تمكن محمد على من فتح السودان عام 1820 وضمها لمصر تحت سلطة واحدة، واعترف الباب العالى العثمانى بذلك فى 27 مايو سنة 1866، حيث صدر فرمان سلطانى قضى بدمج السودان مع مصر فى ولاية عثمانية واحدة، وصدرت بعد ذلك عدة فرمانات مكملة لهذا الفرمان فصلت وأوضحت وأكدت هذا الدمج، وأكدت أيضا على عدم أحقية ولاة مصر فى التنازل عن أى امتيازات قد تكون أعطيت لهم، سواء فى مصر أو فى السودان، أو التخلى عن أى جزء من هذين الإقليمين، أو عقد أية اتفاقات بشأنهما. وبعد الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882، عمدت بريطانيا إلى فصل السودان عن مصر بشتى الطرق، فطلبت فى عام 1884 سحب قوات الجيش المصرى من السودان، فرفض شريف باشا رئيس الوزراء فى ذلك الحين هذا المطلب، ثم قدم استقالته احتجاجًا على تواطؤ الخديوى توفيق مع الإنجليز، وموافقته على سحب الجيش المصرى من السودان. بعد ذلك عادت القوات المصرية إلى السودان، ولكن تحت قيادة الإنجليرى اللورد كتشنر، وتمكنوا من دخول أم درمان فى 2 سبتمبر 1898، وتم رفع العلمين المصرى والإنجليزى فى السودان، فتم استعادة السودان قبل أن تبسط فرنسا سيطرتها عليها. وفى مثل هذا اليوم من عام 1899، وقعت بريطانيا مع مصر اتفاقية الحكم الثنائى للسودان، وقد وقعها عن بريطانيا المعتمد البريطانى فى مصر حينذاك "اللورد كرومر"، وعن مصر "بطرس غالى باشا" ناظر الخارجية المصرى فى ذلك الحين. وتعد هذه الاتفاقية بمثابة سلسلة طويلة من الألغام المدفونة فى طيات العلاقات المصرية السودانية، بحيث ينفجر أحدها كل حين ليعكر صفو العلاقات بين الشعبين الشقيقين، فإذا ما صفى الجو.. ينفجر لغم جديد لتظل عواصف الغبار مستمرة على الطريق بين البلدين. لقد تضمنت هذه الاتفاقية أو استحدثت لأول مرة خطًا للحدود بين مصر والسودان، رغم أن البلدين كانا من الناحية السياسية ولاية واحدة تابعة للدولة العثمانية، إلا أن الإنجليز رسموا خطًا فاصلًا بين البلدين، وتم تحديده على الخريطة بخط العرض رقم 22 شمالًا، وجاء هذا الفصل الجغرافى بين البلدين فى غير محله تمامًا لأنه لم يراع الطبيعة الاجتماعية لسكان هذه المنطقة، وليس ثمة مرجع تاريخى للحدود الجغرافية بين مصر والسودان سوى هذه الاتفاقية التى صاغها الإنجليز، ليذبحوا بها جسدًا واحدًا، ويشطروه نصفين ليسهل ابتلاعه وهضمه، حيث فصلت الاتفاقية السودان عن مصر، فجعلت للسودان كيانا إداريا مستقلا ومنفصل عن مصر، وأصبح لها تشريعات خاصة، ونجح الجزّارون الإنجليز فى ذبح جسد وادى النيل. وفى 10 يوليو من عام 1899 ألحقت الحكومة الإنجليزية بنصوص هذه الاتفاقية اتفاقًا آخر بمقتضاه أصبحت جميع السلطات العسكرية والمدنية فى يد الحاكم العام البريطانى للسودان لا يشاركه فيها أحد، ويتولى بموجب هذا الاتفاق السلطتين التشريعية والتنفيذية!!. وفى 8 أكتوبر سنة1951أعلن مصطفى النحاس باشا- رئيس وزراء مصر - أمام مجلس النواب والشيوخ إلغاء اتفاقيتى 19يناير، و10 يوليو 1889 بشأن إدارة السودان.