جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    يروج لنشاطه عبر مواقع التواصل.. القبض على مزور شهادات دراسية بالجيزة    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    هدية ترامب في عيد الميلاد، نيجيريا تكشف الأسلحة الأمريكية المستخدمة ضد "داعش"    إنذار بحري.. الأرصاد تُحذر من اضطراب ملاحة البحر المتوسط    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    مدرب مالي يهاجم التونسي هيثم قيراط حكم ال VAR بعد التعادل أمام المغرب في أمم إفريقيا    شاهد.. حريق هائل يلتهم أكشاك بمحيط محطة رمسيس| فيديو    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    دوي انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية بعد قصف روسي    ابني بخير.. والد القارئ الصغير محمد القلاجي يطمئن الجمهور على حالته الصحية    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    منع جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس بالبحيرة    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    الرئيس والنائب ب"التذكية"، النتائج النهائي لانتخابات نادي الاتحاد السكندري    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    فين الرجولة والشهامة؟ محمد موسى ينفعل على الهواء بسبب واقعة فتاة الميراث بالشرقية    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    أمم إفريقيا – مدرب مالي: كنا نستحق ركلة جزاء إضافية أمام المغرب    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    في هذا الموعد.. قوافل طبية مجانية في الجيزة لخدمة القرى والمناطق النائية    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    المغرب تتعادل مع مالي في أمم أفريقيا    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    في احتفالية جامعة القاهرة.. التحالف الوطني يُطلق مسابقة «إنسان لأفضل متطوع»    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    خبيرة تكشف أبرز الأبراج المحظوظة عاطفيًا في 2026    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    السكك الحديدية تدفع بفرق الطوارئ لموقع حادث دهس قطار منوف لميكروباص    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    هيئة الاستعلامات: 1917 تقريراً في 250 وسيلة إعلام دولية واكبت افتتاح المتحف الكبير    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    جامعة قناة السويس تستكمل استعداداتها لامتحانات الفصل الدراسي الأول    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    إصابة مواطنين إثر انقلاب سيارة ربع نقل على صحراوى جنوب الأقصر    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء عرب لمحيط: محمود درويش أخجل ضمير العالم وأربكه
نشر في محيط يوم 17 - 08 - 2008


محمود درويش أخجل ضمير العالم وأربكه
وداعا .. درويش
محيط – شيماء عيسى
سجل أنا عربي .. أنا اسم بلا لقبِ .. صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها .. يعيشُ بفورةِ الغضبِ .. جذوري... قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ .. وقبلَ تفتّحِ الحقبِ .. وقبلَ السّروِ والزيتونِ .. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي.. من أسرةِ المحراثِ .. لا من سادةٍ نجبِ .. وجدّي كانَ فلاحاً ..بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
ودع العالم بالأمس القريب صوت القضية الفلسطينية .. الشاعر الفلسطيني العالمي محمود درويش ، والذي وافته المنية بعد عملية جراحية في القلب أجريت له في مستشفى بهيوستن بولاية تكساس الأمريكية ، أصاب رحيل درويش الملايين من محبيه حول العالم بالصدمة إذ ترك فراغا كبيرا في جبهة الشعر والنضال الواعي الذي سمع دويه حول العالم وجذب الأنظار لبشاعة الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين .
وتعلو التساؤلات الآن بعد الرحيل .. ما الذي فقدناه إذ فقدنا محمود درويش ؟ ، وإلى أي مدى نجح الشاعر في توصيل مأساة فلسطين للضمير العالمي ؟ ، ولماذا كانت تجربة محمود درويش في الشعر والنضال متميزة ؟ .. واخيرا هل يمكن أن يفرز العالم العربي خليفة لدرويش يحمل الراية من بعده ويكون صوت فلسطين في مسامع العالم والإنسانية أم لا ؟ .. أدباء عرب شاركونا في محاولة إجابة هذه التساؤلات ..
رسالة للعرب..
الكاتب والأكاديمي الفلسطيني المقيم في النرويج د. أحمد أبومطر قال عن محمود درويش أنه الغائب الحاضر ، وتذكر صرخته الأولى المبكرة في وجه الإحتلال الإسرائيلي بقصيدة " سجل أنا عربي" ، وأثناء حصار بيروت الذي عاشه مع الشاعر لمدة 88 يوما وسط السكوت العربي المخزي ، وقال : " جاءتنا يوما الأنباء بأن وزراء خارجية الدول العربية سيعقدون اجتماعا في تونس لبحث موضوع الغزو الإسرائيلي لبيروت وحصارها، فكتب محمود درويش افتتاحية جريدة " المعركة " التي كان يصدرها الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وذلك صباح السبت السادس والعشرين من يونيو 1982 ، قال فيها موجها حديثه لوزراء الخارجية العرب:
" لماذا يحرق أصحاب قمة الحضيض العربي بصلهم وثومهم؟ أليس في الوقت متسع للمزيد ، للمزيد من ابتلاع الأرض والناس؟....سيطلبون الجدل، ولا يسمعون بعضهم البعض، لأن آذانهم على أجهزة الراديو عساها تحمل إليهم النبأ الذي طال انتظاره، والذي سيطول انتظاره ثم ينفضّون على أمل الاجتماع ثانية بشرط أن يتم خراب البصرة. العجلة من الشيطان يا عرب..ناموا ونحن نحرس نومكم إلى الأبد. نحن الواقفين وراء متاريس الرمل والصبر في بيروت. نحن العرايا أمام أحدث الطائرات. نحن المدججين بأقوى الأسلحة: الإيمان والإصرار على الصمود والقتال، ندعو الدول العربية إلى التحلي بهدوء الأعصاب وضبط النفس، لأن العدو الغادر ينصب لكم فخ الدفاع عن الوطن وعن النفس فاجتنبوه، ويقترب من أسرتكم فاذهبوا إلى الحمّام ".
أطفال فلسطينيين ودبابة إسرائيلية
وكذلك في أوج الانتفاضة الفلسطينية كتب قصيدته التي انتشرت انتشار النار في الهشيم "عابرون في هواء عابر" التي أغضبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسرقوا زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
وتذكر د. أبومطر قصيدة محمود درويش " أنبياء غزة" اعتراضا على السيطرة العسكرية لحركة حماس على قطاع غزة في يوليو 2007 واعتراضا على الإقتتال الداخلي بين عناصر فتح وحماس الذي أحدث شرخا بالصف كتب يقول :
" لولا الحياء والظلام لزرت غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم النبي الجديد ولولا أن محمدا هو خاتم ألأنبياء ، لصار لكل عصابة نبي، ولكل صحابي ميليشيا .. أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين: إن لم نجد من يهزمنا ثانية هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى.
.........
أنا والغريب على ابن عمي، وأنا وابن عمي على أخي، وأنا وشيخي عليّ
هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة في أقبية الظلام.
من يدخل الجنة أولا؟ من مات برصاص العدو، أم من مات برصاص الأخ؟
بعض الفقهاء يقول: ربّ عدو لك ولدته أمّك. "
العطاري: شعوب تعرف فلسطين من شعره
رئيس فرع اتحاد كتاب الإنترنت العرب بفلسطين الأديب عبدالسلام العطاري قال أننا برحيل الشاعر الكوني محمود درويش فقدنا الكلمة المنحوتة من المعنى المتفرد به درويش ، ورآه مثل طير البلاد الأعالي وسنابله المخضرّة دائما.
وقال أن كثير من الشعوب عرفت فلسطين من خلال أشعار درويش، وجاء ذلك من خلال نقل أعماله الى أكثر من عشرين لغة عالمية، بما خلق حالة من التضامن الواسع مع قضية شعبنا .
وحول ما يميز تجربة درويش قال : لا نملك النفط ولا مناجم الماس، ما نملكه فلسطين بجماليتها وبإنسانها ، معتبرا محمود درويش ثروة إبداعية فلسطينية وصاحب تجربة اجتماعية إنسانية حملتها قصائده التي تحمل مضامين علم الحياة بين طياتها ، ومؤكدا أننا بحاجة لوقت طويل لنجد له خليفة فقد كان له صوتا ونكهة لا يتقنها أحد سواه .
سعيد: درويش خاطب الغرب بلغة يفهمها
الأديب والدبلوماسي العراقي أمجد سعيد قال في وداع محمود درويش أننا نفقد برحيله شاعرا حمل منذ بداياته همّ الوطن العربي وهم الإنسانية ، وكان معبرا عن نضال الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الإسرائيلي من خلال تواجد الشاعر أغلب حياته بالأراضي المحتلة ومن خلال أشعاره ، كنا ننتظر منه أن يطرح أشكالا جديدة من القصائد العربية المقاومة لإسرائيل والموجهة للإنسان حول العالم ، كما فقد الإنسان والصديق على المستوى الشخصي.
وقد احتفى به المجلس المصري الأعلى للثقافة وأعطاه جائزة الشعر العربي ، وبتأثر ودماثة قال درويش وهو يتسلم الجائزة " شرفتني مصر بهذا التكريم وهو تكريم لفلسطين " .
كان محمود درويش ذكياً حتى انه تمكن من إقناع محبيه حول العالم بقضية فلسطين ومشاركتهم له في التألم لما يجري على أرضها ، كما كان شجاعا بتناول موضوعات ذات حساسية كبيرة ففي قصيدته المعنونة ب" ريتا والبندقية" كان يتحدث عن المرأة اليهودية التي عرفها داخل الأراضي المحتلة ، حتى أن درويش حينما غادر الأراضي الفلسطينية المحتلة وسط معارضة بعض أصدقائه مثل سميح القاسم الشاعر الفلسطيني الكبير ،فإن هذه السجالات والمعارضات ركزت الأضواء عليه وقربته للعالمية، وأخيرا كان درويش مختلفا في شعره ويطوره باستمرار واستطاع إرسال كلماته لآماد بعيدة يفهمها الغرب ويفهمها الآخر في كل مكان ، ليثبت أن العدوان على فلسطين عدوان على قيم الإنسان حول العالم .
الصباحي : مدرسة في التعامل مع العدو

الشاعر المصري هشام الصباحي والمقيم حاليا في الصين عبر عن صدمته برحيل الشاعر الكبير قائلا : " لماذا لم تسألني يا درويش إعارتك بعض الأعوام لتبقى " ، وأكد أن ما فقدناه في درويش هو الجسد فقط ، وقال : " ستبقى لنا روحه طائرة حولنا والشعر شاخص في قلوبنا وموجه إلى صدور وعيون أعداءنا الذين اجبرهم درويش على الإنصات إلى صوت فلسطيني عربي عالمي منفتح على أعدائه مع التزامه بكونهم أعدائه وأعدائنا" .
وأوضح الصباحي أن درويش إذ رحل كان بقمة الإحتراف في القيام بدوره الإنساني للتعريف بقضية فلسطين دونما صيحات وزعيق يجعل الآخر ينفر منا ، معتبرا أن فقده خسارة كبيرة لأنه كان سيقودنا لمدرسة جديدة في التعامل النضالي والشعري مع الأعداء وكسب تعاطف وتأييد أصدقاء هؤلاء الاعداء.
واستبعد الشاعر أن يأتي خليفة لمحمود درويش في زمن يقتل فيه الأبناء الآباء والأمهات دون رحمة ، واختتم حديثه حزينا " لابد أن يكون البكاء حارا ..ولابد أن أتفرغ تماما حتى أجيد هذا الفعل من البكاء..".
مصطفى ابراهيم : إذا قرأت شعره عرفت فلسطين
الكاتب الفلسطيني مصطفى ابراهيم رأى أن ما فقدناه برحيل الشاعر الكبير محمود درويش هو الثورة والوطن والشعر المقاوم الذي تربينا عليه ، فمن لم يعرف أو يقرأ محمود درويش لم يعرف فلسطين ولا ثورتها ، وتذكر مقولته بعد استقالته من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية " أتحاشى النظر إلى الخريطة ، إنها تهجم على كالمخرز " ، معتبرا أن درويش أضاف للشعر العربي والفلسطيني وكان رجلا حراً بمعنى الكلمة محبا للأرض ، واستبعد أن يجيء من الشعراء العرب من يسحب من درويش كونه الأمير المناضل وختم قائلا :" درويش سيبقى فينا حي لن يموت" .
د. الأشمر : أعاد فلسطين لذاكرة العالم
الروائي الكويتي وعضو نقابة الصحفيين العالمية د. عبداللطيف الأشمر سألناه عما فقدناه إذ فقدنا درويش، فأجاب :" نحن لم نفقده بل هو فقدنا في حياته إذ يجب أن نعتذر له عن كل "ما لم نفعله" ، أما هو فقد ترك لنا نهرا .. بحرا .. محيطا يكفي لما بعد العودة النهائية" ، ويكفي لنتحدث عن قضيته أن نتذكر أن درويش هو من اعاد فلسطين لذاكرة العالم حتى الهمجي منه الذي يعمل على ترسيخ الدولة العبرية في الجسد العربي .
واعتقد د. الأشمر ان هذا الفلسطيني محمود درويش كان يدرك – ربما – أن وقتا طويلا سيمضي قبل أن يستنسخ لغنى معاناته وتجربته ، ولذا فقد كان إنتاجه الشعري مكثفا في 67 سنة عاشها.
وبسؤاله عما يميز شعر درويش ، قال الروائي الكويتي أنه ذلك التعب الذي ينتابك وأنت تقرأ شعره قبل أن تفهم ، فهو شاعر الفواصل والنقاط التي يريد منها ملأها من عندياتنا ، ويميزه مفرداته الشعرية الحقيقية التاريخية التي تعيدنا لزمن "اليبوسيين" ولطالوت وجالوت وعصا موسى وبحر فرعون وخوار الثور !
أما عن خليفة محمود درويش فاعتبر أنه ليس شخصآ بل شعرآ لا يتكرر ، ويردد في كل المدى من الأزل إلى الأبد ، قائلا " هذا المغرور قتل فينا غرورنا واغرورقت عيناه بدموعنا . ..هذا المغرور قزمنا واستطالت قامته ! .. هذا المحمود أخجل العالم وأربكه !"
د. مصطفى الضبع : درويش أحد أعمدة الشعر العربي
الدكتور مصطفى الضبع أستاذ النقد الأدبي الحديث والأديب المصري رأى أن محمود درويش كان ولا يزال أحد أعمدة الشعر العربي حيث أزال الفجوة بين الشعر والمتلقين ، واعتمدت قصيدته على حداثتها على اللغة الفنية والبعد عن الإغراق في الغموض وحافظت على الوقوف مع القضايا العربية واكدت الهوية العربية ، كما ساعدت شبكة الإنترنت على انتشار وذيوع قصيدة درويش حتى أصبح اميرا للشعراء على الإنترنت جنبا بجنب مع الشاعر الكبير أحمد مطر ، ونستطيع رصد مسيرة المجاهد العربي الواعي لقضايا الأمة وفلسطين في درويش.
نجح درويش في الوصول للعالمية بجدارة ، ونذكر مثلا بسيطا لقصيدة "حالة حصار" التي قربت الصورة من المعاناة في فلسطين وكان لها صدى واسع على الإنترنت .
العمري : مات كمدا على اقتتال الأشقاء
أما الروائي المصري محمد عبدالسلام العمري فقال : أنا اظن أن درويش مات قهرا وكمدا على ما يحدث في الأراضي الفلسطينية واقتتال الأخوة على زعامة وهمية متناسين قضية إعلان الدولة وتحريرها ، لقد انشغل درويش بالذاكرة والتاريخ والتراث الشعبي الفلسطيني في محاولة مواجهة الحملة الشرسة لطمس الهوية الفلسطينية من الوجود .
لقد اكتشفه رجاء النقاش الناقد المصري الراحل في عام 1964 وقدمه على أنه شاعر الأرض المحتلة ، وكان كذلك بالفعل ، كما أنه شاعر الإنسان يغني له في كل مكان ، حتى أن إنسانيته تطغى على شعريته وكان يسعى لإضافة جديد بالتجربة الشعرية الخاصة به ، وجميعنا يعلم أن إنجازه الشعري الغزير كان بمقدمة الشعر العربي وكان الراحل يحتل مكانة عظمى لدى قراء الشعر ، وهو واحد من أفضل المشاركين في حركة الشعر الحديث .
د. القواسمة : كلماته لازمت الحالة الفلسطينية
الروائي والناقد الأكاديمي الأردني د. محمد عبدالله القواسمة رأى أن فقد محمود درويش مؤلما ، فقد اعتبره الكثير من الشعراء أبا لهم ، ولا شك أنه استطاع شغل الساحة الفلسطينية والعربية والعالمية بشعره.
فلسطين تودع شهداء كل يوم
وقال د. القواسمة مسجلا تطور سمات محمود درويش الشعرية ، أنه في المرحلة الأولى ساهم مع شعراء الأرض المحتلة: سميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وغيرهم في إيصال المأساة الفلسطينية إلى العالم العربي، وهي المرحلة التي توّجت بقصيدته" سجل انا عربي " وفي المرحلة الأخيرة التي تجسدت في مجموعاته الشعرية: أرى ما أريد، وحالة حصار، ولاتعتذر عما فعلت، وكزهر اللوز أو ابعد نقل القضية الفلسطينية ببعديها: الحضاري والإنساني إلى آفاق إنسانية رحبة ، وإن بدت في بعض جوانبها ملتبسة ومحيرة يصعب تاويلها لتتطابق مع الوضع الفلسطيني ، وبخاصة لو نظرها مثلا لقصيدته الاخيرة التي قالها قبل وفاته بقليل وهي " سيناريو جاهز" ساوى فيها بين الجلاد والضحية، عندما صوّرهما واقعين في حفرة ويريدان الخلاص منها، مع ان الحفرة أصلاً هي من صنع الجلاد!! .
ورأى الناقد الأردني أن أهم ما يميّز تجربة محمود درويش الشعرية والنضالية أنها تجربة ذاتية معجونة بالهم العام، كما أنها متطورة لم تقف عند مرحلة معينة دون أن تتجاوزها؛ فقد واكبت التعرجات والانحناءات التي مرت بها القضية الفلسطينية بدءا من نكبة 1948 مروراً بانتكاسات المقاومة الفلسطينية في بيروت ومرحلة أوسلو وانتهاء بالاقتتال الفلسطيني الذي أدانه درويش في عمله " أنت منذ الآن غيرك" ومن المدهش أن نلاحظ توافق التشكيل الفني في شعر درويش مع انحناءات الحالة الفلسطينية وتوتراتها؛ فكان الوضوح والمباشرة والحماسة في التعبير عن بداية المأساة، ثم الغموض في مرحلة تشتت المقاومة الفلسطينية في الثمانينيات من القرن الماضي، ثم التجريب والدخول في متاهات الرمز متوافقا مع مرحلة أوسلو وما صحبها من انقسامات على الساحة الفلسطينية والعربية.
اعتبر القواسمة أنه ليس للشعراء خلفاء مثلما الحكام؛ فلكل شاعر خصوصيته ، وهنالك شعراء كثيرون مثل درويش يحملون الهم الفلسطيني لكن معرفة العالم بهم لها ظروفها وشروطها التي ربما لم يتوافر مثلها لأحد منهم مثلما توافرت لمحمود درويش ، الأمر الذي اتفق مع فيه الأديب والمثقف العراقي أمجد سعيد .
وداعا
خوجة : أية أبجدية تكفي التعزية؟
الشاعرة والأديبة السورية غالية خوجة فضلت أن تعبر عن فقدانها لمحمود درويش شعراً ، فكتبت بعنوان " رثاء الأبدية " لمحمود درويش ونقتطف منها مقطعا تقول فيه :
أية أبجدية تكفي التعزية..؟
كل اللغات تبكي..
والشعر في أحضان الشعر يبكي..
لم يكن طيفاً، ولا رحلة..
سيبقى الأثير بين المجرات والقصائد والغناء..
هناك، تفتح "البروة" أجنحتها لتخطف التابوت وتطير..
وهنا..،
تصطف مجموعاته لتحمل النعش، فتطير الرموز، وتستعيد الحكاية سيرتها التي لن تنتهي..
ومن بين ضباب المعاني، يصهل الحصان:
لماذا تركتني وحيداً؟
..
الخطيب: درويش الأب الشرعي للنازحين
الأديب الفلسطيني أنور الخطيب والمسئول باتحاد كتاب الإمارات أكد أنه لا خليفة لمحمود درويش فهو " في سفر غير بعيد" ، وقال : "محمود درويش، الشاعر الأكثر استعيابا لأسطورة الحياة، بات أسطورة الشعر، الشاعر الأكثر ضجرا من الذاهبين إلى المنافي في أوطانهم، صار منفى للوطنيين والمواطنين خارج أوطانهم، الشاعر الأكثر مخاطبة للعدم، خلد أنفاسه في رحلة الهواء من شجرة إلى شجرة، ومن قرية إلى قرية، ومن عاصمة إلى عاصمة، الشاعر الذي أنقذ فلسطين من السياسات الملوثة، وحافظ على رونقها ببياض أبجديته، حتى بات الأب الشرعي للنازحين، وبوصلة المتقاتلين، الشاعر الذي أعطى للشعر ما لم يعطه شاعر آخر، وأعطى للسياسة ما لم يعطه سياسي آخر".
وأكد الخطيب أن محمود درويش ترك لنا تربة يكفي أن نحركها بأصابعنا فيتفجر من بين ذراتها ماء الشعر وحقول الفلسفة لعشرات السنين ، وأنه لم يُقرأ كما يليق بأمير الشعر والشعراء ، على حد وصفه ، معتبرا أن كل ما كتب عنه مجرد مناوشات لعالمه الرحب العميق ، ومعتبرا أن قصيدته لا تزال بكرا رغم عشاقها ، ورأى أنه من نكران الجميل أن يدور حديث أو تساؤل عن خليفة لمحمود درويش ، إذ لا خليفة لمتفرد في ابتكار أشكال القصيدة والإبداع.
من قصيدة "يُنقب عن دولة نائمة"
يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ...
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.
أَيها الواقفون على عتبات البيوت!
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلى أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسمُ الكاميرا
لمواليدِ بُرْجِ الحصار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.