محمد على حارب في السودان خوفا على منابع النيل وعبد الناصر أقام السد العالي القاهرة- الزمان المصرى:حافظ الشاعر لم تكن أزمة المياه وليدة اليوم ولكن تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ ..ففي 2 مايو عام 1929أرسل مصطفى النحاس إلى تشمبرلين وزير الخارجية البريطاني آنذاك احتجاجا على اتفاقية مياه النيل ووصفت قضية المياه حينذاك بمسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر ، وكتب إبراهيم فوزي باشا كتاب (السودان بين يدي كتشنر وغوردن )وضح فيه دوافع محمد على في الاتجاه جنوبا فكانت هناك دولة أوروبية تسعى لمعارضته باحتلال منابع النيل ،فجمع المهندسين الإوروبين الذين جاء بهم من بلادهم إلى مصر ، وأقروا جميعا أن وقوع منابع النيل تحت براثن هذه الدولة – وكان المقصود بها بريطانيا – سيضع مصر تحت رحمتها فصمم على انفاذ الحملة إلى السودان ، والكاتب الإنجليزي سيدنى قرر الحقيقة نفسها في كتابه ( ضبط النيل والسودان الحديث )ودلل على أسبقية هذا السبب على غيره في اتجاه مصر جنوبا أمران ..أولهما ..أن حركة التقدم المصري جنوبا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر تواكبت مع تعاظم شبكة الري التي نجحت مصر فى إقامتها خلال تلك الفترة ،وزادت أطوال الترع خلال عصر محمد على بما يصل إلى 1100كيلو متر ، والحملة إلى السودان بدأت في نفس عام إتمام كبرى الترع التي حفرت في عصر محمد على وهى ترعة المحمودية التي استكملت عام 1920..وثانيهما الرحلات الكشفية التي بعثت بها مصر بامتداد مجارى النيل ،السوباط والنيل الأبيض والتي قادها سليم قبطان أحد الضباط المصريين خلال الفترة بين عامي 1839 ،1841ويصعب فصل العمليات الكشفية عن عملية بناء القناطر الخيرية ،التي تمثل ذروة مشاريع الري في عصر محمد على والتي شرع فى بنائها قبل عام واحد من رحلة قبطان . المدهش أن مصر دخلت السوق العالمية خلال السنوات الأولى لعصر إسماعيل ،خلال فترة الحرب الأهلية الأمريكية التي خلقت ما يسميه الاقتصاديون بمجاعة القطن نتيجة توقف تصديره من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى أوروبا ،وتبع ذلك أن زادت صادرات مصر القطنية خلال تلك السنوات الأربع من 60مليون رطل إلى 274مليون رطل ..مما أدى إلى زيادة العناية بمشاريع الري وحفرت في عهد الخديوي إسماعيل 13500 كيلومتر من الترع أى أكثر عشر مرات مما حفر في عهد جده ..ولعل ذلك يفسر الأسباب التي دفعت مصر خلال عصر هذا الحاكم إلى الجري وراء النيل والوصول إلى أقصى منابعه ..جنوبا إلى المنابع الاستوائية وشرقا إلى المنابع الحبشية . وفى أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن التاسع عشر بدأ التقدم المصري ناحية الجنوب وضم كل ما أصبح يشكل فيما بعد جنوب السودان فضلا عن المناطق الشمالية من أوغندا وتمكن المصريون من الوصول إلى مخارج النيل من بحيرات الهضبة الاستوائية ودفعت مصر ثمنه بعد ذلك والسبب أنها استخدمت الأجانب على نطاق واسع فى حكم تلك الجهات خاصة الإنجليز ويشتهر منهم السير صمويل بيكر والجنرال تشارلز غوردن وأصبح الأخير فيما بعد حاكما عاما للسودان ..وفى اتجاه الشرق كانت التكلفة أكثر فهناك كانت توجد مملكة متماسكة وقفت حجر عثرة أمام محاولة إسماعيل في الوصول إلى منابع النيل الحبشية وكلفت المحاولة مصر ثلاث حملات خلال عامي 1875،1876وانتهت بعقد معاهدة صلح بين البلدين لم تنل مصر منها ما كانت تسعى إلى تحقيقه من اعتلاء الهضبة ..وانتهى عصر إسماعيل وتم تأمين جريان النهر إلى مصر إلى حد كبير غير أن الأخطار كانت تتربص بمصر فى الوقت نفسه ولم تتأخر كثيرا في أن تحيق بها وأثرت على العلاقة بينها وبين السودان ..وفى ثمانينيات القرن التاسع عشر احتلت بريطانيا مصر عام 1882، وقامت الثورة المهدية في السودان وانتهت بمأساة شيكان عام 1883وقرار الحكومة البريطانية بخروج مصر من السودان ،وأصدر السير ايفلين بيرنج ممثل بريطانيا في مصر أن إخلاء السودان لن يترتب عليه أى تهديد لاستمرار جريان مياه النيل إلى الشمال على اعتبار ان الدولة المهدية لا تملك الإمكانات الفنية لتشكيل مثل هذا التهديد ..إلا أن محمد شريف باشا رئيس الوزراء المصري آنذاك لم يقتنع بما قاله ممثل بريطانيا وأن هناك مخاطر هائلة سوف تحدق بمصر إذا ما تم تنفيذ خطة بيرنج فالقرار معناه تمكين الثوار من مجرى النيل من منابعه إلى نقطة تعتبر حدا جنوبيا لمصر مما دفعه إلى تقديم استقالته ..انظروا إلى ما يحدث الآن في دار فور ..،ولم يمض وقت طويل حتى تبين السير بيرنج الذي أصبح اللورد كر ومر منذ عام 1891خطأ سياسته ..وهنا احتد الخلاف بين دولتين بريطانيا وفرنسا وحاولت حكومة باريس بالإمساك بورقة المياه فى التعامل مع بريطانيا ..ووصل الأمر إلى تحرك حكومة لندن واستعدادها للحرب من أجل هذه القضية . فالعلاقة بين مصر والسودان مرت بأربع مراحل ..من 1820وعام 1885حيث كان المسعى المصري يدور حول الوصول إلى منابع النيل الاستوائية والحبشية ..وخلال تسعينات القرن التاسع عشر شهدت تقدما حثيثا من سائر القوى الأوروبية التي وضعت أقدامها حول حوض النيل ..بلجيكا وفرنسا من الجنوب الغربي ،وألمانيا من الجنوب الشرقي ،وايطاليا من الشرق ،ووقعت بريطانيا مجموعة من الاتفاقيات لتوزيع مناطق النفوذ كان الهدف الأساسي من ورائها إبعادها عن روافد النيل العليا .. وفى أعقاب قيام الحكم الثنائي بمقتضى اتفاقية عام 1899عقدت مجموعة اتفاقيات مع الدول المجاورة لتعيين الحدود مع مراعاة عدم التدخل في جريان مياه النيل مثل المعاهدة الموقعة مع الحبشة فى 15 مايو 1902 تضمنت تعهدا من جانب حكومة أديس أبابا بعدم التدخل فى مياه النيل الأزرق وبحيرة تانا بشكل يؤثر على كمية المياه فيهما ،والمعاهدة المعقودة مع حكومة الكونغو ونصت على أن الحكومة لن تسمح بتشييد أى عمل فيه أو قريبا من نهر سلميكى أو نهر ايزانجو بشكل يؤثر على كمية المياه الداخلة إلى بحيرة ألبرت . وفى أكتوبر عام 1910نصح السير مازر فى جمعية زراعة القطن في لندن ونبه إلى خطورة استمرار اعتماد لانكشير على القطن المصري ولابد من زراعته فى السودان فى إقليم الجزيرة ولم تمض خمس سنوات إلا وكانت حكومة لندن خصصت قرضا قدره 7ملايين للمضي قدما فى المشروع.وتقرر زراعة 300ألف فدان في الجزيرة وتوفير مياه الرى لها بإقامة سد سنار ،وعلى ضوء ما كان وقتذاك من إتمام بناء خزان أسوان عام 1902واتمام تعليته الأولى عام 1912دليلا على احتياجات مصر المائية ،وأدت ثورة 1919وقبول بريطانيا بإلغاء حمايتها على مصر إلى دخول عنصر جديد في العلاقة المائية بين البلدين هو العنصر السياسي ..واعترفت بريطانيا بأن لمصر مصلحة حيوية في مياه النيل لا يمكن المساس به ودارت مفاوضات حول ذلك ..أولها عام 1920بين سعد وملنر اعترف خلالها الأخير بأن لمصر مصلحة حيوية فى إيراد النيل الذي يصل إليها مارا فى السودان ونحن عازمون أن نقترح اقتراحات من شأنها أن تزيل هم مصر وقلقها من جهة كفاية ذلك الإيراد لحاجتها الحالية والمستقبلية ..ومفاوضات عدلي- كرز ون وتعهد الجانب البريطاني بأن يضمن لمصر نصيبها العادل من مياه النيل ..والمفاوضات بين سعد – وماكدونالد عام 1924تضمن اقتراحا بدعوة مجلس الأمم لتقرير طريقة تأمين المصالح المصرية في مياه النيل ،وفى أعقاب حادث اغتيال السير لى ستاك أنذر المندوب السامي البريطاني بالقاهرة سعد زغلول وأكد أن حكومة السودان ستزيد المساحة المزروعة من 300ألف فدان إلى عدد غير محدود وعلى أثره استقالت حكومة سعد زغلول وتم العدول عن الإنذار فى أقل من شهرين فى خطابين متبادلين بين رئيس الوزراء الجديد أحمد زيور والمندوب السامي وتشكلت لجنة فنية بين ممثلي مصلحة الري في مصر والسودان فى أول مايو 1926كان الأساس لأول اتفاق حول مياه النيل هو اتفاق 1929المشهور وكان أهم بنوده ألا تقام أعمال رى أو توليد قوة كهر بائية في السودان يكون من شأنها إنقاص مقادير المياه أو تعديل تاريخ وصولها دون الاتفاق مع مصر ..واستمر الاتفاق حتى تم الشروع فى بناء السد العالي وتم عقد اتفاق بين البلدين ..اتفاق نوفمبر 1959والذى أعاد توزيع المياه بينهما على ضوء المشروع العملاق الجديد