العام الماضي.. رأيت مصر على كل شاشة.. رأيتها متشرذمة على قناة العربية.. ورأيتها متفجرة على قنوات مصرية.. ورأيتها كسولة على الفضائية المصرية.. ورأيتها عفية بهية على ناشيونال جيوجرافيك.. رأيتها كما هى فى وجه أمي.. رأيتها شامخة كشاهد قبر أبى.. رأيتها أملاً فى شهادة ابنتى بالابتدائية.. رأيتها مبتسمة والناس يلقون التحية والصباحات الهنية.. فى الشوارع و المقاهى.. رأيت مصر فى خطبة محمد العريفي.. رأيتها ندية فى حنجرة أم كلثوم ومدهشة على لسان حافظ: أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى رأيت أم البلاد وسيدة نساء الدول.. فلو رأيتموها.. فقولوا لها: "يا أمى كم نحن مقصرون".. العام الماضى.. رأيت فيما يرى النائم اليقظان أن مصيبتنا فى قلوبنا, فى تجردنا.. فى أن بعض الذين يحدثوننا ليل نهار عن التجرد وإخلاص النية, هم ذئاب.. لا نية لديهم, ولا تجرد عندهم.. وأن أغلب الذين يتغنون بحب مصر, لا تُهمهم مصر. العام الماضى, عرفت كم أنا مقصر فى الحمد.. وبنهاية العام أدركت أننا ما خُلقنا إلا لنحمد خالقنا تعالى.. فى نهاية العام أخاف أن أغُنّي. لأسبحنك بكرة وعشية ولتذكرنك بالضحى أركانى أخاف أن أغنيها, لأنى أعلم أنى لن أوفى نعم ربى عشر معشار بعض حقها, فلك الحمد يا رب. العام الماضى.. أرهقنى مشهد الدم فى شوارعها القديمة.. وأربكنى كيف يكون قاضيها جانيها.. وكيف يكون أصدقاء مرسى أعداءه من حيث لا يشعرون.. وكيف لا يستطيع الرجال حبس لسان, ولا رفض دعوة للظهور والتوريط.. وكيف استوى الفريقان فى الشتيمة.. ورأيت كيف زور الإعلام الحقائق. العام الماضي, انشغلت ليالى وأيامًا بقراءات فى الفلسفة, تخيلت أنى بعافية فى ثقافة الفلاسفة.. أتعبتنى الفلسفة.. صدعتنى كتابات المتكلمين.. وبعد فنجان قهوة على الريق.. نظرت للسماء, وقلت: ها أنا يا ربى أدعوك أن ألقاك وأنا على دين أمى وفطرة أمي.. ها أنا يا رب أثبت بين يديك, أن كل ما طالعت من فلسفات, لا شيء جوار رشفة من حكمة وحيك, على لسان نبيك. عليه الصلاة والسلام. فى ليلة رأس السنة, أفتقد وجبة عدس ساخنة وأنا ملتصق بعباءة أبي.. رحم الله آباءنا أجمعين. [email protected]