أسرار السفر الذكي: كيفية العثور على أفضل عروض الطيران مع طيران الاتحاد    لهذا السبب.. رئيس جامعة المنصورة يستقبل رئيس الهيئة العامة لتعليم الكبار    رئيس الوزراء يتفقد سيارات «تاكسي العاصمة» بالعاصمة الإدارية    ترامب يعلن أنه سيقبل مناظرة بايدن في 27 يونيو    صحيفة أمريكية تتساءل: هل سيكون التهديد الكوري الشمالي أكبر في عهد بايدن أم ترامب؟    تشكيل فاركو لمباراة بلدية المحلة في الدوري    حريق ب4 وحدات سكنية فى السويس    جائزة التميز الإعلامى العربى ل«القاهرة الإخبارية»    أحمد داود ضيف شرف فيلم «الست» بطولة مني زكي    برلمانية تطالب بإنشاء مركز لعلاج ومكافحة الإدمان بالمنوفية    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    حصول 6 مستشفيات جديدة على اعتماد جهار "GAHAR" بمحافظات من داخل وخارج المرحلة الأولى للتأمين الصحي الشامل    وليد فواز يكشف رحلة كفاحه فى العمل الفنى ومغامراته مع الفنان أحمد زكي(فيديو)    طرح ديو "بنجيب القرش" لمصطفى حجاج وحاتم عمور (فيديو)    الطاهري: "القاهرة الإخبارية" كانت توجيهًا رئاسيًا في 2017 والآن تحصد جائزة التميز الإعلامي    رئيس الهيئة العامة لتعليم الكبار يشيد بجهود جامعة المنصورة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة بإحدى الجبهات الرئيسية بالقوات المسلحة    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    الصرف الصحي: الانتهاء من تنفيذ خط طرد محطة بيجام بتكلفة 180 مليون جنيه    وزير النقل: تشغيل مترو الخط الثالث بالكامل رسميا أمام الركاب    رئيس رابطة الجامعات الإسلامية في جولة تفقدية بمكتبة الإسكندرية.. صور    اعرف قبل الحج.. حكم الاقتراض لتأدية فريضة الحج    رجال أعمال الإسكندرية تتفق مع وزارة الهجرة على إقامة شراكة لمواجهة الهجرة غير الشرعية    وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة.. شاهد    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    وزير التعليم العالي ل النواب: السنة تمهيدية بعد الثانوية ستكون "اختيارية"    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    المشرف على الحجر الزراعي المصري يتفقد المعامل المركزية بالمطار    موعد بدء إجازة عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    «الصحة» تقدم 5 نصائح لحماية صحتك خلال أداء مناسك الحج 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    بلينكن: سنوصل دعمنا لأوكرانيا وسنبذل قصارى جهدنا لتوفير ما تحتاج إليه للدفاع عن شعبها    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    سؤال يُحير طلاب الشهادة الإعدادية في امتحان العربي.. ما معنى كلمة "أوبة"؟    الأهلي يتلقى ضربة موجعة قبل لقاء الترجي في نهائي أفريقيا    الداخلية: سحب 1539 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة إلي المستقبل
مصر وانفصال جنوب السودان عن شماله
نشر في الأخبار يوم 22 - 11 - 2010

في مستهل العام القادم سيكون العرب قد خسروا نصف دولة، وهي السودان، لأول مرة في تاريخهم الحديث. وذلك بعدما أصاب بعض من دولهم الأخري. فانسلخ جزء من الصحراء المغربية عن المملكة المغربية وتم الإعلان عن (جمهورية صحراوية)!! وتفتت الصومال إلي عدد من الدويلات المجهولة. وتم تدمير واحدة من أهم الدول العربية وهي العراق، تكرس فيها انقسام طائفي ظاهر توزعت فيه السلطات بين رئيس جمهورية كردي ورئيس وزراء شيعي ورئيس برلمان سني. كما هو الحال في لبنان الذي توزعت فيه السلطات بين رئيس جمهورية ماروني مسيحي ورئيس وزراء سني ورئيس برلمان شيعي.
لكن حالة السودان فريدة في نوعها. فمن جهة لن تكون دولة جنوب السودان التي ستعلن عن نفسها في يناير القادم عربية، ولن تنضم إلي جامعة الدول العربية في الغالب. ومن جهة أخري لخصوصية العلاقة بين مصر و السودان. وهي علاقة لا تشبهها أية علاقة بين مصر وأية دولة أخري، لا في العالم العربي ولا في غيره.
نشأت شخصيا مثل غيري من المصريين علي رؤية السودانيين يعيشون بيننا ويعملون معنا ونعتبرهم منا. تعلمنا في دروس التاريخ الامتزاج بين الحضارة الفرعونية والحضارة السودانية، مثلما تعلمنا في الجغرافيا الصلة بين الأراضي المصرية وعمقها السوداني، وامتداد نهر النيل، شريان الحياة، القادم لنا عبر السودان وحفظنا فروعه فيه.
لذا أشعر بحزن وغم كلما تابعت أنباء الاستفتاء علي مصير جنوب السودان، وحرص الدول الغربية وعلي رأسها الولايات المتحدة وضغوطها من أجل تنفيذه. فهذه الدول لها مصلحة مؤكدة في تقسيم السودان، لأن لها مصلحة مؤكدة في إضعاف العرب. ولهذا فهي تقف مدعمة علي طول الخط لإسرائيل. ضعف العرب ودعم إسرائيل هما سياستان منسقتان في استراتيجية واحدة يخطط لها الغرب وينفذها بمساعدة من الأشقاء العرب أنفسهم ضد أنفسهم!!
هذا الحدث الفريد الذي يحدث لأول مرة في تاريخ العرب الحديث، وهو فقدان قسم من دولة عربية، وارتباطي الشخصي بسودانيين منذ تعرفت علي الباقر أحمد عبد الله في سنة أولي جامعة، جعلاني أبحث عن إجابة للسؤال: لماذا وصلنا الي خسارة جنوب السودان؟ فاستعدت تاريخا رأيت أنه قد يكون من المفيد أن أنشر ملخصه الشديد علي قرائي في هذا الوقت بالذات.
بدأ محمد علي باشا حاكم مصر في إرسال بعثات استكشافية إلي السودان بعد دخول قواته هناك عام 1822. قام مقدم في الجيش المصري اسمه سليم بثلاث رحلات وصل خلالها الي خط عرض 5 شمال خط الاستواء في وقت كانت فيه منابع النيل من الأحاجي. وبعدما تولي الخديو إسماعيل حكم مصر اهتم أكثر بالسودان، فاستطاع خلال أقل من عشر سنوات أن يصل بجيشه الي جنوبي خط الاستواء في أوغندا وغربا في إقليم بحر الغزال ودارفور وشرقا إلي بربر وهرر علي خليج عدن. تنازل السلطان العثماني لمصر عن مصوع وسواكن عام 1865 وعن زيلع عام 1875 وذلك مقابل إتاوة سنوية. ونقل المؤرخ المصري محمد رفعت عن المستكشف الألماني شوينفورت قوله (إن القوة والنفوذ اللذين كانا لمصر من سنة 1870 حتي 1880 علي أراضي النيل العليا الشاسعة لم يتمتع بمثلهما أعظم الأمم في التاريخ، أعني الإنجليز والبرتغاليين، وقد كان الأمن في تلك الربوع السحيقة مستتبا بدرجة ليس لها شبيه من قبل).
علق محمد رفعت قائلا (ولكنها - وا أسفاه - كانت وثبة في الظلام، فلم يمض إلا القليل حتي أحست مصر أنها مسوقة إلي الهاوية، واضطرت الي إخلاء بلاد بذلت فيها كثيرا من جهدها ومالها ودماء رجالها). بعد أن نص فرمان عام 1873 الذي أصدره السلطان العثماني علي أن يحكم الخديو إسماعيل وذريته جميع ملحقات مصر في أفريقيا، انسحبت مصر من السودان بسبب قيام الثورة المهدية هناك من جهة وبسبب تعليمات الحكومة البريطانية من جهة أخري. فاستقال رئيس الوزراء شريف باشا محتجا وأتت وزارة نوبار باشا فنفذت الإخلاء. حاصر المهديون الجيش المصري في الخرطوم في يناير 1885 وقتلوا الحاكم الإنجليزي غوردون. سيطر المهديون علي كل السودان ما عدا مديرية خط الاستواء التي حكمها ألماني (شنتزلر) الذي أسلم وتسمي أمين باشا!!
استعاد الإنجليز سيطرتهم علي السودان، ووقعوا اتفاقا مع مصر في 19 يناير 1899 منحهم سلطة مطلقة علي الحكم هناك. وكان هذا اتفاقا غريبا بين دولة مستعمرة (بريطانيا) وبين دولة ثانية تحتلها الدولة الأولي (مصر) علي احتلال دولة ثالثة (السودان)! وبالتالي لم يكن لمصر في السودان سوي الاسم فقط. ويعلق محمد رفعت علي نتيجة هذا الاتفاق الغريب (كان الغنم كله لإنجلترا والغرم علي مصر). فكان علي الحكومة المصرية مثلا أن تنفق علي السودان، وتتحمل وحدها العجز بين مصروفاته وإيراداته. وكانت تدفع إعانة للسودان سنوية قدرها ثلاثة أرباع المليون جنيه. خفضها البرلمان المصري عام 1937 إلي نصف مليون جنيه مصري. ثم انخفض إلي ربع مليون جنيه في العام التالي وتوقف من سنة 1939. ولك أن تتخيل قيمة الدعم المصري بأسعار هذه الأيام!
عملت السياسة البريطانية دائما علي التفريق بين مصر والسودان من جهة، والاستغناء بالسودان عن مصر من جهة أخري وبخاصة في الزراعة، وبالأخص في زراعة القطن. بالأساليب الاستعمارية نفسها التي مارستها إنجلترا في مصر. واصبح السودان موضوعا أساسيا في الصراع بين مصر وإنجلترا منذ ثورة 1919. تجلي هذا في مناسبات عدة، منها إخفاق مفاوضات زعيم الثورة سعد زغلول مع إنجلترا عام 1924،واغتيال سير لي استاك رئيس أركان الجيش المصري والحاكم العام للسودان بعد أسابيع قليلة من فشل المفاوضات. فرد اللورد اللنبي الحاكم الإنجليزي لمصر (بصفة معتمد) بطرد الجيش المصري والموظفين المصريين من السودان. لكن إنجلترا تراجعت لحماية مصالحها في مصر فقبلت استقالة اللورد اللنبي، وأبرمت عام 1929 اتفاقا مع مصر بخصوص مياه النيل.
عندما وقعت إنجلترا معاهدة 1936 مع مصر كان من أهم موادها تلك المتعلقة بالسودان، وهي المادة 11 التي أكدت استمرار نصوص اتفاقيتي 1899. وتنفيذا لمعاهدة 1936 عينت مصر خبيرا اقتصاديا لها في السودان، كما عين الحاكم العام الإنجليزي سكرتيرا حربيا له من الجيش المصري. وعادت قوات مصرية الي السودان. وأنشأت الحكومة المصرية مدرسة ثانوية في الخرطوم سنة 1943،وبعض المدارس الأولية في مناطق تجمع المصريين.
في الحرب العالمية الثانية شارك جنود سودانيون في جيوش الحلفاء ضد المحور. وكان جزاء السودان بعد ذلك أن قرر الحاكم العام الإنجليزي عام 1943 شطره إلي قسمين : الشمال والجنوب، يفصل بينهما خط عرض 12 شمالا. وبذلك وضع سيادته بذور انفصال الشمال عن الجنوب الذي يجري الاستفتاء عليه في يناير القادم، بعد 67 عاما من قرار الحاكم الإنجليزي. ضم الشطر الشمالي ست مديريات، وضم الشطر الجنوبي مديريتين هما : خط الاستواء وأعالي النيل.
ردت مصر بالتمسك بوحدة شعب وادي النيل في مصر والسودان. بل كتب الأستاذ العلامة سليمان حزين رحمه الله عدة مقالات في مجلة الكاتب المصري، التي كان يصدرها العبقري طه حسين في الأربعينيات من القرن الماضي، رأي فيها ضم بعض أطراف الهضبة الاستوائية الي هذه الوحدة. كما قال بأن الزراعة لن تتقدم في جنوب السودان إلا إذا انتشر أهل الشمال فيه وعملوا علي تقدمه. وهو عكس ما يحدث الآن من العمل علي انفصال الجنوب عن الشمال. وأكد علي عدم تعارض مصالح مصر والسودان، وضرورة التنسيق بينهما. وأهمية كل بلد إلي الآخر لأسباب طبيعية جغرافية وتاريخية واقتصادية واستراتيجية يكللها نهر النيل. وكتب حزين في مجلة الكاتب المصري عدد يونيو 1947 بالنص: (أن مصر لا تملك أن تتقدم بنفسها وأن تترك السودان يتخلف عن الركب، فجسد هذا الشعب جسد واحد، رأسه في الشمال وقوامه في الوسط والجنوب).
فمن عمل علي انفصال هذا القوام عن بعضه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.