يحتفي بعض الصحفيين كل عام من خلال منابرهم المصرية بتصدر أسرة ساويرس قائمة فوربس لأثرى أثرياء العالم، حيث يفتخر بعض الصحفيين بأن ثروة عائلة ساويرس (الأب أنسي ساويرس وأبناؤه الثلاثة نجيب وناصف وسميح)، طبقاً لتلك القائمة تقدر ب عشرين مليار وخمسمائة مليون دولار، أي حوالي 113 مليار جنيه مصري ( 113 ألف مليون جنيه مصري)، وهو رقم يعادل 41.5% من الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية مصر العربية. وثروة عائلة ساويرس وبخاصة الابن الأكبر "نجيب" لا تنحصر فيما تذكره فوربس بل تفوق ذلك بكثير، فالرجل يملك العديد من شبكات التليفون المحمول عبر العالم، في مصر، الجزائر، باكستان، تونس، العراق، بنجلادش، زيمبابوي، وأخيراً في ايطاليا، وذلك بعد استحواذه علي شركة "ويند" الإيطالية للتليفون المحمول، في واحدة من أكبر الاستحواذات في مجال الاتصالات في تاريخ أوروبا، حيث بلغت قيمة الصفقة نحو 17 مليار يورو، حوالي 145 مليار جنيه مصري ( 145 ألف مليون جنيه مصري). لماذا إذن يحرص رجل بهذا الثقل المالي العالمي على أن يظهر في مصر على أنه مدين للبنوك باستمرار؟. قفز هذا السؤال إلى ذهني وأنا أقرأ تقرير اقتصادي نشر هذا الأسبوع حول قروض ساويرس من البنوك المصرية، وكان من بينها القرض الذي حصلت عليه شركة الاتصالات المملوكة له من بعض البنوك المصرية ذلك القرض الذي قدره التقرير بثلاثة مليارات دولار، حصلت عليه الشركة من "الدولة" من أجل تسديد 3.3 مليار جنيه "للدولة" نظير موافقتها على تقديم شركته لخدمات الجيل الثالث، يعني ببساطة "منه فيه- خد قرض من الدولة عشان تدفع الرسوم اللي عايزاها الدولة". والسؤال الذي يفرض نفسه هو؛ إذا لم يستخدم الرجل أمواله الخاصة لتنمية مشروعاته الخاصة فمتى سيستخدمها؟ أيؤمن الرجل أمواله في البنوك السويسرية، ويخاطر في مشروعات مستقبلية بأموال البنوك المصرية؟. إن "بيل جيتس" يدفع عشرات المليارات لفعل الخيرات، بينما هنا يتم تجفيف منابع البنوك المصرية لصالح الطموحات الشخصية، فهل اقتدى ساويرس يوماً ب" بيل جيتس" ورصد على الأقل مليار دولار لتنمية المجتمع المصري؟ ذلك المجتمع الذي بأمواله المدخرة في البنوك المصرية كبر ساويرس، ومازال يعتمد عليها حتى بعد أن كبر، لذا عليه أن يعلم أنه كبر بأدوات الشعب المصري لا بأدواته، وأن لهذا الشعب بأمواله التي اقترضها ساويرس حق الشراكة معه في الأرباح ورأس المال منذ تأسيس شركته حتى الآن، وإذا أراد ساويرس أن يزداد ثراءً فليزداد بأمواله لا بأموال الشعب المصري. أما عن البنوك المقرضة فهل أصبحت عاجزة عن عمل مشروعات ومن ثم تبحث عمن تقرضه؟ ولماذا لا يدخل البنك شريكاً في مجال الاتصالات الذي تتجاوز أرباحه الخيالية 35 مليار جنيه سنوياً؟ ولماذا تحرص البنوك على ديمومة "إرضاع الكبار" بعد أن أرضعتهم كثيراً وهم صغار، و نتساءل... متى سيحدث الفطام؟. في العرف أن الذي يقترض يمر بضائقة مالية، فهل ساويرس "معذور" وفي "زنقة" حتى يقترض من أموال الشعب المصري المسكين؟. وفي الأمثال أن هناك صنفا من الناس يكون ثرياً ولكنه يتعمد أن يسير في قريته بشبشب بلاستيك وجلابية كستور، وإذا طلبت منه سلفه مائة جنيه أقسم لك أنه اشترى اليوم كيلو سمك "شكك"، والأعجب أن يطلب منك تسديد ثمن السمك!. فحرص هؤلاء المليارديرات على الظهور أمام المجتمع الداخلي في مصر بصورة المدين والمقترض دائماً، تخطيط يظن معه الملياردير أنه يقطع على قادة البلاد أي تفكير في أن يطلبوا من هذا الملياردير مبلغاً من المال يعالجون به أزمة طارئة تحل بالبلاد، فحينها سيقول الملياردير للقائد: "منين بس يا فندم دنا حتى عامل الجيل الثالث شكك"، وقد يتطور الأمر ويطلب الثري من القائد دفع ثمن كيلو السمك، ناسياً الحقوق الشرعية التي كفلها الشارع للسلطان في شأن أمواله. من هنا كان سمت غالب مليارديرات مصر الذين أثروا بأموال المصريين أن يظهروا بصورة الملياردير المدين للشعب المصري المسكين. [email protected]