كانت مظاهرة جماعة الإخوان المسلمين الأولى عند مسجد الفتح بميدان رمسيس في قلب القاهرة رسالة ذات مغزى وصلت بعلم الوصول إلى الحكومة المصرية والأحزاب وأمريكا وملخص الرسالة في سطر واحد: إننا أقوى جماعة سياسية معارضة على أرض مصر لمن كان له سمع أو بصر. ولكن مظاهرات الأربعاء 4/05/2005 وما تابعها من مظاهرات حتى الآن تعدت دلالات الرسالة إلى كتابة موقف تاريخي لجماعة الإخوان من أجل الحرية السياسية للشعب المصري. وتم تسجيل هذه الموقف بجانب موقف الجماعة من الاحتلال البريطاني لمصر وتعاونهم لتحرير البلاد من النظام الملكي الفاسد في بداية الخمسينيات، ولكن مظاهرات الأربعاء وما بعدها كانت سلمية حضارية وإن كان قد وقع قتيل في مدينة طلخا بالمنصورة نسأل الله أن يرحمه ويجعل مثواه الجنة وتوسعت دائرة الاعتقالات حتى شملت قيادات من الجماعة صمدت على موقفها التاريخي ولم تتزحزح عنه من أجل إسقاط كل القيود الاستثنائية المقيدة لحرية الشعب المصري. وما ذكرته كلمة حق كتبتها لأنها حق الجماعة رغم خلافي معهم في الكثير وهو ما لا يفهمه البعض من المتعصبين الذين يفهمون النقد بكلمة الحق التي توجه للجماعات الإسلامية على أنه حرام لا يجوز الجهر به خاصة مع الإسلاميين وحلال للشيوعيين والعلمانيين الذي يتملقونهم من أجل كلمة رضا ولكن هذا حال الكثير في الجماعات الإسلامية يحرمون نقد الحبيب ويحللون نقد البغيض. ولكن الموقف التاريخي لجماعة الإخوان يقف أمامه عائقان أوإشكاليتان: الأولى تتمثل في موقف قوى المعارضة السياسية التي احتفت بمظاهرات الإخوان احتفالا مريبا ومصدر الريبة أن تلك القوى الحزبية كانت تتآمر وما زال بعضها على الإخوان سرا وجهرا. والبعض يرجح أن الاحتفاء مقصود به القفز على ثمار الجماعة وقطفها سياسيا من خلال استغلالها في الطرح السياسي المعارض والتاريخ يحدثنا كم من شجرة خير زرعها الإسلاميون ، والتف حولها العلمانيون وقفزوا عليها لتقطف ثمارها وخير مثال حركة 23 يوليو في مصر ودور الإخوان البارز فيها ثم إقصاءهم وثورة الجزائر التي ارتوت بدماء الشباب المسلم المجاهد ثم جنى ثمارها العلمانيون. ويبقى أن نشير إلى أن حركة كفاية المعارضة بينها وبين الإخوان سرا إشكاليات كثيرة ولكنهم كانوا أول المحتفلين بمظاهرات الإخوان والمتباكين على شهيد الحرية والإخوان، فهل تعي جماعة الإخوان الدرس؟ أما الإشكالية الثانية، ما يردده الإسلاميون نقدا لإسقاط الإخوان شعار "الإسلام هو الحل" مقابل رفعهم شعار الحرية السياسية هي الحل واختفاء صوت المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية ويرى البعض مرد ذلك إلى التكتيك السياسي ولكن هناك فريق يرى أن الإخوان يتنازلون عن المعارك العقائدية من أجل العمل السياسي ويلعنون ساسا ويسوس وسياسة ويرون أن ذلك انتهازية سياسية لا تليق بالإسلاميين وفي رأيي أن مرد ذلك كله مردود إلى فقدان الرؤية الراشدة الفاصلة حول أيهما أولى الحرية أم الشريعة؟ وهي قضية هامة تناولها الكثير من المفكرين والعلماء ودارت رحاها داخل جماعة الإخوان من قبل ولم يفصل فيها حتى الآن. وإخيرا يبقى أن تغيرات كثيرة طرأت على الإسلاميين في مصر ومنهم جماعة الإخوان والتي بلورت تغيراتها سريعا في إطار عملي واقعي ولكن الجماعات الأخرى مازالت أسيرة مقيدة لم تفك قيودها وذلك له مقال آخر بإذن الله والله المستعان.