مهما فعل المصارعون لمشروع الدستور؛ دون وجه حق.. فليس هناك من ينكر أن هذا هو أول دستور نابع من الشعب، وأول دستور يقلص صلاحيات رئيس الدولة، وأول دستور يُلزم الحاكم بحقوق أساسية للمواطن لم نكن نحلم بها، ناهيك عن ضمانات الحريات والحقوق العامة ومنع تغوُّل السلطة التنفيذية على المواطنين، وغير ذلك الكثير. ومهما كان الرأى فى مواد الدستور أو الجمعية التى أنجزته؛ فليس هناك فى الدنيا كلها شيء اسمه (الإجماع).. ولو تمت الاستجابة لآراء فريق، فسوف يرفض فريق آخر، فى سلسلة لا تنتهى من الجدل وتضييع الوقت. ومادام الدستور الجديد يتضمن آلية سهلة، وشعبية، لتعديله فى أى وقت، فلماذا الجدل والضوضاء والكذب وتضليل الشعب؟! إن مصر بحاجة ماسة للاستقرار وبناء المؤسسات وسرعة البدء فى إصلاح الخرائب الموروثة ومباشرة عمليات التنمية وزيادة الإنتاج. ولا يخفى على المواطن العادى أن تحالف الفلول والساقطين فى الانتخابات وعملاء الحلف الصهيوأمريكى لا يريدون دستورًا ولا حرية ولا تنمية، وليس لديهم مانع من تخريب مصر ودفعها إلى مزيد من التقهقر مادام الخير المنتظر سوف يأتى على يدى أعدائهم الإسلاميين! وقد أضاف موقف مصر من العدوان الصهيونى على غزة توسيعًا للتحالف المعادى لمصر وثورتها ونهضتها.. إذ يرى الصهاينة أن أى استقرار لمصر لن يكون فى صالحهم، وهم يدفعون الآن بسخاء لنشر الفوضى وضرب الاستقرار. ومن الواضح أن المعارضين يتهربون من صندوق الاستفتاء الذى سوف يؤدى إلى صندوق الانتخابات.. فهم يعرفون جيدًا رأى الشعب الذكى فيهم، ويفعلون كل ما بوسعهم لعدم الوصول إلى هذا اليوم، الذى سوف يعيدهم إلى حجمهم الحقيقى وإلى الظل. إن أسوأ ما فى هذه الحملة الظالمة على الدستور وواضعيه أنها تستند إلى (الكذب) الصريح، سواء أثناء إعداده أو بعد الانتهاء منه.. فقد ادعوا مثلاً أن هناك مادة تخفض سن زواج الفتاة إلى تسع سنين! وأخذوا يؤلفون مواد من خيالاتهم المريضة وينسبونها زورًا وبهتانًا للدستور الوليد، وهذا يدل دلالة قاطعة على أنهم لم يجدوا فى مواده الحقيقية عيوبًا، فاجتهدوا فى التلفيق والتزوير. ولم يقتصر الأمر على (عواجيز السياسة الراسبون)، ولكن العدوى وصلت إلى الشباب للأسف، فقد ذهلت من قراءة منشور (مطبوع بلغة عامية رديئة) لحركة شباب 6 إبريل، التى كنت أحترمها وأعتقد أنهم شباب ثورى نقي، تدعى على الدستور ما ليس فيه، حيث تقول مثلاً (وعذرًا للغة الركيكة): المادة 35 (اللى هتسمح للشرطة تحبسك 12 ساعة بدون ما تعرف ليه....)، والحقيقة أن هذه المادة من أعظم مواد الدستور، ونصها (فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق، ويجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتى عشرة ساعة، وأن يقدَّم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته؛ ولا يجرى التحقيق معه إلا فى حضور محاميه؛ فإن لم يكن ندب له محام. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء والفصل فيه خلال أسبوع، والا وجب الإفراج حتمًا). ويقول منشور الحركة: المادة 63 (اللى هتدى الدولة الحق إنها تشغلك غصب عنك يعنى قانون سخرة).. فى حين أن المادة الحقيقية تقول (لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة، وتلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية؛ بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة، والحفاظ على حقوق الأجيال فيها). وتواصل النشرة الشبابية قلب الحقائق: المادة 112 (اللى بترجع الحصانة تانى لعضو مجلس الشعب ومحدش يقدر يحاسبه).. والمادة الحقيقية تقول (إذا خلا مكان عضو أحد المجلسين، قبل انتهاء مدته بستة أشهر على الأقل، وجب شغل مكانه طبقا للقانون، خلال ستين يومًا من تاريخ تقرير المجلس خلو المكان..)، وهكذا إلى آخر النشرة، كل مادة بعكسها تمامًا! ولا نظن أن شباب هذه الحركة لا يجيدون قراءة العربية أو لا يفهمونها. هذه ظاهرة خطيرة، واستخدام سيئ لحرية الرأى يجب وضع حد له، لأن ممارسة السياسة بهذا الأسلوب خطر على مصر. أما من انتقدوا بعض المواد الحقيقية، فقد كشفوا أنفسهم، وأثبتوا أنهم يغردون خارج السرب الوطني، وأن أجسامهم فى مصر ولكن عقولهم وأفئدتهم موجهة إلى أسيادهم بالخارج.. فعلى سبيل المثال؛ منهم من اعترض على عدم ذكر (البوذية) كديانة يحترمها دستور مصر! ومنهم من اعترض على مادة ("تشجيع" تعريب التعليم)، بحجة أن التعريب يؤدى إلى التخلف!! أرأيتم تزييفًا وخداعًا وتغريبًا أكثر من هذا؟ لقد تخلفنا بالفعل لأننا لا نُعَلِّم أولادنا بلغتهم، ونخرّج أنصاف متعلمين بسبب عائق اللغة والتعليم بلغة غريبة، ومعروف أن الإنسان يصعب عليه أن يبدع إن تعلم بغير لغته الأم، ولا نجد فى العالم كله أمة متقدمة إلا وكانت لغتها الوطنية هى لغة تعليم أبنائها، والكيان الصهيونى الذى بعث العبرية من القبور خير مثال، ماذا نقول أكثر من ذلك؟ ألا يدل هذا على أن لدينا نخبة خربة لا تعرف مصلحة الوطن أو تعرفها وتخطط ضدها؟ لقد أثبت سلوك المعارضة وما يسمى جبهة الإنقاذ أن أخلاق الثورة غائبة تمامًا.. وأن إعلام الفتنة يدلّس على الشعب. [email protected]