نعم، لقد خرجنا من الجهاد الأصغر، الي الجهاد الأكبر.. وهذه المأثورة التاريخية، عن خاتم الرسل والأنبياء محمد بن عبدالله عليهم جميعا، أزكي تحية، وأفضل تسليم..!! واذا كانت هذه الكلمات، تتناقلها الأجيال جيلا وراء جيل، وتستحق أن نعيد التذكير بها الآن، وبعد أن أصبحت بلغة هذا الزمان، بمثابة البيعة الشرعية، والتي تحمل الرئيس محمد حسني مبارك من المسئوليات الكبري في حركة النهوض بهذه الأمة، التي تتطلب، دون مبالغة الكثير والكثير من التضحيات.. ولن يتحقق ذلك، إلا اذا أزحنا من فوق كاهلنا، ما كان وما سيكون سببا في تخلفنا، أو تمزقنا أو صراعاتنا، وأقصد بذلك الشللية والتي يحلو لها ألا تعمل إلا في الظلام..!! هناك أعباء كبري ومسئوليات أكبر، مازالت تنتظر من تلك الخطوات خطي تاريخية، وبعد هذا النصر الشعبي العظيم، والذي كان فيه المواطن المصري، هو سيد قراره، ولم تستطع بعض الممارسات المسرحية، أن تقطع الطريق علي مسيرة حركة النهوض المرتقبة وهي في نفس الوقت مجرحة، ليس هناك من قد يدعي العصمة..!! وحاشاي، أن يتصور البعض انني اقصد بذلك استاذنا المفكر الاصلاحي النابه محمد حسنين هيكل.. في اطلالته الاسبوعية باحدي القنوات الفضائية الشهيرة.. بل انني وغيري من عشاق ذلك الوطن، المحفوظ برعاية الله، نقول: رفقا بنا والأمل أصبح معقودا علي وطنية مبارك، وايضا علي شفافيته.. وبعد أن لم تكن هناك فرصة لأي قوي انتهازية تستطيع ان تهدم المعبد علي من فيه!! وان كانت هناك في الحقيقة ضغوط مازالت تراود نفسها، لكنها ستفشل لا محالة.. وسيبقي الشعب المصري سيد قراره.. ربما أكون متفائلا، حتي ولو حدثت بعض الاخطاء في العملية الانتخابية.. ودلوني من الذي هو معصوم من الخطأ؟ تجربة تتطلب التصحيح..لقد كانت تجربة قيادة مبارك، وبدون أن يكون هناك نائب مقتدر للرئيس، هذه التجربة أصبحت تدق علينا ابواب التحذير من استمرارية ذلك الفراغ.. وليس من مهام الرئيس، خاصة من يكون رئيسا لدولة نامية، ان يترك ذلك الفراغ، قرابة ربع قرن من الزمان، واذا كان هناك من ظروف غيبية لا نعرفها، فالفرصة الآن مواتية، بل وحاكمة، ومعركة الانتخابات كانت شرسة!! *** نعم، كانت معركة شرسة، وكانت مريبة أيضا، وكانت مخيفة حيث لم يحدث في تاريخ الأمم، ان يكون هناك، غير الرئيس مبارك ومعه تسعة من المرشحين لأكبر وأخطر منصب، هو الواجهة المعبرة عن هوية الأمة المصرية، وقلنا ان مبارك يعتبر استثناء، كمقاتل بطولي ستبقي الاجيال تردد قيادته التاريخية الجسورة، لأول طلعة جوية شدت العالم عام1973، وكانت درسا، مازال موجعا لمختلف القيادات الإسرائيلية!! ثم تأبي الظروف إلا أن تتم أول مرحلة للقوات الاسرائيلية، بالانسحاب حاليا، من التراب الوطني للدولة الفلسطينية، ومبارك نفسه، له بصماته الواضحة عليها، ولايمكن ان ينتقص ذلك من البطولات الاسطورية لشهداء الدولة الفلسطينية ومقاتليها، الي ان اضطر المحتل لأن يأخذ عصاه علي ظهره ويبدأ في الرحيل، تماما، وكما حدث سابقا لقوات الاحتلال البريطاني عام1956، عندما حملت عصاها علي ظهرها وانسحبت من الأراضي المصرية، وذلك بعد أن اعلنها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عالية.. في قوة ووضوح، وبإنذار للقوات البريطانية بأن تأخذ عصاها علي ظهرها وترحل، من الاراضي المصرية، انه تاريخ.. وما أخلد مثل هذه التواريخ..!! والتجربة قد تحتاج إلي وقفة تذكير!! لقد كانت تجربة الرياسة الحاكمة وبدون أن يكون لها نائب مقتدر يمكن أن يتولي المسئولية في الظروف الحرجة أو المفاجئة، كانت تجربة تسببت في الكثير من المشكلات والصراعات، وكان المرتقب، وبكل صراحة، ان يأخذ الرئيس مبارك بنظام نائب الرئيس، أو بنظام مكتب فريق المستشارين، ويكون اعضاؤه من الكفاءات المشهود لها بالمقدرة، والتجرد في صياغة الآراء والحلول والمواقف الوطنية..!! والشعوب لابد أن يكون لها صوت..!! وبهذا السلوك الحضاري.. والذي أصبح هو السمة الحاكمة للنظام، ما كان يمكن أن يحدث ما حاولت ان تفعله بعض رموز المعارضة..!! وهي للأسف أيضا ضعيفة ومخترقة، وكانت مطروحة للمساءلة العلنية أمام نواب الشعب وحتي يمكن ان تصدر احكاما ضد الانحراف وهو موصوم بالأدلة، وكان ذلك في لغة الانظمة الحضارية، يعتبر أيضا بمثابة وسام أخلاقي، يتناوله الكثير من التعليقات الداخلية والخارجية، بكل تقدير واشادة، كما انه ينعكس علي جماهير اي أمة خاضعة للمساءلة بكل الارتياح والتأييد!! التجربة تتطلب تصحيحا.. لكن كيف..؟؟ مرة أخري أقول: لقد كانت تجربة حكم مبارك وبدون أن يكون هناك نائب مقتدر للرئيس، كان هذا الواقع يدق علينا ابواب التحذير، من استمرارية ما قد يحدث هناك من فراغ سيادي، خاصة اذا كان الرئيس خارج الوطن لبعض المهام وما اكثر مثل هذه المهام!! وليس من مصلحة أي حاكم، ان يترك ذلك الفراغ قرابة ربع قرن من الزمان! وان كانت هذه تشكل في مضمونها شهادة فارقة لمقدرة الشعب المصري علي الانضباط..!! واذا كان هناك من ظروف غيبية نجهلها، فالفرصة الآن مازالت مواتية، بل وحاكمة، ومعركة الانتخابات الرياسية، لم تكن سهلة.. ولكن كانت ساخنة وشرسة، وان كان ذلك داخل اطار من العقلانية المستنيرة..!! وبصرف النظر عن بعض الغوغائيات المهدئة!! *** وصحيح ان العملية الانتخابية الرياسية، كانت تبدو علي السطح، وكأنها بدون مصادمات، ومحاطة ايضا بالكثير من الارتياب، لكنها كانت في واقعها الحقيقي، صورة جذابة لكل المحبين للسلام.. لاتتركوا التجربة بعد نجاحها ولكن اطرحوها وناقشوها..!! وأتصور أن المراسلين الأجانب، ومعهم الكاميرات المسجلة، قد وجدوا الصورة علي غير ما كانوا ينتظرون، هدوءا وغيابا لأي ضغوط أو مداخلات بوليسية، وحرية في الاداء وفي الخطاب.. واذا كان هناك من تجاوز، فهو تجاوز الحناجر المتحشرجة والتي تعبت.. ثم توارت وبعيدا عن صناديق الاقتراع. ولكنني أتصور أنه لابد مما ليس منه بد، وأعني به التقاء نخبة من المثقفين الحكماء، وليطرحوا فيما بينهم ابعاد هذه التجربة الانتخابية الرياسية، وما واكبها من متغيرات في الرأي وفي الاداء وفي السلوك، الأخلاقي غير المسبوق..!! ولتكون رؤية واقعية غير قابلة للاختراق!! ----------------------------------------------------------------- جريد الأهرام المصرية في 17/9/2005