أخذت نغمة وجود مشكلة طائفية في مصر تتزايد ، بل إن الخطير أن نرى وزيرة البحث العلمي نادية زخاري المفترض تحريها الدقة في الحكم على الأمور تنزلق إلى ذات المنحنى وتقول " نعم توجد فتنه طائفية " !! وأغفل هؤلاء أنه من الطبيعي وجود أشخاص من الطرفين في مصر وعالميا يتبنون فهما خاطئا وأفكارا متطرفة لدينهم. ولكنها في مصر ليست ظاهرة عامة. ويقوم هؤلاء بمحاولة إلباسها ثوب العمومية ، بل و تحميل الأمور والأحداث الطبيعية وتأويلهما بما لا يتفق مع الحقائق ، وذلك ليس لغرز الإقتناع بوجود مشكلة طائفية فقط ، بل إلى الإدعاء بوجود إضطهاد وتهجير !! وقد كانت بداية محاولة غرز وترسيخ وجود فتنه طائفية في النفوس باستخدام الإعلام لربط أي مشكلة بين مسلم ومسيحي ببعد طائفي وبشكل يومي. بل والقيام بإجراء أحاديث صحفيه مع طرح الأسئلة بطريقة تشير إلى وجود مشكلة طائفية. ومثالا على ذلك ما نشر باحد الصحف بعنوان " 3 مسيحيين يقتلون مسلما" وكانت تفاصيل الخبر أن بلطجي مسلم غازل زوجة جزار مسيحي. تسبب عنه مشاجرة بين الجزار وأخوين له مع البلطجي المسلم الذى قتل فيها. ولو تم النظر في الأمور بشكل سوي ، لوجدنا أن هذه الجريمة ليست لأسباب طائفية ، ولكنها لأسباب خلقيه واضحه يحدث مثلها الكثير بين المسلمين بعضهم البعض أو بين المسيحيين. فليس كل مشاجرة بين مسلم ومسيحي تسمى طائفية. ولكن استغل الإعلام ومدبري المكائد والمتعايشين على دماء الوطن كثير من هذه الحوادث والمشاجرات الطبيعية ، بسردها كحوادث طائفية ، بعضهم بأهداف تجارية لزيادة التوزيع ولو على حساب الوطن ، والبعض بأهداف خبيثه ترمي إلى غرز وتثبيت الاعتقاد بوجود فتنه طائفية معتمدا على فكرة "الزن على الودان أمر من السحر" وهو ما بدأ يدفع بالكثيرين وخاصة وأن الغالبية لا تقرأ تفاصيل الأخبار ولو قرات لا تتعمق في فهم الأحداث ، إلى الانتقال من عدم وجود طائفية ، إلى الاقتناع الخاطئ بوجود بعض المشاكل الطائفية الفردية ، إلى الاقتناع الأكثر خطأ من أنه بالفعل توجد مشكلة طائفية ولكنها ليست بشكل كبير. ثم بدأت المرحلة التالية لتصعيد الفهم الخاطئ بوجود طائفية إلى الإحساس بوجود إضطهاد وتهجير. وتظهر بوضوح هذه التحركات في الحادثتين الآخيرتين في دهشور ورفح. ففي دهشور تسببت مشاجرة بين مسلم ومسيحي (مكوجي) فى حدوث مشاجرة بين العائلتين. استخدم فيها الجانب المسيحي زجاجات مولوتوف تسببت في احتراق شاب مسلم ليس طرفا في هذا الشجار. وعندما علمت الأسر المسيحيه بوفاة هذا الشاب بالمستشفى تخوفوا من رد الفعل الغير متزن والذي يوسع دائرة الانتقام ، والذي قد يحدث مثله بين العائلات أوالمناطق المختلفه لمثل هذه الحالات وخاصة في الحالة الأمنية المتردية. لذا فقد خرجت هذه العائلات من بيوتها طواعية حتى تهدأ النفوس. وهذا يسمى هروبا وليس تهجيرا قسريا يحدث مثله الكثير داخل مصر وخارجها. فهناك الكثير من الأسر حاليا في مصر هربت من منازلها بسبب الخوف من البلطجية ومن عائلات أخرى بعد حدوث صدام معها. وقتيلة البلطجية بالشرقية والتي تم التمثيل بحثتها لمدة 4 ساعات بالشوارع رغم أن عمرها 62 عاما وذلك بعد اكتشاف البلطجية لعودتها بعد هروبها هي وعائلتها إلى أسيوط بعد الصدام معهم ، وصيادي بحيرة المنزلة التي إضطر 40 % منهم إلى هجرتها والهروب منها بسبب أعمال البلطجة ، لمثالين على هذا. بل إن الأحداث العالمية ضد المسلمين التي كانت ليست طائفية فقط ، ولكنها كانت إبادة وحرقا وقتلا وتدميرا إما لتهجيرهم قسرا أو إفنائهم وهو ما يحدث في ميانمار. لم يسمه أحد بإسمه الصحيح في هذه الحالة من التهجير القسرى والإبادة بل اعتبروه هروبا ونزوحا !! إن ما يحدث ما هو إلا تلاعب واستخدام الألفاظ في غير موضعها للتهوين من البعض كما في ميانمار أو للمبالغة الشديدة من البعض كما يحدث في مصر. ولو نظرنا قليلا إلى التفاصيل في حادث دهشور لوجدنا أن المكوجي المسيحي شخص مشاغب كثير الخلافات سبق له أن ضرب أحد المواطنين بالمكواه في وجهه. وبعيد عن الكنيسة ، وقد حاول القس مرارا جذبه إليها بدون فائدة. فإفتقاده لروح التسامح المسيحية والمحبة تجعله غليظ القلب عدواني فما بالنا وأن الطرف الآخر أصبح الكثير منهم كذلك مفتقد لنفس الروح من التسامح والمحبة والتراحم الإسلامية أوالمسيحية. فالصدام هنا أمر طبيعي ، ويغذيه إفتقاد القانون والأمن في الوقت الحالي. ولو نظرنا إلى الأحداث بعدها لوجدنا أن من قام بالتعدي وسرقة بعض بيوت ومحلات المسيحيين هم البلطجية من خارج القرية ، وهم ما قد أصبح الآن مصيبتنا وهمنا الأكبر. وأن من كان يقوم بحماية بيوت المسيحيين ومواشيهم هم إخوانهم وجيرانهم المسلمين. وبعضهم نقلها إلى بيته لحمايتها لحين عودة إخوانه المسيحيين. وقد سافر بعض المسلمين إلى المسيحيين لحثهم على العودة. أنها إخوة عمرها 7 الآف عام أفلا يراها المبصرون. أم غميت علينا بالغمامة التي يبثها الإعلام ويزيدها أصحاب النوايا الخبيثه وينفخ فيها للاستفادة منها المتعايشين على مصائب الوطن وللأسف الشديد منهم الكثير من السياسين والأحزاب. وأصبح كل يتسابق للاستنكار وللمبالغة في عدد الأسر الهاربة فمن قال 20 أسرة ومن وصل بالعدد إلى 130 أسرة !! لزيادة مستوى الاحتقان والغضب. وكان الهدف من كل هذا هو زرع وتعميق الإحساس بوجود فتنه طائفية والعمل على غرزها بقوة. فعندما يستمع المسيحيون من الجميع وخاصة من بعض المسلمين أن هناك إضطهادا وتهجيرا ، يرسخ في يقينهم أن هناك إضطهادا و تهجيرا بالفعل. فى نفس الوقت الذى اصبح يرى فيه المسلمون انفسهم انهم هم المضطهدون ، وذلك بسبب قصر القضية على حق العودة للهاربين وتعويضهم ، وتم إغفال حق الشاب المسلم وذويه والذى اريق ده بلا ذنب ولا جريرة. وأصبحنا بدلا من أن نرى رغم الحادث الأليم أخوه ومحبه عمرها الآف السنين ، نرى وطنا قلبه ممزق إلى نصفين ومستمر في نزيف لا يتوقف. ثم وقعت حادثة رفح وتسابق الإعلام والسياسين والأحزاب كالمعتاد لتسمية الأسماء بغير مسمياتها وكأننا فقدنا القدره على التمييز واستخدام المفردات اللغوية الصحيحه. واصبح يكرر نفس الإدعاء الخاطئ السابق من التهجير القسري للمسيحيين من رفح. ولو نظرنا إلى الأمور بشكل صحيح لوجدنا أن ما حدث هو وصول خطاب تهديد لتاجر (صاحب محل مسيحي) أعقبه إطلاق النار على محله ثم خبر بنقل 9 أسر مسيحيه تعمل في الحكومة من رفح إلى العريش. وبدأت معركة استغلال هذا الوضع لغرز خناجر أخرى في قلب الوطن لنستكمل تدميره وغرز الإحساس بالطائفية بالفعل في النفوس. وقد أغفل كل هؤلاء ما يلي :- 1- إن الحادث هو حادث فردي. قد يكون مشكلة فردية بينه وبين مواطن مصري آخر مسيحي كان أم مسلم. وحتى لو كان هذا التهديد من متطرف. فمن المؤكد أنه أما لمشكلة شخصية أو لأسباب سياسية لإحراج الحكومة ردا على العمليات الأخيرة. وذلك لأن ليس هناك أي فكر متطرف إسلامي ينادي بمجرد الإساءه بدون سبب لأصحاب أي دين آخر أو تهجيرهم. فهذا تزود ليس في موضعه. وخصوصا انه لم يحدث من قبل العمليات العسكرية الاخيرة اى حوادث مماثلة. 2- إن الحوادث الفردية حتى لو كانت من جماعة محدده يضعها العالم في موضعها ولا يعمم عليها. ومقتل د. مروة الشربيني في ألمانيا رغم أنها قضية طائفية وعنصرية مع سبق الإصرار والترصد. ولا تمثل حالة فردية لأنها تمثل فكر اليمين المتطرف في ألمانيا. ومع ذلك لم يتم تحميل الأمر على وجود فتنه طائفية بألمانيا وإضطهاد للأقليات !! فهم يسمون الأسماء بمسمياتها ويضعون الأمور في نصابها الصحيح. أما نحن ففقدنا تمييز الأسماء ومعنى المسميات ، واخذنا نقطع وطننا بأيدينا. 3- إن ال 9 أسر المسيحيه التي تم نقلها إلى العريش. إما أن يكون النقل لدواعي العمل وهو أمر طبيعي ، وإما أن يكون بسبب خوف الحكومة عليهم ، فتم نقلهم حماية لهم. وهو أمر تشكر عليه لا أن تلام !! وخاصة وأن الوضع الأمني في مصر كله مازال سيئا وفي سيناء أسوء واسوء. وجميعنا يتذكر ما حدث منذ حوالي الأسبوعين من احتلال الإرهابين لمبنى مديرية الأمن بالعريش ومهاجمة قسم الشرطة هناك لعشرات المرات. بل إن التواجد الأمني في رفح أسوء من العريش بمراحل. فهي مفتقده لتوجد الأمن تقريبا منذ الثورة فضلا عن أنه لم يدخلها أي شرطي منذ أكثر من عام. وحتى قسم الشرطة بها تم وقف إعادة بناءه منذ 6 أشهر بعد تهديدات عمال البناء به. ويمكن أن نشير إلى ما قاله الأب رفيق جريش المتحدث الإعلامي للكنيسة الكاثوليكية من رفض اعتبار ما حدث للأقباط برفح تهجيرا. وأضاف إن رفح منطقة ملغومة وملتهبة ومليئة بالبؤر الإرهابية والجماعات المتطرفة التي يحاول الجيش القبض عليهم منذ عدة أشهر. واوضح جريش أن قرار المحافظ يؤخذ وفق التدابير الأمنية لسلامة الأقباط هناك. 4- إن عدد المسيحيين في رفح هو 5000 مسيحي لعدد 900 أسرة (تصريح القس ميخائيل أنطون - كاهن كنيسة ماري جرجس بالعريش). فهل الشجار والتهديد لفرد واحد أو حتى نقل 9 عائلات (50 فردا) للعمل بمدينة أخرى بالمقارنة بإجمالي العدد ، أيسمى هذا تهجيرا وقسريا ؟ !! 5- بل إن وجود ال 5000 مسيحي في رفح ، غير باقي المسيحيين في دير سانت كاترين وباقي سيناء ، وفي وسط الجماعات الإرهابية ، وفي حالة إنفلات أمني لمدة عامين. ومع ذلك لم يلمس أويجرح أحد منهم ، أهل يوجد في هذه الحالة فتنه طائفية في مصر ؟ وهل يستهدف أي من المسلمين أو حتى من الجماعات المتطرفة أي من المسيحين ؟! 6- وفي النهاية فيكفي أن أشير إلى أن الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء نفى وجود عمليات تهجير للمسيحيين في رفح. 7- كما أشير إلى ما قاله مراسل (أون تي في) لبرنامج " تلت الثلاثة " حيث قال " إن الإعلام عندما فشل في إقحام أهل سيناء في أحداث العنف الأخيرة يحاول الآن تشويه الصورة وخلق فتنه طائفية في سيناء وهذا غير موجود على أرض الواقع ". وقد صاحبت هذه الفترة للأسف الشديد عوامل - وإن كانت فردية - لكنها تعمل على تعميق الإحساس بهذه المشكلة. وذلك للتصعيد المتبادل والذي بدأ بعرض الفيلم المسيئ للرسول (ص) بواسطة أقباط المهجر ، ورد الفعل الخاطئ الغير إسلامي من شيوخ ودعاه إسلاميين. فخطأ أقباط المهجر لا يجب أن يحاسب به مسيحي مصر حتى لو لزموا الصمت. فما بالنا بإستنكارهم لهذا الفعل الخبيث. بل إن الخطأ حتى لو كان من مسيحي مقيم في مصر لما كان يجب أن يحاسب به باقي المسيحيين ولا حتى أي من عائلة هذا الشخص ذاته. فديننا يقول "لا تزر وازرة وزر أخرى". ثم فوجئنا بتطاول مضاد من بعض الشيوخ وبعض الدعاه يسيئ لمسيحي المهجر وقد أصاب معهم في بعض هذا الهجوم مسيحي مصر. وهو تطاول لا يرضاه أي منا ويأباه ديننا ، فهو يتنافي مع الخلق الإسلامي الرفيع !!! ورغم أن هذه الأخطاء فردية من الناحيتين ولكنها للأسف الشديد أرى أنها تركت جروحا ووفرت مادة خصبه ليستخدمها غارزي الفتنه لزيادة سعيرها. وكم كنت أتمنى أن أرى دورا للأزهر و للكنيسة لوقف هذا التدني والذي أظن أنه لا يخدم إلا أعداء الوطن. فإن كان هناك أحد يلام مع الدولة في عدم وقف هذه المهازل وهذه المؤامرات فهو الأزهر والكنيسة. وإن كان الأزهر يربو بنفسه عن الدخول في جدال مع بعض السلفيين فإن دوره في حماية الوطن وخطورة التجاوز اللفظي من بعض الدعاه والمشايخ في الإساءة والتجريح لأخوة الوطن من مسلمين ومسيحيين بل وإساءتها لديننا ذاته بهذه الأقوال ، وخطورة نتائج الخوف المترتبة على ما يقال ، تدعو إلى ضرورة التدخل السريع والفوري لوقف هذا الإنزلاق. أحبائي أبناء وطني مسلميه ومسيحيه. إن التحليل المنطقي للأمور يوضح أنه ليس هناك في مصر فتنه طائفية. ولكن هناك محاولات لزرعها بل والبدء في تصعيدها. فلك الله يا مصر فيما يدبر لك بليل وفيمن يتاجر عليك أو يتعايش على جروحك وآلامك وهم كثيرون ، قد تختلف مصالحهم ولكن يجمعهم جميعا هدف واحد وهو دم هذا الوطن. وقد ذكرتهم في مقال سابق لي بإسم " المواطنة .. كما ينبغي أن تكون ". وسوف أتناولهم تفصيليا على من استحدث عليهم في مقال قادم إن شاء الله. أما أنتم يا أبناء وطني فالحذر الحذر. اللهم بلغت اللهم فأشهد. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]