رأينا مؤخراً الإعلامية منى الشاذلى وهجومها الشرس على الرئيس محمد مرسى، ووصفها له بأنه خدعنا كما خدعنا الصحابى عمرو بن العاص، والصحابى معاوية بن أبى أبى سفيان، ونتحداها أن تكون ملمة بسير هؤلاء العظماء، الذين أفنوا حياتهم من أجل نصرة الحق وفتحوا الدنيا وأشاعوا العدل، ويكفى أن ما نحياه من أعظم نعمة وهى الإسلام كان السبب فيه الصحابى الجليل عمرو بن العاص وأسرته، وكان منهم ابنه الصحابى الجليل عبدالله الذى نشر العلم فى مصر فى بدايات أيام الفتح فى مسجد الفسطاط، أما معاوية فكان من كتبة الوحى ومن الصحابة الأجلاء ومن المقربين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أما أن نأخذ سير هؤلاء الصحابة الشوامخ من كتابات المبشرين والمستشرقين الذين كان فى قلوبهم هوى من الإسلام فهو العيب بعينه، فهم الذين وصفوا الصحابة بأقبح النعوت وخصوصاً المؤثرين منهم والذين كان لهم دور حيوي ومحوري فى التاريخ الإسلامى وخصوصاً العظماء منهم كمعاوية، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة وغيرهم ... من أراد أن يعرف فضل هؤلاء فليرجع إلى كتب الثقاة الذين كانوا أمناء فى سرد تاريخهم واستخدموا أعظم منهج أدبى ونقدى فى تنقية حوادث التاريخ وعلوم الإسلام المختلفة، وهو علم "الجرح والتعديل" وهو علم منقطع النظير من حيث الفائدة فى تاريخ العلوم. لم تكن منى الشاذلى أول المتطاولين على الصحابة فقد سبقها الكثير، ومنهم الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى فى مقال له بعنوان "أبوهريرة الإمام الغامض"، الذى قال فيه: "الحقيقة أن أبا هريرة لم يفعل سوى أن روى الحديث عن النبى صلى الله علية وسلم.. وهنا جوهر الأمر وفداحة التهم! لعل المأخذ الذى فتح على أبى هريرة حمم التاريخ أنه مصاحباً للنبى عاماً وبضعة شهور "البعض يقول أكثر من عامين". ومع ذلك روى عن النبى 5374 حديثاً، لم تصح كلها عند البخارى بل ذكر منها فقط 446 حديثاً. المدهش لرجل صاحب النبى عامين فقط أن يروى عنه كل تلك الأحاديث بينما الصحابة الأجلاء الذين صاحبوه من البعثة حتى الوفاة لم يرووا عنه ما يساوى عُشر ما رواه أبو هريره وحده! أبو بكر أول الرجال إسلامًا من بعد علىّ وكان نسابة العرب روى عن النبى 143 حديثاً وله فى البخارى 22 حديثاً فقط، الفاروق عمر وهو من هو فى منزلته ومكانته لو يروِ عن النبى على أقصى تقدير 50 حديثاً. أما على بن أبى طالب أول من أسلم وتربى فى حجر النبى وعاش فى كتفه من بعثته حتى غسل جسده الشريف عند وفاته ولم يفارقه لا فى سفر ولا فى حضر وهو ابن عمه وزوج ابنته وشهد جميع الغزوات والمعارك والمشاهد "سوى تبوك"، وهو إمام العلم لم يحدث أن روى عن النبى سوى 58 حديثاً ولم يصح فى البخارى سوى عشرين منها. كما أن الخليفة الراشد عثمان بن عفان روى عن النبى تسعة أحاديث فقط ونفس العدد للزبير وعبد الرحمن بن عوف وروى خمسة أحاديث فقط وربما أقل طلحة وزيد بن ثابت وسلمان الفارسى وغيره. فما الذى يجعل أبى هريرة وهو الأقل مصاحبة فى سيرة النبى والأقل منزلة فى العلم فضلاً عن كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ومكث كذلك عامين أو أقل فى صحبة رسول الله كما لا يذكر له أحد موقفاً فى غزوة أو مكانة فى معركة أو دوراً فى موقعة سياسية وتاريخية. ما الذى يجعل الراوية الأول والعمود الفقرى فى رواية الأحاديث النبوية.. لابد أن فى الأمر أمراً؟"، وهو أمر جارى فيه عيسى خصوم الإسلام الذين أرادوا التشكيك فى المصدر الثانى للتشريع وهو السنة النبوية الشريفة وعمدوا إلى نسفها بالتشكيك فى راوية الإسلام أبى هريرة.. ولم يكتف عيسى بهذا بل طعن فى عدد آخر من الصحابة كالمغيرة بن شعبة الذى اتهمه باقتراف جريمة اعتماداً على روايات واهية ناقشها المصدر الذى نقل عنه وهو الطبرى فى تاريخه، والجدير بالذكر هنا أن الطبرى قد شحن فى كتابه "تاريخ الأمم والملوك" كل الروايات الضعيفة والقوية اعتماداً على ثقافة المجتمع وحسه وحدسه، وكان من الأمانة من عيسى كباحث وصاحب كلمة أن يرجع إلى كل المراجع ويوازن بينها ويتخلص من هواه، أما هو فيبحث عن الإثارة فقط ويكتب التاريخ بمنهج "الرجل الذى عض الكلب" فهو مبدأ لا يوصل إلى نتيجة سليمة. وينبغى لمن ينتقد شيئا أن يتصف بصفات أعلى منه، يبحث فى تاريخه ويعرف صفاته وخلاله ويطبقها ويأتى بأحسن منها، يعنى من يريد أن ينتقد الصحابى خالد بن الوليد أن يفوقه فى عمله ومن ينتقد أبو هريرة يحفظ كل الأحاديث التى قيلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بسندها وعاليها ونازلها صحيحها وحسنها وضعيفها والموضوعات منها، ويستوعب علوم الحديث كعلم الرجال والجرح والتعديل ويستوعب من أدلى بدلوه فى هذا المجال فى كل مراحل التاريخ، ثم بعد ذلك لو وجد اعوجاجاً يدلنا عليه، فهل فعل إبراهيم عيسى هذا؟! رأينا عظماء الخبراء العسكريين فى العالم ينبهرون بالفتوحات الإسلامية وقادتها، لأنهم عركوا هذا المجال، فهل خاضت منى الشاذلى معركة حتى تحكم على عمرو ومعاوية؟!