خرجت في قناة الحرة ليلة أول أمس مع الكاتب القومي العروبي د.محيي الدين عميمور وزير الاعلام الجزائري السابق، وكان الموضوع.. كيف تتحول مباراة في كرة القدم إلى قضية سياسية.. كيف يمكن أن يفقد الوطن كرامته وشرفه بهدف في مرماه، بينما يتوج الآخر بالانتصار وعلو القامة بهدف يفوز به؟! شعرت بأنني أمثل مصر الكبيرة المتحضرة التي لا يجب أن تسقط في الردح السياسي والإعلامي الذي نتابعه بقلق وخجل منذ نهاية مباراة الخرطوم. وحتى أنا أسمع وأرى الدكتور عميمور الذي كان يشارك من الجزائر، منفعلا ومستنكرا ما فعله المصريون ملتمسا العذر للجزائريين، ظللت على موقفي، فأنا أعرف أن هذا الرجل المحب لمصر وملايين غيره من شعب الجزائر الشقيق يعيشون انفعال اللحظة، انفعال العشم في الأخ والحبيب والصدر الكبير الحاني. ظهر الأمر لبعض من تابعوا الحوار وسمعوا استنكاري لما حدث من الاعلام المصري وبعض السياسيين ورجال الأعمال والفنانين ضد الجزائر، أنني اتنازل عن واجب الدفاع عن وطني أمام حدة عميمور وهجومه، لكنني رأيت نفسي مترفعا. مصر يجب أن تحافظ على كبرها ووعيها وعلو قامتها، والانزلاق إلى الردح الاعلامي يدمر تلك المكانة وينزل قيمتها في نظر العرب الذين يقصدونها دائما عندما يحتاجون إلى حضن الأم. لم استجب إلى من حاول أن ينبهني بأن الدكتور عميمور يهاجم ويرفع درجة الهجوم بين كل فاصل وآخر. قلت إن الشعب الجزائري الشقيق ليس مائة ألف أو مائتي ألف ممن شجعوا المنتخب الأخضر وخرجوا في مسيرات تهليل، إنه أكبر من ذلك وأشمل. ربما لا تجد من زاد على الأربعة وعشرين عاما مهتما بالكرة ولا يتابعها. شعب عينه على قضايا أمته، مدافع صلد عن إسلامه. لا يجوز أبدا تجاوز الخط الأحمر فيما يخص الشعوب، وما نقوله عن الشعب الجزائري ينطبق على الشعب المصري صاحب التاريخ العريق في الدفاع عن قضايا أمته العربية والإسلامية، وقدم في سبيلها تضحيات لا تعد ولا تحصى بشريا وماديا ومعنويا، وعطل مسيرة تقدمه بسببها. كم قابلت من الجزائريين في ساحات الجهاد التي كنت أغطيها صحفيا. رجال كبار أقوياء أوفياء. ما زال مشهد الشاب الجزائري الذين حملني على كتفيه يوما في قندوز بشمال أفغانستان عندما أصابني البرد الشديد برعشة جمدت أطرافي، وكيف التف أخوة جزائريون آخرون حولنا لنقلي إلى أقرب مكان دافئ لانقاذ حياتي. هذا لا يضيع في لحظة كرة.. بهدف يركله لاعب بقدمه. إنهم رجال لا أنساهم ولا أنسى غيرتهم على الإسلام. في البداية لم يكن أحد منهم يعرف عني سوى أنني صحفي من بني جلدتهم العربية جاء ليغطي حرب المجاهدين الأفغان فيما بينهم بعد أن طردوا الاحتلال الروسي واسقطوا نظام كابل الشيوعي. وفجأة ونحن في بيت والي قندوز، وبينما يشعلون النار لتدفئة أطرافي المتجمدة التي توقفت الدماء فيها، لفت نظر أحدهم أن اسمي هو ذاك الذي أرسلت الحاجة "إيمان" تشتكيه في عدة مجلات دينية خليجية لأنني نشرت موضوعا عن أفلامها القديمة وقالت في الشكوى أنها بصدد رفع دعوى قضائية ضدي. وبدأوا جميعا يظهرون غضبهم الشديد دفاعا عن الحاجة إيمان، كيف لي ان اكتب عن فنانة اعتزلت وتابت إلى الله من أفلامها السابقة. شعرت كأنهم جميعا أشقاء إيمان أو من عائلتها. وشرحت لهم أنني لم أقصد ذلك بل كنت مدافعا عنها رافضا قيام بعض دور السينما في القاهرة في ثمانينات القرن الماضي بعرض جماعي لأفلامها القديمة لخدش اعتزالها وارتدائها الحجاب، وتحديا لها لأنها طلبت تدمير تلك الأفلام. الحاجة إيمان هي الفنانة السابقة شمس البارودي زوجة الأستاذ حسن يوسف. تفهموا الموضوع. ظلوا أياما يداوون مرضي في بيئة صعبة ينقصها الدواء. ولم يتراجعوا عن ارسال أحدهم لمرافقتي إلى إسلام آباد، والبقاء معي حتى سفري فقد كانوا يخشون على حياتي، وهناك أصر على أن أذهب لطبيب باكستاني ليوقف تدهور حالتي. هذه القصة كانت عابرة تذكرتها ولم يسمح الوقت بأن أسردها خلال لقاء "الحرة"..