تحت عنوان "اللاجئون الفلسطينيون والعودة فى الشعر المصرى" كان اللقاء الذى نظمه مركز نهر النيل الثقافى بالزقازيق عبر فعاليات المركز الثقافية الحافلة وذلك أمس أول امس الأحد الماضي 3/3/2013 بحضور المثقف الفلسطينى سمير عطية رئيس تحرير مجلة العودة الفلسطينية، والإعلامى الدكتور عمر الجيوسى المذيع بقناة القدس. بدأ الأستاذ سمير عطية اللقاء بالحديث عن المنابر المتعددة التى تعرف من خلالها على الشعر المصرى، والتى تمثلت فى المدارس والمساجد ومجتمع الحى والمجلات والصحف التى قام عليها أبناء مصر فى الكويت حيث ولد وعاش طفولته وصباه تلك المنابر التى ضمت جنسيات متعددة إلى جانب المصريين من الصعيد ومن الساحل فكانت تربة خصبة للتعرف على الشعر والشعراء المصريين، فكان صديقه المصرى هو أول من كتب معه الشعر وله أهدى ديوانه الأول. ثم استعرض الضيف تاريخ الشعر المصرى الذى تناول قضية فلسطين فذكر محمد نجيب الغرابلى باشا وقصيدته التى قال فيها: "فلسطين لا تبكى ولا تعرف البكا" وكيف كانت من أوائل النماذج التى انتفضت لفلسطين. نوه الأستاذ "سمير عطية" إلى ما أسماه: "المفصل الهام فى الأدب العربى" والذى كان محوره الشاعر المصرى "أحمد محرم" الذى نشر فى جريدة "البلاغ" المصرية قصيدة بعنوان "نكبة فلسطين"، ولعلها القصيدة الأولى التى تستخدم مصطلح "النكبة"، وأشار الضيف إلى أنه بحث فى دار الكتب وراجع الشعراء الفلسطينيين فلم يجد قصيدة بعنوان "نكبة فلسطين" إلا هذه القصيدة، وتقديرا منه لصاحبها الشاعر "أحمد محرم" فقد افتتح بقصيدته "ديوان العودة" الذى جمع فيه مائة قصيدة عن فلسطين. ويبدو والحديث للأستاذ سمير عطية أن "أحمد محرم" قد استحضر التاريخ وأخذ مصطلح "النكبة" مما عرف ب"نكبة البرامكة" فى عهد "هارون الرشيد" فكتب قصيدته التى نشرت فى الثالث عشر من نوفمبر عام ألف وتسعمائة وثلاث وثلاثين فى ذكرى وعد بلفور. استكمل الضيف رصده لقضية فلسطين فتحدث عن قصيدة "خيمة البهتان" للشاعر "محمود حسن إسماعيل" التى كتبها حول معاناة اللاجئ الفلسطينى، فقال فيها: أخي قد غال ذئب الجوع أطفالي مع الفجر وبعثرهم جنون السيل بين مداخل الصخر فلا أدري لهم شجنا على نعش ولا قبر كما كانوا هنا عادوا بلا سكن ولا عمر. أما الشاعر "أحمد عبد المعطى حجازى" فقد كتب "أغنية لشهر أيار" وهى تنحو مثل سابقاتها منحى التعاطف الإنسانى الذى جاءت قصيدة الشاعر "هاشم الرفاعى" "وصية لاجئ" لتتوجه، حيث قال: أنا يا بُنيَّ غدا سيطويني الغسق لم يبق من ظل الحياة سوى رمق وحطام قلب عاش مشبوبَ القلق قد أشرق المصباح يوما واحترق جفَّت به آماله حتى اختنق وأكد الأستاذ "سمير عطية" براعة الشعراء المصريين فى الخروج عن المألوف فى تصوير معاناة الشعب الفلسطينى. تأتى بعد هذا مرحلة "كامب ديفيد" حيث انقسم الشعراء لقسمين: قسم يؤيد كامب ديفيد وكأنها ملحمة مثل ملحمة أكتوبر، وقسم يرفضها، ومن القسم الرافض كان الشاعر "أمل دنقل" الذى كتب قصيدة "لاتصالح" والتى منها: لا تصالحْ! ..ولو منحوك الذهب أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى..: أيضا الشاعر "جابر قميحة" الذى كتب قصيدة " وهى قصيدة مشابهة لقصيدة "أمل دنقل". أما الشاعر الدكتور "صابر عبد الدايم" فقد كتب قصيدة "صعودا صعودا إلى سدرة المنتهى" والتى قال فى مطلعها: صعوداً ... صعوداً .. إلى سدرة المنتهى فإن السلام الذي يزعمونَ ... انتهى دماؤك طوفان عزمٍ ومدٍّ وملحمة الثأر أشعلتَها وكفاكَ للشمس مرفوعتان وراياتك الخُضْرُ أعْلنْتَها واختتم الأستاذ سمير عطية رئيس تحرير مجلة العودة حديثه بأنه يتابع شباب الشعراء مثل "أحمد حسن" و"إسلام هجرس" ومصطفى الجزار" وجميعهم لهم قصائد قيمة عن فلسطين والعودة. انتقلت دفة الحديث إلى الدكتور "عمر الجيوسى" الذى بدأ حديثه بالتساؤل: "كيف أتجاوز سورة يوسف وكيف أتجاوز القرآن الذى لم يسجل علاقة لفلسطين إلا بمصر"؟ وأكد أن علاقة مصر بفلسطين تحتاج لمؤتمر لرصدها، مثمنا عطاء مصر الذى لا ينكره إلا جاحد فأشهر العلماء وأشهر القراء من مصر، وإن عالم فضاء يؤذن من مرصده يناظره مؤذن يدعو من مسجده. ووصف قضية فلسطين بأنها "عاصمة للوعى الجمعى" للمثقفين العرب. ا نتقل بعد ذلك الدكتور عمر للحديث عن برنامجه "على زناد الكلمة" الذى استغرق اختيار اسمه جهدا ووقتا طويلا حتى استقر على هذا العنوان، حيث القابضون على جمر المعانى مرابطون على زناد الكلمة. ثم بدأ فى استعراض بعض حلقات البرنامج وماذا قال عن ضيوفه وبأى عبارات قدمهم، فتحدث عن الشاعر الفتحاوى "سليم النجار"، وعن الشاعر المصرى" عبد الرحمن يوسف"، والشاعر اللبنانى "محمد على شمس الدين"، والشاعر الفلسطينى "سعد الدين شاهين" وأيضا "عز الدين المناصرة" الذى اشتهر بتفصيح العامى وتلا عبارات من التى صاغها ليقدمهم ويحاورهم بها. ومن الحلقات التى أبدى اعتزازه بها تلك الحلقة التى صورها فى تونس بجوار النخلات الثلاث التى كان "أبو القاسم الشابى" يتجول حولها قارضا شعره الذى صارت كلمتان منه نداء لكل الشعوب العربية الثائرة، وهما "الشعب يريد" مثلما قال هو "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر". وعن عمله كإعلامى قال الدكتور "عمر": إنه تعلم كيف يكون كالماء محايدا غير منحاز ليشمل اهتمامه جميع الشعراء على اختلاف انتماءاتهم. ثم بدأت المداخلات حيث طرح الشاعر الأستاذ "عطية شواش" عدة تساؤلات: لماذا يشترك معظم شعراء فلسطين فى لقب "مهاجر"؟ ولماذا صار المثقفون الفلسطينيون يتصارعون على السيطرة على الوطن بعد أن كانوا يتصارعون على حب الوطن؟ ومن أين تبث قناة القدس؟ وقد أجاب الأستاذ "سمير عطية" قائلا إنه هو نفسه ولد فى الكويت بعد سقوط بلده فى يد الكيان الصهيونى وأن سبع ملايين فلسطينى يعيشون الآن مضطرين خارج وطنهم وتمثل عودتهم عقبة كبيرة، عن الصراع الفلسطينى على السلطة قال إن هناك خلل فى الواقع الفلسطينى أدى إلى كثير من الأمراض وأن أى مشروع سياسى لايقوم على رد الحقوق بالمقاومة هو مشروع غير مُجْدٍ فالمقاومة هى المنجاة. أما الدكتور "عمر الجيوسى" فقال إنه قد لا يتفق مع مقولة إن معظم شعراء فلسطين مهاجرون بل إنه يعرف أن معظمهم عاش فى فلسطين ومات على أرضها ومنهم من استشهدوا اغتيالا، وعن قناة القدس أجاب بأنها انطلقت قبل خمسة أعوام وأنه كان أول مذيع يتحدث فيها خلال البث التجريبى، وأن ترخيصها فى لندن واستديوهاتها الرئيسية فى بيروت، وأضاف د. عمر أن قناة القدس أثناء حرب الفرقان (التى أسماها الكيان الصهيونى الرصاص المصبوب) والتى شبت بعد أربعين يوما من إطلاق القناة أعطت إشارة البث مجانا لأربعين قناة فضائية. أما الأستاذ الدكتور "صابر عبد الدايم" عميد كلية اللغة العربية ورئيس مجلس أمناء مركز نهر النيل الثقافى فقد قال إنه ليست هناك رسالة ماجستير او دكتوراه عن أى شاعر إلا وفيها عن فلسطين، وإن رسالة الدكتور "محمد سلمان" (عضو مجلس أمناء مركز نهر النيل) كان عنوانها "فلسطين فى الشعر المصرى الحديث"، ورأى د. "صابر" أن الشعراء كافحوا أكثر من السياسيين منذ وعد بلفور وحتى الآن، ولهم نتاج ضخم عن فلسطين، وقد تقرر بعضا منه على طلبة المدارس الثانوية خاصة قصائد "محمود حسن إسماعيل"، وقد أبدى د. صابر دهشته من خلو ديوان "على محمود طه" من قصيدته الشهيرة "أخى جاوز الظالمون المدى" التى غناها "محمد عبد الوهاب"، وأعرب د. صابر عن أمله فى أن تتبنى جهة عربية مشروع "مؤسسة فلسطين" أو "ديوان فلسطين". وفى رده قال الأستاذ "سمير عطية" إنه يأمل فى إطلالة على الرسائل العلمية التى تناولت فلسطين فى الشعر المصرى، ثم انتقل إلى الحديث عن تأسيسه لما يسمى "بيت فلسطين للشعر" فى دمشق، وصرح بأنهم طرقوا أبواب مؤسسات كثيرة بخصوص ديوان فلسطين فى الشعر العربى إلا أنهم لم يجدوا صدى حتى الآن. ومن جانبه قال الدكتور "عمر الجيوسى" إنه يتمنى أن تتبنى مؤسسة "بابطين" أو "عويس" هذا المشروع. أما الشاعر الأستاذ "ناجى حبيشة" فقال إنه عقَّبَ على استقالة وزير الثقافة المصرى "صابر عرب" بانه لايجب علينا تسييس الثقافة وإنما علينا تثقيف السياسة، ورد عليه الأستاذ "سمير عطية" بأن هذا هو الأصل لكن الواقع ليس كذلك! فخلال أحد عشر عاما من العمل النقابى وجد أن الكوتة الفصائلية كانت هى الغالبة، وأن دائرة الثقافة والإعلام فى منظمة التحرير مثلا لا يُسْمع لها صوت إلا فى المماحكات السياسية بينما تصمت فى الكثير من القضايا التى يجب ان تتصدى لها. وأكد د. "عمر الجيوسى" على هذا الرأى قائلا إن دور المثقف معتقل، وأن الأمور يجب أن تكون فى نصابها وأن تدور حول الثوابت والقواسم المشتركة، وأن علينا أن ندرك أن بلادنا هى خير بلاد الأرض. أما الأستاذ "هانى هنداوى" المخرج التليفزيونى فقد أبدى إعجابه باهتمام الدكتور "عمر الجيوسى" بقراءة ضيفه وجديته فى إعداد برنامجه، كما أبدى دهشته قائلا: ‘ن معظم الفلسطينيين موهوبون"! ثم أبدى تحفظه على النبرة الزاعقة لقناة القدس. وقد أجابه الضيفان بأن الحديد الذى تحت النار يتشكل وهكذا هو الشعب الفلسطينى الذى تستخرج منه الظروف القاسية إبداعا صادقا عميقا. وطرح الأستاذ "عبد الواحد محمد" سؤالا حول الرواية الفلسطينية وهل هى كائن أدبى منقوص؟ ثم طرح سؤالا آخر عن الإعلام الفلسطينى الذى يبدو وكأنه مرسوم وموجه. وأجاب الأستاذ "سمير عطية" عن السؤال الأول بقوله أنهم فى "بيت فلسطين للشعر" أجروا دراسة حول كل المطبوعات التى صدرت خارج فلسطين، وللأسف كان الوضع (مخجلا) فالتشظى والسعى للتفتيت كان السمة الحاضرة فى هذه النصوص. وقال د. "عمر الجيوسى" إن من يملك المال يهتم بالسيطرة على العقل، ومالك القناة الفضائية يحدد هويتها. وكانت مداخلة الدكتور "أحمد عوض صبيح" عن الانقسام السياسى الذى يجبره المشروع القومى وهل هناك مشروع قومى فلسطينى للم الشمل؟ وقال إن أدبيات المقاومة ربما تكون قادرة على تخفيف حدة الفجوة بين الفصائل. وفى إجابته قال الأستاذ "سمير عطية": إنه سئل فى تركيا: لماذا جميع الترجمات الفلسطينية للتركية هى للون فلسطينى واحد؟ وأين هم الأدباء أصحاب التوجه الإسلامى؟ فأجابهم "غابوا وغيبوا"! وأكد أن هناك هيمنة على النشاط الثقافى وأن الجانب المهيمن لا يريد أبدا أن يخفف قبضته على الثقافة. وفي نهاية الندوة تساءل الدكتور "عمر الجيوسى": لماذا لا يكون هناك إطار للقنوات المؤمنة بتنظيم الثوابت، وذكر أن الإعلامى "وضاح خنفر" طرح فكرة إنشاء منتدى على غرار منتدى "دافوس" واقترح له عنوانا هو: "منتدى الشرق" إلا أن الفكرة لم تتم، واسترجع تصريح "كونداليزاريس" الذى قالت فيه: "علينا إعادة تنظيم علاقاتنا بحلفائنا فى الشرق الأوسط" وقال إنه يطمئنها بوجود "البوعزيزى" والشباب الثائر الذين سبقوها فى إعادة التقييم! واختتم اللقاء بإهداء الأستاذ "سمير عطية" نسخة من ديوان "الكنارى اللاجئ" وأعدادا من مجلة "العودة" لمكتبة مركز نهر النيل الثقافى.