موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    نائب محافظ المركزي: ملتزمين بضمان استدامة السياسات النقدية الجاذبة للاستثمار    حزب الله: اغتيال القيادي أحمد محمود وهبي في غارة إسرائيلية    فلسطين.. 3 إصابات في قصف إسرائيلي استهدف خيمة تؤوي نازحين وسط خان يونس    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    الأهلي ضد جورماهيا في دوري أبطال إفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة والمعلق والتشكيل    «من خليفة إيهاب جلال إلى أين سمعتي».. القصة الكاملة لأزمة الإسماعيلي وحلمي طولان    «صاحب المعلومة الأدق».. لميس الحديدي تهنئ أحمد شوبير على التعاقد مع قناة الأهلي    عاجل - الأرصاد تعلن تحسن الطقس اليوم وانخفاض الحرارة    مبلغ مالي غير متوقع وزيارة من صديق قديم.. توقعات برج العقرب اليوم 21 سبتمبر 2024    بحضور وزير الثقافة.. تفاصيل انطلاق الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة    وزير الخارجية: مصر تدعم الصومال لبناء القدرات الأمنية والعسكرية    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 21-9-2024.. آخر تحديث    «أغلى من المانجة».. متى تنخفض الطماطم بعد أن سجل سعرها رقم قياسي؟    توجيه هام من التعليم قبل ساعات من بدء الدراسة 2025 (أول يوم مدارس)    موعد مباراة مانشستر يونايتد ضد كريستال بالاس في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لخوض كأس الأمم الإفريقية    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    قتل صديق عمره .. ذبحه ووضع الجثة داخل 3 أجولة وعاد يبحث مع أسرته عنه    أنتهاء أسطورة «ستورة» فى الصعيد .. هارب من قضايا شروع فى قتل وتجارة سلاح ومخدرات وسرقة بالإكراه    النيابة تعاين الزاوية التيجانية بعد أقوال ضحايا صلاح التيجانى    استدعاء والدة خديجة لسماع أقوالها في اتهام صلاح التيجاني بالتحرش بابنتها    د.مصطفى ثابت ينعي وزير الداخلية في وفاة والدته    عمرو سلامة: أداء «موريس» في «كاستنج» يبرز تميزه الجسدي    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    زاهي حواس: تمثال الملكة نفرتيتي خرج من مصر ب «التدليس»    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    أمام أنظار عبد المنعم.. نيس يسحق سانت إيتيان بثمانية أهداف    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    «البوابة نيوز» تكشف حقيقة اقتحام مسجل خطر مبنى حي الدقي والاعتداء على رئيسه    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    نوران جوهر تتأهل لنهائي بطولة باريس للإسكواش 2024    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت يتجاوز 3000 جنيه بسوق مواد البناء اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    عمرو أديب عن صلاح التيجاني: «مثقفين ورجال أعمال وفنانين مبيدخلوش الحمام غير لما يكلموا الشيخ» (فيديو)    عودة قوية لديمي مور بفيلم الرعب "The Substance" بعد غياب عن البطولات المطلقة    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    المخرج عمر عبد العزيز: «ليه أدفع فلوس وأنا بصور على النيل؟» (فيديو)    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    وزير خارجية لبنان: نشكر مصر رئيسا وشعبا على دعم موقف لبنان خلال الأزمة الحالية    أهالى أبو الريش فى أسوان ينظمون وقفة احتجاجية ويطالبون بوقف محطة مياه القرية    «جنون الربح».. فضيحة كبرى تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وتهدد الجميع (دراسة)    لأول مرة.. مستشفى قنا العام" يسجل "صفر" في قوائم انتظار القسطرة القلبية    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    الأهلي في السوبر الأفريقي.. 8 ألقاب وذكرى أليمة أمام الزمالك    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء عرب لمحيط: محمود درويش أخجل ضمير العالم وأربكه
نشر في محيط يوم 17 - 08 - 2008


محمود درويش أخجل ضمير العالم وأربكه
وداعا .. درويش
محيط – شيماء عيسى
سجل أنا عربي .. أنا اسم بلا لقبِ .. صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها .. يعيشُ بفورةِ الغضبِ .. جذوري... قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ .. وقبلَ تفتّحِ الحقبِ .. وقبلَ السّروِ والزيتونِ .. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي.. من أسرةِ المحراثِ .. لا من سادةٍ نجبِ .. وجدّي كانَ فلاحاً ..بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
ودع العالم بالأمس القريب صوت القضية الفلسطينية .. الشاعر الفلسطيني العالمي محمود درويش ، والذي وافته المنية بعد عملية جراحية في القلب أجريت له في مستشفى بهيوستن بولاية تكساس الأمريكية ، أصاب رحيل درويش الملايين من محبيه حول العالم بالصدمة إذ ترك فراغا كبيرا في جبهة الشعر والنضال الواعي الذي سمع دويه حول العالم وجذب الأنظار لبشاعة الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين .
وتعلو التساؤلات الآن بعد الرحيل .. ما الذي فقدناه إذ فقدنا محمود درويش ؟ ، وإلى أي مدى نجح الشاعر في توصيل مأساة فلسطين للضمير العالمي ؟ ، ولماذا كانت تجربة محمود درويش في الشعر والنضال متميزة ؟ .. واخيرا هل يمكن أن يفرز العالم العربي خليفة لدرويش يحمل الراية من بعده ويكون صوت فلسطين في مسامع العالم والإنسانية أم لا ؟ .. أدباء عرب شاركونا في محاولة إجابة هذه التساؤلات ..
رسالة للعرب..
الكاتب والأكاديمي الفلسطيني المقيم في النرويج د. أحمد أبومطر قال عن محمود درويش أنه الغائب الحاضر ، وتذكر صرخته الأولى المبكرة في وجه الإحتلال الإسرائيلي بقصيدة " سجل أنا عربي" ، وأثناء حصار بيروت الذي عاشه مع الشاعر لمدة 88 يوما وسط السكوت العربي المخزي ، وقال : " جاءتنا يوما الأنباء بأن وزراء خارجية الدول العربية سيعقدون اجتماعا في تونس لبحث موضوع الغزو الإسرائيلي لبيروت وحصارها، فكتب محمود درويش افتتاحية جريدة " المعركة " التي كان يصدرها الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وذلك صباح السبت السادس والعشرين من يونيو 1982 ، قال فيها موجها حديثه لوزراء الخارجية العرب:
" لماذا يحرق أصحاب قمة الحضيض العربي بصلهم وثومهم؟ أليس في الوقت متسع للمزيد ، للمزيد من ابتلاع الأرض والناس؟....سيطلبون الجدل، ولا يسمعون بعضهم البعض، لأن آذانهم على أجهزة الراديو عساها تحمل إليهم النبأ الذي طال انتظاره، والذي سيطول انتظاره ثم ينفضّون على أمل الاجتماع ثانية بشرط أن يتم خراب البصرة. العجلة من الشيطان يا عرب..ناموا ونحن نحرس نومكم إلى الأبد. نحن الواقفين وراء متاريس الرمل والصبر في بيروت. نحن العرايا أمام أحدث الطائرات. نحن المدججين بأقوى الأسلحة: الإيمان والإصرار على الصمود والقتال، ندعو الدول العربية إلى التحلي بهدوء الأعصاب وضبط النفس، لأن العدو الغادر ينصب لكم فخ الدفاع عن الوطن وعن النفس فاجتنبوه، ويقترب من أسرتكم فاذهبوا إلى الحمّام ".
أطفال فلسطينيين ودبابة إسرائيلية
وكذلك في أوج الانتفاضة الفلسطينية كتب قصيدته التي انتشرت انتشار النار في الهشيم "عابرون في هواء عابر" التي أغضبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسرقوا زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء
وتذكر د. أبومطر قصيدة محمود درويش " أنبياء غزة" اعتراضا على السيطرة العسكرية لحركة حماس على قطاع غزة في يوليو 2007 واعتراضا على الإقتتال الداخلي بين عناصر فتح وحماس الذي أحدث شرخا بالصف كتب يقول :
" لولا الحياء والظلام لزرت غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم النبي الجديد ولولا أن محمدا هو خاتم ألأنبياء ، لصار لكل عصابة نبي، ولكل صحابي ميليشيا .. أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين: إن لم نجد من يهزمنا ثانية هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى.
.........
أنا والغريب على ابن عمي، وأنا وابن عمي على أخي، وأنا وشيخي عليّ
هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة في أقبية الظلام.
من يدخل الجنة أولا؟ من مات برصاص العدو، أم من مات برصاص الأخ؟
بعض الفقهاء يقول: ربّ عدو لك ولدته أمّك. "
العطاري: شعوب تعرف فلسطين من شعره
رئيس فرع اتحاد كتاب الإنترنت العرب بفلسطين الأديب عبدالسلام العطاري قال أننا برحيل الشاعر الكوني محمود درويش فقدنا الكلمة المنحوتة من المعنى المتفرد به درويش ، ورآه مثل طير البلاد الأعالي وسنابله المخضرّة دائما.
وقال أن كثير من الشعوب عرفت فلسطين من خلال أشعار درويش، وجاء ذلك من خلال نقل أعماله الى أكثر من عشرين لغة عالمية، بما خلق حالة من التضامن الواسع مع قضية شعبنا .
وحول ما يميز تجربة درويش قال : لا نملك النفط ولا مناجم الماس، ما نملكه فلسطين بجماليتها وبإنسانها ، معتبرا محمود درويش ثروة إبداعية فلسطينية وصاحب تجربة اجتماعية إنسانية حملتها قصائده التي تحمل مضامين علم الحياة بين طياتها ، ومؤكدا أننا بحاجة لوقت طويل لنجد له خليفة فقد كان له صوتا ونكهة لا يتقنها أحد سواه .
سعيد: درويش خاطب الغرب بلغة يفهمها
الأديب والدبلوماسي العراقي أمجد سعيد قال في وداع محمود درويش أننا نفقد برحيله شاعرا حمل منذ بداياته همّ الوطن العربي وهم الإنسانية ، وكان معبرا عن نضال الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الإسرائيلي من خلال تواجد الشاعر أغلب حياته بالأراضي المحتلة ومن خلال أشعاره ، كنا ننتظر منه أن يطرح أشكالا جديدة من القصائد العربية المقاومة لإسرائيل والموجهة للإنسان حول العالم ، كما فقد الإنسان والصديق على المستوى الشخصي.
وقد احتفى به المجلس المصري الأعلى للثقافة وأعطاه جائزة الشعر العربي ، وبتأثر ودماثة قال درويش وهو يتسلم الجائزة " شرفتني مصر بهذا التكريم وهو تكريم لفلسطين " .
كان محمود درويش ذكياً حتى انه تمكن من إقناع محبيه حول العالم بقضية فلسطين ومشاركتهم له في التألم لما يجري على أرضها ، كما كان شجاعا بتناول موضوعات ذات حساسية كبيرة ففي قصيدته المعنونة ب" ريتا والبندقية" كان يتحدث عن المرأة اليهودية التي عرفها داخل الأراضي المحتلة ، حتى أن درويش حينما غادر الأراضي الفلسطينية المحتلة وسط معارضة بعض أصدقائه مثل سميح القاسم الشاعر الفلسطيني الكبير ،فإن هذه السجالات والمعارضات ركزت الأضواء عليه وقربته للعالمية، وأخيرا كان درويش مختلفا في شعره ويطوره باستمرار واستطاع إرسال كلماته لآماد بعيدة يفهمها الغرب ويفهمها الآخر في كل مكان ، ليثبت أن العدوان على فلسطين عدوان على قيم الإنسان حول العالم .
الصباحي : مدرسة في التعامل مع العدو

الشاعر المصري هشام الصباحي والمقيم حاليا في الصين عبر عن صدمته برحيل الشاعر الكبير قائلا : " لماذا لم تسألني يا درويش إعارتك بعض الأعوام لتبقى " ، وأكد أن ما فقدناه في درويش هو الجسد فقط ، وقال : " ستبقى لنا روحه طائرة حولنا والشعر شاخص في قلوبنا وموجه إلى صدور وعيون أعداءنا الذين اجبرهم درويش على الإنصات إلى صوت فلسطيني عربي عالمي منفتح على أعدائه مع التزامه بكونهم أعدائه وأعدائنا" .
وأوضح الصباحي أن درويش إذ رحل كان بقمة الإحتراف في القيام بدوره الإنساني للتعريف بقضية فلسطين دونما صيحات وزعيق يجعل الآخر ينفر منا ، معتبرا أن فقده خسارة كبيرة لأنه كان سيقودنا لمدرسة جديدة في التعامل النضالي والشعري مع الأعداء وكسب تعاطف وتأييد أصدقاء هؤلاء الاعداء.
واستبعد الشاعر أن يأتي خليفة لمحمود درويش في زمن يقتل فيه الأبناء الآباء والأمهات دون رحمة ، واختتم حديثه حزينا " لابد أن يكون البكاء حارا ..ولابد أن أتفرغ تماما حتى أجيد هذا الفعل من البكاء..".
مصطفى ابراهيم : إذا قرأت شعره عرفت فلسطين
الكاتب الفلسطيني مصطفى ابراهيم رأى أن ما فقدناه برحيل الشاعر الكبير محمود درويش هو الثورة والوطن والشعر المقاوم الذي تربينا عليه ، فمن لم يعرف أو يقرأ محمود درويش لم يعرف فلسطين ولا ثورتها ، وتذكر مقولته بعد استقالته من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية " أتحاشى النظر إلى الخريطة ، إنها تهجم على كالمخرز " ، معتبرا أن درويش أضاف للشعر العربي والفلسطيني وكان رجلا حراً بمعنى الكلمة محبا للأرض ، واستبعد أن يجيء من الشعراء العرب من يسحب من درويش كونه الأمير المناضل وختم قائلا :" درويش سيبقى فينا حي لن يموت" .
د. الأشمر : أعاد فلسطين لذاكرة العالم
الروائي الكويتي وعضو نقابة الصحفيين العالمية د. عبداللطيف الأشمر سألناه عما فقدناه إذ فقدنا درويش، فأجاب :" نحن لم نفقده بل هو فقدنا في حياته إذ يجب أن نعتذر له عن كل "ما لم نفعله" ، أما هو فقد ترك لنا نهرا .. بحرا .. محيطا يكفي لما بعد العودة النهائية" ، ويكفي لنتحدث عن قضيته أن نتذكر أن درويش هو من اعاد فلسطين لذاكرة العالم حتى الهمجي منه الذي يعمل على ترسيخ الدولة العبرية في الجسد العربي .
واعتقد د. الأشمر ان هذا الفلسطيني محمود درويش كان يدرك – ربما – أن وقتا طويلا سيمضي قبل أن يستنسخ لغنى معاناته وتجربته ، ولذا فقد كان إنتاجه الشعري مكثفا في 67 سنة عاشها.
وبسؤاله عما يميز شعر درويش ، قال الروائي الكويتي أنه ذلك التعب الذي ينتابك وأنت تقرأ شعره قبل أن تفهم ، فهو شاعر الفواصل والنقاط التي يريد منها ملأها من عندياتنا ، ويميزه مفرداته الشعرية الحقيقية التاريخية التي تعيدنا لزمن "اليبوسيين" ولطالوت وجالوت وعصا موسى وبحر فرعون وخوار الثور !
أما عن خليفة محمود درويش فاعتبر أنه ليس شخصآ بل شعرآ لا يتكرر ، ويردد في كل المدى من الأزل إلى الأبد ، قائلا " هذا المغرور قتل فينا غرورنا واغرورقت عيناه بدموعنا . ..هذا المغرور قزمنا واستطالت قامته ! .. هذا المحمود أخجل العالم وأربكه !"
د. مصطفى الضبع : درويش أحد أعمدة الشعر العربي
الدكتور مصطفى الضبع أستاذ النقد الأدبي الحديث والأديب المصري رأى أن محمود درويش كان ولا يزال أحد أعمدة الشعر العربي حيث أزال الفجوة بين الشعر والمتلقين ، واعتمدت قصيدته على حداثتها على اللغة الفنية والبعد عن الإغراق في الغموض وحافظت على الوقوف مع القضايا العربية واكدت الهوية العربية ، كما ساعدت شبكة الإنترنت على انتشار وذيوع قصيدة درويش حتى أصبح اميرا للشعراء على الإنترنت جنبا بجنب مع الشاعر الكبير أحمد مطر ، ونستطيع رصد مسيرة المجاهد العربي الواعي لقضايا الأمة وفلسطين في درويش.
نجح درويش في الوصول للعالمية بجدارة ، ونذكر مثلا بسيطا لقصيدة "حالة حصار" التي قربت الصورة من المعاناة في فلسطين وكان لها صدى واسع على الإنترنت .
العمري : مات كمدا على اقتتال الأشقاء
أما الروائي المصري محمد عبدالسلام العمري فقال : أنا اظن أن درويش مات قهرا وكمدا على ما يحدث في الأراضي الفلسطينية واقتتال الأخوة على زعامة وهمية متناسين قضية إعلان الدولة وتحريرها ، لقد انشغل درويش بالذاكرة والتاريخ والتراث الشعبي الفلسطيني في محاولة مواجهة الحملة الشرسة لطمس الهوية الفلسطينية من الوجود .
لقد اكتشفه رجاء النقاش الناقد المصري الراحل في عام 1964 وقدمه على أنه شاعر الأرض المحتلة ، وكان كذلك بالفعل ، كما أنه شاعر الإنسان يغني له في كل مكان ، حتى أن إنسانيته تطغى على شعريته وكان يسعى لإضافة جديد بالتجربة الشعرية الخاصة به ، وجميعنا يعلم أن إنجازه الشعري الغزير كان بمقدمة الشعر العربي وكان الراحل يحتل مكانة عظمى لدى قراء الشعر ، وهو واحد من أفضل المشاركين في حركة الشعر الحديث .
د. القواسمة : كلماته لازمت الحالة الفلسطينية
الروائي والناقد الأكاديمي الأردني د. محمد عبدالله القواسمة رأى أن فقد محمود درويش مؤلما ، فقد اعتبره الكثير من الشعراء أبا لهم ، ولا شك أنه استطاع شغل الساحة الفلسطينية والعربية والعالمية بشعره.
فلسطين تودع شهداء كل يوم
وقال د. القواسمة مسجلا تطور سمات محمود درويش الشعرية ، أنه في المرحلة الأولى ساهم مع شعراء الأرض المحتلة: سميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وغيرهم في إيصال المأساة الفلسطينية إلى العالم العربي، وهي المرحلة التي توّجت بقصيدته" سجل انا عربي " وفي المرحلة الأخيرة التي تجسدت في مجموعاته الشعرية: أرى ما أريد، وحالة حصار، ولاتعتذر عما فعلت، وكزهر اللوز أو ابعد نقل القضية الفلسطينية ببعديها: الحضاري والإنساني إلى آفاق إنسانية رحبة ، وإن بدت في بعض جوانبها ملتبسة ومحيرة يصعب تاويلها لتتطابق مع الوضع الفلسطيني ، وبخاصة لو نظرها مثلا لقصيدته الاخيرة التي قالها قبل وفاته بقليل وهي " سيناريو جاهز" ساوى فيها بين الجلاد والضحية، عندما صوّرهما واقعين في حفرة ويريدان الخلاص منها، مع ان الحفرة أصلاً هي من صنع الجلاد!! .
ورأى الناقد الأردني أن أهم ما يميّز تجربة محمود درويش الشعرية والنضالية أنها تجربة ذاتية معجونة بالهم العام، كما أنها متطورة لم تقف عند مرحلة معينة دون أن تتجاوزها؛ فقد واكبت التعرجات والانحناءات التي مرت بها القضية الفلسطينية بدءا من نكبة 1948 مروراً بانتكاسات المقاومة الفلسطينية في بيروت ومرحلة أوسلو وانتهاء بالاقتتال الفلسطيني الذي أدانه درويش في عمله " أنت منذ الآن غيرك" ومن المدهش أن نلاحظ توافق التشكيل الفني في شعر درويش مع انحناءات الحالة الفلسطينية وتوتراتها؛ فكان الوضوح والمباشرة والحماسة في التعبير عن بداية المأساة، ثم الغموض في مرحلة تشتت المقاومة الفلسطينية في الثمانينيات من القرن الماضي، ثم التجريب والدخول في متاهات الرمز متوافقا مع مرحلة أوسلو وما صحبها من انقسامات على الساحة الفلسطينية والعربية.
اعتبر القواسمة أنه ليس للشعراء خلفاء مثلما الحكام؛ فلكل شاعر خصوصيته ، وهنالك شعراء كثيرون مثل درويش يحملون الهم الفلسطيني لكن معرفة العالم بهم لها ظروفها وشروطها التي ربما لم يتوافر مثلها لأحد منهم مثلما توافرت لمحمود درويش ، الأمر الذي اتفق مع فيه الأديب والمثقف العراقي أمجد سعيد .
وداعا
خوجة : أية أبجدية تكفي التعزية؟
الشاعرة والأديبة السورية غالية خوجة فضلت أن تعبر عن فقدانها لمحمود درويش شعراً ، فكتبت بعنوان " رثاء الأبدية " لمحمود درويش ونقتطف منها مقطعا تقول فيه :
أية أبجدية تكفي التعزية..؟
كل اللغات تبكي..
والشعر في أحضان الشعر يبكي..
لم يكن طيفاً، ولا رحلة..
سيبقى الأثير بين المجرات والقصائد والغناء..
هناك، تفتح "البروة" أجنحتها لتخطف التابوت وتطير..
وهنا..،
تصطف مجموعاته لتحمل النعش، فتطير الرموز، وتستعيد الحكاية سيرتها التي لن تنتهي..
ومن بين ضباب المعاني، يصهل الحصان:
لماذا تركتني وحيداً؟
..
الخطيب: درويش الأب الشرعي للنازحين
الأديب الفلسطيني أنور الخطيب والمسئول باتحاد كتاب الإمارات أكد أنه لا خليفة لمحمود درويش فهو " في سفر غير بعيد" ، وقال : "محمود درويش، الشاعر الأكثر استعيابا لأسطورة الحياة، بات أسطورة الشعر، الشاعر الأكثر ضجرا من الذاهبين إلى المنافي في أوطانهم، صار منفى للوطنيين والمواطنين خارج أوطانهم، الشاعر الأكثر مخاطبة للعدم، خلد أنفاسه في رحلة الهواء من شجرة إلى شجرة، ومن قرية إلى قرية، ومن عاصمة إلى عاصمة، الشاعر الذي أنقذ فلسطين من السياسات الملوثة، وحافظ على رونقها ببياض أبجديته، حتى بات الأب الشرعي للنازحين، وبوصلة المتقاتلين، الشاعر الذي أعطى للشعر ما لم يعطه شاعر آخر، وأعطى للسياسة ما لم يعطه سياسي آخر".
وأكد الخطيب أن محمود درويش ترك لنا تربة يكفي أن نحركها بأصابعنا فيتفجر من بين ذراتها ماء الشعر وحقول الفلسفة لعشرات السنين ، وأنه لم يُقرأ كما يليق بأمير الشعر والشعراء ، على حد وصفه ، معتبرا أن كل ما كتب عنه مجرد مناوشات لعالمه الرحب العميق ، ومعتبرا أن قصيدته لا تزال بكرا رغم عشاقها ، ورأى أنه من نكران الجميل أن يدور حديث أو تساؤل عن خليفة لمحمود درويش ، إذ لا خليفة لمتفرد في ابتكار أشكال القصيدة والإبداع.
من قصيدة "يُنقب عن دولة نائمة"
يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ...
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.
أَيها الواقفون على عتبات البيوت!
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلى أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسمُ الكاميرا
لمواليدِ بُرْجِ الحصار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.