ترامب يرغب أن تستسلم إيران في صراعها مع إسرائيل    ماكرون: تغيير النظام في إيران عسكريا سيكون خطأ كبيرا    الحرس الثوري الإيراني: استهدفنا قواعد جوية إسرائيلية كانت تستخدم لمهاجمتنا    تشكيل مباراة صن داونز وأولسان في كأس العالم للأندية    ريفر بلايت يقتنص فوزا مستحقا على آوراوا ريد في كأس العالم للأندية    محمد ربيعة: سيف الجزيرى أصعب مهاجم واجهته.. والانضمام للمنتخب أجمل مفاجأة فى حياتى    وزير الرياضة يناقش مع اتحاد التبادل ترتيبات استضافة البطولة الدولية    كأس العالم للأندية 2025| الوداد يصطدم بقوة بمانشستر سيتي بقيادة مرموش    كأس العالم للأندية 2025| الهلال السعودي في مأزق هجومي أمام ريال مدريد    خالد الغندور يكشف مصير الجفالي مع الزمالك    تعليم الغربية: 30 يونيو آخر موعد للتقديم فى رياض الأطفال والصف الأول    أخبار 24 ساعة.. مجانا برقم الجلوس.. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية بالقاهرة    إصابة 7 أشخاص إثر اندلاع حريق منزل بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    جرح قطعي بالرأس.. إصابة طالب في مشاجرة ببني مزار بالمنيا    «الربيع يُخالف جميع التوقعات» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء    والد ضحية الاعتداء من نجل محمد رمضان يكشف تفاصيل التصالح    علي الحجار يؤجل طرح ألبومه الجديد.. اعرف السبب    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    11 عملية إزالة مياه بيضاء ناجحة داخل مستشفى رمد المنيا بعد التطوير    افتتاح مؤتمر معهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية للارتقاء بالبحث العلمي    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    أرنولد: التدريبات في ريال مدريد عالية الجودة    محافظ البحيرة ومدير الأمن يقدمان التهنئة للأنبا إيلاريون لتجليسه أسقفًا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    زعماء مجموعة السبع يحاولون إنقاذ قمتهم بعد مغادرة ترامب المبكرة    خالد أبو بكر: القانون الدولي سقط.. ولا شرعية للحرب الراهنة    أكاديمية الفنون تعرض أنشودة الفؤاد أول فيلم غنائي مصري في أمسية سينمائية خاصة    ثقافة بورسعيد تناقش أثر التغيرات المناخية وتُفعّل أنشطة متنوعة للأطفال احتفالًا بالبيئة والعام الهجري    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    القصة الكاملة لأزمة هند صبري بعد مطالبات ترحيلها من مصر    مصطفى كامل يطرح رابع أغاني ألبومه الجديد «دنيا وقلابة» (فيديو)    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    غدًا.. أحمد فتحي ضيف فضفضت أوي على WATCH IT مع معتز التوني    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    محافظ أسوان ومدير صندوق مكافحة الإدمان يشهدان مؤتمر «أسوان بلا إدمان»    نائب وزير الصحة: عدد سكان قنا بلغ 3.67 مليون نسمة    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    5 فواكه يساعد تناولها على تنظيف الأمعاء.. احرص عليها    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسميم السياسي للمصريين والعرب
نشر في المصريون يوم 07 - 12 - 2009

في علم الإتصال السياسي هناك ظاهرة مهمة هي "التسميم السياسي (intoxication)" كتب عنها العالم الراحل حامد ربيع وغيره من علماء السياسة العرب. وهي تشير إلى محاولة زرع أفكار معينة أو قيم دخيلة من خلال الكذب والخديعة ثم العمل على تضخيم هذه القيم تدريجيا لتصبح قيم عليا في المجتمع المستهدف. وعملية التسميم السياسي، بهذا المعنى، مرحلة من مراحل المعركة مع الخصم أو مقدمة لمعركة قادمة، وهي تستهدف تبديل القيم أو التحلل من قيم معينة بشكل تدريجي وغير مباشر. والأخطر من كل هذا أن التسميم لا يمارسه العدو مباشرة وإنما يتم استعمال نخب فكرية وثقافية وفئات مختارة لتُنقل لها – في مرحلة أولى - الأفكار الدخيلة، ثم تُترك هذه النخب والفئات – في مرحلة ثانية - لتنقل تلك الأفكارإلى الجماهير من خلال أدوات الدعاية والإعلام المختلفة. أنا أعتقد جازمًا أن آلة الدعاية الصهيونية نجحت في زرع الكثير من الأفكار الدخيلة ثم تَرَكَت لضعاف النفوس وأنصاف المتعلمين رعايتها حتى صارت هذه الأفكار مصدرًا للكثير من الفتن والانقسامات بين العرب..
ومن هذه الأفكار الدخيلة: القول بأن الفلسطينيبن باعوا أراضيهم، أو أن العرب يضيعون فرص السلام مع الإسرائيليين، أو أن السلام سيضمن التفرغ للتنمية، أو أن العرب والمسلمين أمة ميتة فاسدة، أو أن العروبة ماتت، وغير ذلك. اليوم سأقف عند مقولة ترددت في الآونة الأخيرة في أعقاب الأحداث المؤسفة التي تلت مباراة قدم القدم بين مصر والجزائر، وهي "أن العرب يكرهون المصريين"..
ترتبط المقولة، في اعتقادي، بدور مصر ومكانة مصر بين العرب. فلم نسمع عن أي كراهية لا لمصر ولا للمصريين قبل 1952 ولا في عهد الرئيس جمال عبدالناصر. بل على العكس تمامًا، فعندما كانت مصر منارة الفكر ومهد المؤسسات العلمية وقبلة الفنون والآداب وقلعة الأهداف العربية والكرامة العربية ومصدر الدعم لكل الحركات التحررية، كان العرب من المحيط إلى الخليج يقصدونها للتعلم والعمل والسياحة والإقامة.. كانت مصر النموذج الذي يتطلع الجميع أن يحذو حذوها.
وعندما تغيرت مصر وأدارت وجهها عن قضية العرب المركزية، كان من الطبيعي أن تتغير مشاعر العرب – كما مشاعر معظم المصريين – من نظام الحكم في مصر ومن كل من يدعمه من المصريين.. مصر اليوم فقدت كل عوامل الجذب السابقة، فهي لا تُصدر الفكر ولا الثقافة ولا الأدب ولا العلم ولا الشعور بالعزة أو الكرامة.. مصر اليوم غارقة في بحر من المشكلات، ونظامها السياسي تجمد وجمّد شعبها.. وهوغير مؤثر لا في المنطقة العربية ولا في خارجها.. وحال مصر النظام لا يختلف كثيرا عن حال معظم الأنظمة العربية.. ولهذا ينظر كثير من المصريين والعرب إلى شافيز في فينزويلا وأردوغان وصحبه في تركيا كنماذج تحافظ على كرامة شعوبهم وسمعة دولهم في العالم..
بدأت فكرة أن "العرب يكرهون مصر" مع زيارة الرئيس السابق أنور السادات إلى الكيان الصهيوني وتوقيعه اتفاقيات كامب ديفيد. أي أن الكراهية نتيجة مباشرة لنوعية السياسات المصرية التي بدأها السادات واستمرت حتى اليوم. فكيف يمكن تصور أن تحظى السياسة الخارجية المصرية بدعم العرب وهي التي انفردت في ابرام صلح مع الكيان الصهيوني حيّد الكثير من الأدوار التي كانت مصر تقوم بها وقيد يدها في كثير من المجالات.. كان من الممكن أن يُوقّع النظام الصلح الذي يريد لكن دون التخلي عن الدور التاريخي والطبيعي لمصر في المنطقة.. فالصلح الحقيقي لا يعني أن تقف مصر عاجزة عن احتلال لبنان بالكامل في الثمانينيات، ولا أن تتحول مصر إلى مجرد وسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال مرحلة أوسلو وما بعدها، ولا يعني الصلح صمت مصر حيال حصار العراق في التسعينيات ثم احتلاله، ولا يعني ترك السودان لمشكلاته كما نرى اليوم.. هذه حقيقة التي لا يجب أن نتجاهلها.
ومن هنا فالكراهية الموجودة الآن هي في حقيقتها كراهية للنظام وممارساته وليس للشعب.. وهذا لا ينفي أن كراهية هؤلاء للنظام امتدت وأثّرت في الشعوب.. فالبعض ينتقد المصريين ويحملونهم مسؤولية السكوت على ما فعله السادات.. كما أن نجاح الحكومة – وبعض المثقفين - في اقناع بعض المصريين بما أطلق عليه السلام مع "إسرائيل" أثّر بالسلب وخاصة بعد أن دُفع المصريين دفعًا إلى الإنكفاء على الذات وعدم الاهتمام لا بالسياسة ولا بالشأن العام. وقد فاقمت وسائل الإعلام التجارية وغير المهنية هذه الأمور وعملت على ترسيخ حالات الإنقسام والتشرذم العربي على المستوى الشعبي، وتسطيح عقول الناس وإلهائهم في قضايا تافهة وهامشية.. والشعب المصري في هذا لا يختلف عن معظم الشعوب العربية الأخرى، بل لا أبالغ إن قلت أن حالة بعض الشعوب العربية أسوأ من حالة المصريين..
في زماننا هذا يمكن التصدي لهذا الأمر من خلال الإعلام الهادف والمهني من صحف وفضائيات ودور نشر وإنترنت... غير أن هذا الإعلام الهادف يحتاج إلى حكومات وطنية مسؤولة أمام شعوبها تقف وراء هذا الإعلام وتدعمه. وفي ظل غيبة هذا النوع من الحكومات الآن، على أصحاب الثروات من الوطنيين الغيوريين على أوطانهم دعم هذا الإعلام الهادف وإنشاء قنوات وصحف مستقلة أو تمويل برامج محددة (أفلام ومسلسلات وبرامج وثائقية وتفاعلية ودعائية أو ملفات صحافية وغير ذلك) في الوسائل والأدوات الإعلامية القائمة. ويحتاج هذا الأمر، أيضًا، إلى نخب بديلة للطبقات فاسدة التي أنتجتها الحكومات وصارت ناقلا للأفكار الخبيثة التي تروج لكل الأفكار الضارة بدءًا من خدمة مصالح السلطة وبقائها وانتهاءً بترديد المقولات التي تُضعف رابطتي الإسلام والعروبة وكل القيم والمبادئ العليا للمصريين والعرب. المسؤولية التاريخية تحتم على كل من يُعمل عقله ويُعلي مصالح أمته أن يتقدم ودون انتظار لدعوة من هنا أو هناك للانضمام إلى هذه النخبة البديلة.
-----
قسم العلوم السياسية – جامعة الإسكندرية
www.abdelfattahmady.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.