استيقظت على مهاتفة لرئيس تحرير صحيفة (الوطن) الأستاذ جمال خاشقجي يطمئن فيها عليّ، ويطلب – في غمرة متابعته الصحافية وانشغاله بحادثة يوم المطر في جدة - من ابني أسامة أن يصوّر بكاميرته ما حصل في الأحياء الشرقية، لتعذر وصول مصوّري الصحيفة بسبب الشلل المروري شبه التام الذي أصاب المدينة عصر ذاك، ولم أدر بابني – الذي بادر سريعا باستجابة طلب عمه - الا أنه يلحّ ويطلب حضوري لمشاهدة منظر يخلب اللبّ – بتعبيره - للحيّ الملاصق تماما لحيّنا من جهة الشرق، فدفعني فضولي الصحفي للانخلاع عن عادة المكوث وملازمة البيت في اليوم المطير الوحيد لمدينة جدة. ورأيتني محوقلا مسترجعا، وأنا أصطف بجانب جمهرة من الناس تشاهد القارب اليتيم للدفاع المدني وهو يحاول انقاذ النساء من الطوابق العليا، وقد غرق الحي بأكمله وغطت المياه الأدوار السفلية بالكامل، فيما أرى السيارات صرعي متكدسة يلعب بها السيل في مشهد يخلب اللبّ فعلا ولكن حزنا وكمدا وقهرا، ووسط سخط المتجمهرين ودعواتهم المستهجنة، تذكرت مقالة زميلنا الذي رمى الدعاة بتهمة خروج منتخبنا من مونديال كأس العالم، فبتّ أتخيل مقالات بعض الزملاء – كتّاب الصحف السعودية - وقد رموا تهمة هذا الفساد والتقصير والاهمال على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونادوا بالويل والثبور للشيخ عبدالعزيز الحميّن وطالبوا باقالته، لأن سيارت الجمس الشهيرة التابعة للهيئة سدّت منافذ مجرى تصريف السيل!! وليس لمهندس البلدية الفاسد الذي أجاز اعتماد هذا المجرى أي ذنب. فيما سرح خيالي بعيدا أتأمل في مقال لزميل آخر وقد رمى هيئة كبار العلماء بأنها سبب هذه الكارثة، وطالب باقالة والدنا الحبيب الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ من منصبه لأنها هي من سدّت منافذ السيل بسبب فتاوها التي تعتمد قاعدة سدّ الذرائع !! وغير ناسٍ هيئة القضاء الشرعية، فهي التي اعتمدت المخطط – المقدم لها من مهندسي الأمانة الأمناء جدا غير المرتشين- الذي أقيم في مجرى سيل، غير آبهة البتة بأرواح ناس ستغرق يوما ما، ودعا زميلنا – وهو يشيح عمدا عن المسؤول الكبير - بالويل والثبور إن لم يُقل أو يَستقل شيخنا الوضيء صالح بن حميد، فهو من يمتلك شركة كبرى أرسيت عليها مناقصة المشروع بملايين الريالات، فقامت شركته بارسائها سرّا على شركة أصغر بنصف الثمن، والشركة الأصغر للشركة الأكثر صغرا بنصف الثمن، وهكذا دواليك في متتالية فساد قبيحة، انتهت أخيرا الى مجموعة عمّال بنغاليين ، جُمعوا من حي الجامعة وأكملوا هذا المشروع ببدائية شديدة.. المشروع ببدائية شديدة.. صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أما وقد ُأبت سالماً من المشاعر المقدسة، ومكّن لك الله تعالى ووفقك في تسيير أمور الحج على ما يرضاه كل مواطن غيور ومسلم محبّ، وكنت على قدر مسؤولية والدنا خادم الحرمين الشريفين، لأتوسم ومعي ملايين من سكان هذه المدينة أن تكرّس المرحلة المقبلة لمكافحة الفساد، وترفع في عام 1431 ه شعار "مكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين"، ومثلك – وقد ورثت عن الفيصل العظيم كثيرا من خصاله وفي مقدمتها الحزم - يستطيع بما أوتي من كاريزما وهيبة أن يتساوى أمامك الصغير والكبير، الأمير والخفير، كي تكفّ يدّ السارق والمفسد، وتحاسب المقصّر في عمله، فيكفي لهذه المدينة العجوز ما انتهب منها، وثمة أرواح عديدة بريئة – سنسأل عنها جميعا أمام الله - ذهبت بسبب الاهمال والفساد، أو وضع الرجل غير الكفء في مكان حسّاس ومهمّ. كلنا مؤمنون بالله تعالى وبقدره وابتلاءاته لعباده، غير أن ذلك لا يمنعنا أبدا في البحث عن مكامن الخلل والخطأ والذي جاء البلاء عبرها، فلا أفهم سمو الامير أن تقوم جامعة عالمية نفاخر بها العالم في مدة سنتين، وقد جُهزت بكامل معاملها ومختبراتها، ومبانيها الفاخرة، وجُلب لها كبار العقول في العالم، وشهدت افتتاحا عالميا يليق بها، ويتزامن في نفس هذه المدة الزمنية تبرع والدنا الملك عبدالله بملياري ريال لمشروع التصريف في جدة، ثم لا ينجز منه شيئا ذا بال، ليأتي مطر الأربعاء الفارط ويضعنا أمام حقيقة فاقعة تشي بأن فسادا وتقصيرا واهمالا ملء العين والسمع، وأن هناك مسؤولين لا يستحقون مناصبهم التي يتربعون عليها، وجملة أسباب كمنت خلف تلك الكارثة، ولا بدّ من أحد ما كي يدفع الثمن، ليعطينا الامل والثقة في مستقبل لمدينة هرمة استحلب خيراتها المفسدون. يا سمو الأمير إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقران، ويُجمع كل المهتمين بالشأن العام بأن من أظهر ما يميّز عهد والدنا خادم الحرمين أنه عصرٌ وقف فيه الملك عبدالله بنفسه ضد الفساد، وأنشأ لها هيئة، وترجم ذلك فعليا وهو يردّد بضرورة اسئصال هذا الداء، وأنت بالتأكيد - أبا بندر - قد ساءك ما حدث، وفي مدينة تتبع إمارتك، فليتك تجعل كارثة سيول جدة عنوانا لعهد جديد في جدة وبقية المدن، شعاره مكافحة الفساد، وتبدأ بمحاسبة كل المسؤولين - أيّا كانت مناصبهم – وليدفعوا ثمن الفساد، والتقصير، والاهمال، وعدم أهليتهم لمناصبهم التي شغروها، وتعلن أسماؤهم في الاعلام كي يرتدع الجميع، وتتم احالتهم للقضاء، فعقوبة رادعة لرأس كبير ستجعل الصغار يجفلون ويتوقفون. ان القيام بذلك ستجعل أفئدة كُلمت في أحبة قضوا غرقى تطمئن، وستستريح أرواحٌ منكسرة لم تستطع سوى الجأر بالدعاء فيمن كان السبب لفقدانهم ممتلكات ثمينة أتلفت وسيارات تهشمت, وقبل ذلك وذاك شعورهم بالغبن والصغار في مملكة الخير والانسانية، وليت شعري إن لم تقم بها أنت – أبا بندر - فمن؟؟ . اعلامي سعودي