صدمة جديدة قاسية لجموع المصريين أحدثها قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن إعمال رقابتها القضائية السابقة على المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 الخاص بمجلس الشعب حيث اعترضت على نص البند رقم 5 من هذه المادة الخاص بشرط أداء الخدمة العسكرية لعضوية مجلس النواب والذى اعتمده مجلس الشورى والذى ينص على اشتراط أن يكون المرشح قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى منها أو استثنى منها طبقا للقانون ، حيث ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى المطالبة بإلغاء عبارة أو استثنى منها طبقا للقانون، حيث ذهبت المحكمة الدستورية إلى المطالبة بالغاء عبارة "أو استثنى منها طبقا للقانون" التي اعتمدها مجلس الشورى لمعالجة حالة مئات الالاف من المصريين المعارضين للنظام السابق الذي قام الشعب المصري بثورته عليه والذين كانت التقارير الأمنية الصادرة من جهاز أمن الدولة المنحل تحول بينهم وأداء الخدمة العسكرية حيث كان يتم استثناؤهم بسبب تلك التقارير تذرعاً بمتقضيات أمن الدولة وذلك اعتماداً على تلك التقارير المشبوهة التي كانت تطال المعارضين للنظام خاصة المعتقلين من التيار الإسلامي وأقاربهم ربما للدرجة الرابعة وكان من يستثنى من أداء الخدمة العسكرية وفقا للمادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980 لا يستطيع التقدم للترشح لعضوية مجلس الشعب والشورى حيث كانت ترفض لجنة الانتخابات قبول أوراقه لعدم أداء الخدمة العسكرية أو الاعفاء منها ولم يكن أمامه من سبيل سوى اللجوء للقضاء لإلزام لجنة الانتخابات بقبول أوراقه وهو ما كان يستغرق وقتاً طويلاً في كثير من الأحيان وربما دون طائلٍ. وبدلاً من أن تثمن المحكمة الدستورية العليا هذا التعديل الذي يحافظ على حقوق شريحة من المواطنين في ممارسة بعض حقوقهم السياسية إذا بها تطيح بتلك الحقوق وتصدر قراراً بالإعدام السياسي عليهم حينما ذهبت إلى أن كل من تم استثناءوه من أداء الخدمة العسكرية طبقاً لمقتضيات أمن الدولة لا يكون مقبولاً أن يسمح له بالترشح للمجلس النيابي الذي يتولى مهمتي التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وهذا يحمل عواراً واعتداءً دستورياً ويمثل ظلماً فادحاً لمعارضي النظام السابق وخطراً على معارضي أي نظام قادم وذلك للآتي: 1- أوقع هذا القرار على شريحة من المواطنين عقوبة الحرمان من الترشح بغير نص قانوني أو دستوري عندما جعل مجرد تقارير جهاز أمن الدولة عن أحد المواطنين الذي تم استثناؤهم من أداء الخدمة العسكرية سبباً لحرمانه من أحد أهم الحقوق السياسية وهذا لا شك يتعارض مع نص المادة 76 من الدستور التي تنص على "... ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني ولا توقع العقوبة إلا بحكم قضائي". 2- هذا القرار يمثل اعتداء على الدستور الذي كفل حماية الحقوق والحريات ونص في المادة (80) على : "كل اعتداء على أي من الحقوق والحريات المكفولة في الدستور جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم..." وهل هناك اعتداء أكبر من حرمان مئات الالاف من المواطنين من حق الترشيح لعضوية المجالس النيابية والمحلية اعتماداً على تقارير مباحث جهاز أمن الدولة المنحل. 3- يمثل هذا القرار ظلماً فادحاً لمئات الالاف من المواطنين الذين تعرضوا لمطاردة جهاز أمن الدولة السابق منهم من اعتقل ومنهم من تسبب تقارير هذا الجهاز في استثنائه من أداء الخدمة العسكرية وهؤلاء بدلاً من تكريمهم لمعارضتهم النظام السابق إذا بالمحكمة الدستورية تعاقبهم مرة أخرى بحرمانهم من أهم حقوقهم السياسية وهو حق الترشح لعضوية المجالس التشريعية والمحلية ورئاسة الجمهورية. 4- يمثل هذا القرار خطراً على معارضي أي نظام يحكم مصر الآن أو مستقبلاً حيث أوجد الآلية القانونية لحرمان الشباب المعارض لهذا النظام من الترشح لأي مجلس تشريعي أو محلي أو للرئاسة بأن يتم اصدار قرار ادراي باستثنائهم من الخدمة العسكرية لمقتضيات أمن الدولة وذلك اعتماداً على تقارير أمنية. وفي الوقت الذي ذهبت المحكمة الدستورية في ذات القرار إلى تضييق دلالة المادة 232 من الدستور الخاصة بعزل فلول وقيادات الحزب الوطني إذا بها تتوسع في تفسير دلالة المادة 6 من قانون الخدمة العسكرية بما يؤدي إلى عزل مئات الالاف من المواطنين والمعارضين للنظام السابق مما دفع البعض إلى القول أننا أمام جريمة دستورية مكتملة الأركان لو توفر فيها سوء القصد. والسؤال الذي يفرض نفسه: أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين شباب الثورة الذي يمكن أن يتعرض لذات الأمر؟ أين المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي كفل له الدستور في المادة 80 الحق في ابلاغ النيابة العامة عن أي انتهاك لحقوق المواطنين؟ وأين مجلس الشورى؟ أم سيخرج علينا البعض ليقول هذه أحكام المحكمة الدستورية العليا المقدسة التي لا تمس ولا ترد؟ وهذا بدوره يعيدنا إلى نقطة هامة وهي ماذا يفعل المواطنون إذا ما أخطأت المحكمة الدستورية العليا في اجتهادها أو تجاوزت اختصاصها خاصة وهي محكمة من درجة واحدة، وقضاتها بشر يصيبون ويخطئون وقد يحتاجون أن يقال لهم "اعدلوا هو أقرب للتقوى".