كيف أضاع عبد الناصر السودان النظم الاستبدادية تربط مصيرها دائما بالقوى الاستعمارية التي تؤيدها وتحرص على بقاءها في الحكم، استمرارا لمصالحها في دولها المنكوبة بها، وهم في سبيل البقاء، والبقاء وحده، مستعدون بلا أدنى تردد لتنفيذ أجندة القوى الاستعمارية، حتى ولو كان فيه إضرارا بالمصالح العليا لأوطانهم وأمنها القومي. وخير مثال على ذلك: ما قامت حركة الجيش 1952 من تنفيذ لمؤامرة القوى الاستعمارية لتقسيم السودان، بدءا بفصل السودان عن توأم روحها مصر، ، فمخطط فصل جنوب السودان عن شماله بدأ بفصل السودان عن مصر.....فكيف تم ذلك للاجابة نعود لاصل المسألة اهتمت مصر منذ عهد الفراعنة بارتياد منابع نهر النيل للمحافظة علي استمرار جريان النهر مصدر حياتها وفي العصر الحديث عمل محمد علي علي تكوين امبراطورية ضمت مصر والسودان وامتد اصلاحتة الي السودان وحفاظ خلفائة علي الوحدة بين البلدين وقد اتخذ الخديوي اسماعيل لقب "خديوي مصر وصاحب بلاد النوبة ودار فور وكوردفان وسنار "وعندما احتلت انجلترا مصر عام1882 تطلعت جنوبا الي السودان وعملت علي دعم النفوذ البريطاني وحدة واقصاء الوجود المصري واضعافة وتم توقيع اتفاقية الحكم الثنائي عام 1899واستغلت كل الفرص لاجبار مصر علي سحب قواتها من السودان كما حدث عقب مقتل السيرلي ستاك في عام 1924 وظلت قضية السودان حجر عثرة في جميع المفاوضات بين مصر وبريطانيا للجلاء عن وادي النيل كمفاوضات سعد –مكدونال 1924 ومفاوضات النحاس –هندرسون 1930 وقال النحاس( تقطع يدي ولا تقطع السودان ) ويترك الوزارة والحكم ولايفرط في السودان وقد سجلت معاهدة 1936 في عهد وزارة مصطفي النحاس باشا بعض التقدم فيما يتعلق بالسودان فقد تقرر بموجب نص في المعاهدة علي عودة قوات مصرية الي السودان كما كانت قضية السودان من اسباب فشل مفاوضات صدقي باشا عام 1946 اذا تضمن مشروع المعاهدة بروتوكلا خاصا بالسودن جاء فية "..الوحدة بين مصر والسودان تحت تاج مشترك هو تاج مصر " وتم توقيع اتفاقية صدقي –بيفن الا ان الجانب البريطاني تراجع عما قبلة واستكتر علي المصريين الاحتفاظ حتي بالسيادة الرمزية علي السودان ممثلة في التاج المشترك وبعد استقالة اسماعيا صدقي .عاد النقراشي لرئاسة الوزارة وضاعف الانجليز من جهودهم لفصل السودان نهائيا عن مصر وفي الوقت نفسة للفصل بين شمال والسودان وجنوبة واضطر النقراشي الي عرض قضية مصر علي مجلس الامن والقي خطاب امام مجلس الامن في 5 اغسطس 1947 وقال فيما يخص السودان "ان البريطانيين قد توسلوا بالدعاية والبطش لاسكات جموع السودانيين الذين ينادون ببقاء وحدتهم مع مصر قائمة فقد انقدوا في السنة الماضية علي نائب الوفد السوداني الذي يدين بالوحدة واعتقلوة وفي شهر يونية من السنة الحالية صودرت ثلاث صحف موالية لمصر تعسفا فادي ذلك الي اضراب عام للحف في الخرطوم واتخذت سياسة بريطانيا لفصل مصر عن السودان مظاهر شتي منها حظر الدعاء التقليدي في المساجد في خطب الجمعة للوالي الشرعي مليكنا ومنها ابعاد المصريين عن الوظائف وعرقلة العلاقات الثقافية بين مصر والسودان وحرمان السودانيين من خريجي الجامعات المصرية من التوظف في حكومة السودان ..واتجاة مساعي بريطانيا نحو تقسيم السودان واستخدام اللغة الانجليزية بدلا من العربية في مدارس جنوب السودان وكانت قضية السودان ايضا من اسباب فشل المفاوضات المصرية –البريطانية التي جرت بعد ذلك في عهد اخر حكومة وفدية (1950-1952)وتولاها من الجانب المصري وزير الخارجية محمد صلاح الدين وعن الجانب البريطاني السير رالف ستيفنسون السفير البريطاني في القاهرة من مارس 1950 الي نوفمبر 1951 وفي هذة المفاوضات ركز الجانب المصري علي ان مصر والسودان بلد واحد لة تاج واحد هو التاج المصري وان هذة الوحدة الطبيعية يقررها التاريخ منذ القدم وتؤيدها الجغرافيا فضلا عن روابط الاصل واللغة والدين والتقاليد والعادات بل وارادة السودانيين ومقاطعة السودانيين الانتخابات الجمعية التشريعية التي انشاها الحاكم العام البريطاني ومجلسة ..ولقد رد المستر بيفن بانة ياسف لان الوزير المصر ربط بين مسألة السودان ومصر ولقد ادت هذة الخلافات الي اغلاق باب المباحثات في 6 اغسطس 1951 ثم اعلان مصطفي النحاس في بيانة التاريخي بمجلس الشيوخ والنواب في 8 اكتوبر 1951 انهاء العمل من جانب واحد باحكام معاهدة 1936 وباحكام اتفاقيتي 19 يناير و10يونية سنة1899بشان ادارة السودان والي تعديل الدستور المصري القائم (دستور 1923 )للنص فية علي ان يصبح لقب الملك هو (ملك مصر والسودان ) والواقع ان الغاء المعاهدة والغاء شرعية السلطة البريطانية في السودان كانتا السبب في حريق القاهرة ومن ثم وصول عبد الناصر الي حكم مصر ووضع زعماء الوفد في السجن وهكذا لم تجرؤ حكومة أيا كان انتماؤها قبل الثورة الموافقة على فصل السودان، لما كانوا يدركون من خطر هذا الانفصال على مصالح مصر العليا، الثوار والسودان فقد كان علي راس المباديء الستة التي اعلنتها حركة الجيش القضاء علي الاستعمار واعوانة فقد اخذ هؤلاء الضباط يمهدون للدخول في مباحثات جديدة مع الحكومة البريطانية وخلافا لوجهة النظر المصرية السابقة وافقالحكام الجدد علي الفصل بين قضية السودان وقضية الجلاء عن مصر وبداوا بالاولي التي طالما كانت حجر عثرة علي طريق المفاوضات المصرية البريطانية وتحطمت عليها طويلا جهود الطرفين وحرروا انفسهم من قيود الماضي ونظرياتة المستمدة من معطيات التاريخ واحكام القانون الدولي كحقوق السيادة والتملك والفتح ولم يلزموا انفسهم بالشعار الذي التزم بة اسماعيا صدقي والنحاس ومحمد صلاح الدين والقائم علي وحدة مصر واسودان تحت التاج المشترك فلم يكن يعنيهم ان يزدان التاج المصري بدرة جديدة حسب تعبير اسماعيل صدقي وهم الذين ثاروا علي الملك وارغموة علي التخلي عن عرشة واخذوا يعدون تدرجيا لاعلان النظام الجمهوري واسقاط حقوق اسرة محمد علي في عرش مصر والسودان ولقد عبر جمال عبد الناصر عن ذلك بقولة "انة لا يخشي السودان الحر وانما يخشي السودان المحتل "وفوجيء المفاوض البريطاني بهذا التكتيك الجديد من جانب المفاوض المصري الذي فرط في حقة فقد قرر رجال الثورة أنه إذا كان لهم أن يحققوا جلاء الإنجليز عن مصر فيجب أن يتخلوا عن السودان ,وتم إتخاذ القرار ليلاً وبعيدا ً عن الأمة أو ممثلى الشعب ولم تلبث المفاوضات أن بدأت فى القاهرة مع بريطانيا لتعديل دستور الحكم الذاتى فى نوفمبر 1952 ,وعندما تعثرت المفاوضات إقترح السفير البريطانى فى مصر على محمد نجيب قائد الثورة إرسال وفد للسودان يقوم بجولة تفقدية لأحوال جنوب السودان ,وتم إرسال الرائد صلاح سالم , فى 28 ديسمبر 1952 ,واستغرقت الرحلة 10 ايام , وشارك صلاح سالم قبيلة الدنكا فى الجنوب فى رقصة شعبية حربية عارى تماما ً وفقا ً لعادات أهل الجنوب ,وفرح أهل الجنوب بهذا وقابلوا رقصة صلاح سالم بالسرور ,ولكن القيادة الإنجليزية غضبت وسخرت من فعلة صلاح سالم , وأطلقة عليه إسم (الرائد الراقص )