من أهم الشروط اللازمة لإعداد الرأي العام الأمريكي نفسيا من أجل قبول ولو على مضض خوض حرب ثالثة (بعد أفغانستان والعراق) هذه المرة ضد إيران ، هو إطلاق حملة إعلامية مخادعة تحتال على عقول الدهماء وتستخف بعقول الشرفاء ، تماما كالاحتيال السياسي الذي أفرز تعديل المادة 76 في مصر وما تبعه من مهازل الاستفتاء والانتخاب. وكما نصبت جيوش النفاق في مصر سيركا لتمرير الاحتيال على شعب مصر، فإن الحملة الأمريكية لا تكتمل بدون نصب سيركا مشابها لترويج وتمرير كل ما تتطلبه الحملة من أكاذيب شريطة أن يُروج للحرب بجرعات يسهل هضمها بدءا بسرد أكاذيب ممزوجة ببعض الحقائق ، ثم التركيز على الأكاذيب وتكرارها حتى تتحول في العقول إلى حقائق. وهذه أمور لايصعب إنجازها على جهاز إعلامي مصهين يحاصر عقول الدهماء الأمريكيين ويقودها في إتجاه واحد. أما الشرط التالي ، فهو حشد الدعم الأوربي المادي والعسكري الذي بدونه تستحيل الحرب. وهذا يتطلب نجاحا في مهمة بيع الحرب للرأي العام الأوربي حتى تتجنب الإدارة مظاهرات إحتجاجية ضخمة ، كتلك التي خرج فيها ملايين الأوربيين إحتجاجا على غزو العراق يوم 15/2/2003. الشرط الثالث الضروري هو مفاقمة عزلة إيران العربية والإسلامية. فقد فرضت الولاياتالمتحدة على حلفائها العرب والمسلمين الإنعزال عن إيران ، وبقيت علاقة إيران قوية بسوريا ولبنان (حزب الله) وشيعة العراق . ولهذا تسعى إدارة بوش إلى تشديد الخناق حول إيران بالوقيعة بينها وبين هذه الأطراف الثلاثة. هنا تظهر أهمية الضغوط التي تمارس حاليا ضد سوريا والتلويح بتحميلها مسئولية إغتيال رفيق الحريري ، وبإنشاء محكمة دولية لهذا الغرض. بتعبير آخر، يراد وضع سوريا في حالة من الذعر تدفعها إلى الانصياع لكل ما تؤمر به ، وعلى رأسه الانعزال عن إيران والمشاركة الفعالة فيما يخطط لها. وهي اليوم أمام خياران: إما نموذج القذافي والانبطاح بفك الإرتباط الإستراتيجي مع إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية ، أو نموذج صدام والتمرد وتحمل تبعاته. هناك خمسة شروط إجتمعت في صدام حسين ، ومتوفرة الآن في النظام السوري : القابلية للاستدراج إلى مصائد منصوبة بإحكام (الضغوط الأمريكية والإسرائيلية إستفزت الحكم السوري إلى تعديل الدستور اللبناني الذي قاد بدوره إلى قرار مجلس الأمن 1559) الحمق المتمثل في عدم التفكير في عواقب دخول المصيدة (إعتقاد الحكم السوري أن كل مايحتاجه لتأمين وجوده في لبنان هو حكم لبناني موال له ، دون التفكير في عواقب وأد الديمقراطية في لبنان) الضعف الذاتي الذي يجعل الحكم السوري "Doable" أي قابل للإخضاع على حد تعبير أحد المحافظين الجدد وهو يبرر الإصرار على غزو العراق الشعبية المتدنية سواء في سوريا أو لبنان وأخيرا الذريعة التي وفرها إغتيال رفيق الحريري . أما حزب الله ، فهو الآن منشغل بنفسه في ظل أوضاع متوترة داخليا في لبنان وتفجيرات غامضة لا يعثر على مرتكبيها. وإذا أضفنا إلى ذلك ما جاء في (المصريون) منذ أيام عن تنسيق مصري سعودي لتشكيل محورا ثنائيا بالتنسيق مع سوريا "لمواجهة تزايد النفوذ الإيراني" في العراق وهو محورا لم تجرؤ دولة عربية على السعي إلى تشكيله لمواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق سنرى مدى التقدم الذي يجري على صعيد فرض العزلة على إيران. والمذهل أنه بدلا من قيام أكبر دولتين عربيتين بالتنسيق مع إيران لضمان بقاء العراق موحد ، يستعدونها لا لشئ إلا لأن هذه هي أوامر الأمريكيين ، ويلومونها لأنها تسعى لضمان مصالحها وحماية حدودها عن طريق حلفائها في العراق الذي تركه العرب نهبا للأمريكيين. [email protected]