تحول كثير من المفكرين والمثقفين والكُتاب بعد نجاح ثورة 25 يناير، التى قامت ضد النظام الفاسد البائد، بالرغم من أن كثيرا من هؤلاء الكُتاب، الذين تخرجوا فى معهد شعراوى جمعة، كانوا جزءا من فساد الماضى، وهم الذين زينوا للطغاة سوء عملهم، وخلعوا عليه النعوت والأوصاف من "اخترناك"، و"أديها كمان حرية"، وتسويد مئات الألوف من الصفحات فى تمجيد هذا النظام، وفجأة تحرر هؤلاء من حبوب النفاق وأخذوا حبوب الشجاعة، ورأيناهم يجرون الحوارات فى كبريات الصحف والمجلات.. ينددون بالفساد والمفسدين!! فعلوا هذا وهم يظنون أن الشعب قد أصيب بفقدان الذاكرة، ولا يتذكرون أنهم كانوا صناعا للفرعون وأحد سدنة معبده. خرج علينا الأستاذ وحيد حامد صاحب "الجماعة"، وهو الذى كان الكاتب الملاكى للنظام الفاسد، يأخذ الإشارة من أركانه ليهلهل معارضيه ويفترى عليهم بالباطل، وقد صنع الأعمال خصيصاً لذلك، منها: "طيور الظلام"، و"المنسى"، ومسلسل "العائلة" ومسلسل "الجماعة" وغيرها... خرج يسخر من الرئيس الحاج محمد مرسى (على حد وصفه)، وزعم أنه لم ينجز شيئاً طوال السبعين يوما التى قضاها فى الحكم وأن شيئاً لم يتغير، حاورته جريدة "الوطن" وهى معروفة بتوجهاتها للقاصى والدانى ومن هو صاحبها؟ ومن هو رئيس تحريرها؟ وأكمل وصلة الردح بعد ذلك مع الإعلامى محمود سعد فى برنامج "آخر النهار" على قناة النهار، وعندما تداخل معه وقال ألا يكفى إزاحة المجلس العسكرى من إنجاز؟ فرد عليه مرتبكاً: "لا أعتبره إنجازا، فالمجلس العسكرى كان راحلاً وأنه ادعاء للبطولة من الحاج مرسى"، وتعرضوا لقسَم مدير جهاز المخابرات العامة الذى تناولته كل القنوات وكأنهم كانوا يجلسون فى مكان ما ويلقنون ما يقال يومياً، برغم تأكيد الرئاسة أن القسم موجود ومعمول به منذ 72 سنة، انتقدوا الحلف على المصحف بزعم أن المخابرات من الممكن أن تلجأ إلى الأعمال القذزة، ونقول إن سيدكم الرائد موافى قد استخدم هذا الصنف القذر وانتهى بنا المطاف لنكسة 1967 التى ما نزال نلعق مرارتها حتى اليوم، وعاب الرجل على الحاج مرسى تردده الكثير على المساجد الذى تتكلف حراسته فى كل مرة ما يطعم ألف أسرة، ولماذا لم تعيبون على المناضل حمدين بتردده المستمر على الكنائس؟ يخطب فيها فى السياسة، هو والدكتور عمرو حمزاوى، ومحمد أبو حامد، مع أن الكنيسة رسالتها روحية فقط بأمر الإنجيل، أما المسجد فهو مؤسسة متكاملة وكان له دور فى مناحى الحياة طوال عصور التاريخ الإسلامى الزاهر. ويشاء الله أن يكشف حقيقة الرجل زميل له فى مهنته هو الأستاذ مصطفى محرم فى ذكرياته المنشورة بجريدة "القاهرة" فى الحلقة الأولى منها فى العدد 639 الصادر فى 11 سبتمبر 2012، قال عن وحيد حامد، بعد أن تحدث عن دور الدراما فى نظام مبارك: "فى هذه الفترة حيث كان الإعلام يحاول بكل جهده أن يطيل بقاء حسنى مبارك فى الحكم كانت جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الدينية قد أصبحت المنغص الذى يمكن أن يزلزل أركان هذا الحكم المستبد، وعندئذ أعد صفوت الشريف العدة لتشويه صورة هؤلاء المتربصين الذين لم ينفع معهم القبض عليهم وإلقائهم فى السجون، بل كلما ظن جهاز مباحث أمن الدولة أنه قد أمن شرهم فإذا بتأثيرهم يزداد حتى وهم فى السجون وكثر أتباعهم فتحالفت مباحث أمن الدولة مع وزارة الإعلام من أجل مكافحة هذا التيار الدينى العارم حتى أنهم ربطوا بينه وبين الإرهاب، فأصبح هناك ما يعرف فى الغرب ب"الإرهاب الإسلامى"، وتماشياً مع تلك السياسة قام وزير الإعلام صفوت الشريف بتكليف الكاتب وحيد حامد بكتابة مسلسل يقوم بتشويه هذه الجماعات الدينية من أجل الحفاظ عن النظام القائم، فكتب وحيد حامد مسلسل "العائلة"، ويستغرب مصطفى محرم من هذا التكليف قائلاً: "لست أعرف السبب فى اختيار وحيد حامد بالذات فى تلك الفترة، فلم يكن حتى تلك الفترة قد كتب أعمالاً متوهجة فى السينما أو فى التليفزيون وهناك من هم أكثر شهرة منه فى مضمار المسلسلات وعلى رأسهم أسامة أنور عكاشة، ومحفوظ عبدالرحمن، وقام حامد بترشيح عاطف الطيب ولكنه رفض كما رفضه مخرجون آخرون إلى أن استقر على إسماعيل عبدالحافظ الذى كلفه صفوت الشريف شخصياً وهو المعروف بميوله اليسارية". ويستطرد محرم قائلاً: "وترك صفوت الشريف وزارة الإعلام ليذهب إلى مجلس الشورى ولكنه ترك وراءه مدرسة يتعلم فيها من يأتى بعده إلى أن جاء أنس الفقى مسلماً نفسه لأحضان النظام، ويدفعه الطموح إلى السمع والطاعة والتسبيح بمزايا هذا النظام، وجاءت التعليمات من لجنة السياسات التى كان يرأسها ابن الرئيس الحاكم استعداداً ليرث الحكم ووجد جماعة الإخوان هى العقبة فى طريقه، لذلك فعل ما فعله أستاذه صفوت الشريف واستدعى مرة أخرى الكاتب وحيد حامد وكلفه بكتابة مسلسل عن الجماعة، وعلى الأخص مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنا، كان هذا التكليف بالكتابة قد سبق ثورة يناير بسنة وعدة شهور، وأذكر أن وحيد حامد كان يزهو بصداقته لأنس الفقى قولاً وكتابة فى الصحف وأنه عرض عليه الحلقات الخمس الأولى لمعرفة رأيه بصفته صديقاً وذلك ليخفى موضوع التكليف، المهم عندما جرى عرض مسلسل "الجماعة" لم يأت أكله، فقد تعاطف من شاهدوه مع الشيخ الجليل حسن البنا وأحبوه وذلك حتى الحلقة السابعة والعشرين، وعندما أدرك وزير الإعلام ومباحث أمن الدولة ما يحدث وأرادوا تدارك الأمور فمنعوا بالطبع ظهور حادث اغتيال حسن البنا، وطلبوا إنهاء المسلسل فى الحلقة الثامنة والعشرين دون اعتبار للتطور الدرامى للشخصية، حتى أن الكاتب اضطر أن ينهى مسلسله بجملة لا يمكن أن تتوافق مع شخصية حسن البنا فى المسلسل وهو يهذى بها لنفسه بأن الله قد خلق الندم، أى أن المرشد قد ندم على ما فعله طوال الحلقات السبع والعشرين، ثم أدرك فجأة بأن كل هذا الإيمان بمبادئه الدينية وحتى السياسية إنما كان لتهوره والسير فى طريق الضلال ولذلك هو نادم أشد الندم، ويتساءل الأستاذ محرم ويتعجب من هذا الصنيع: "وإذا كان الإمام المرشد قد ندم هذا الندم فلماذا جرى قتله؟ ولماذا لم يظهر على الشاشة هذا الحدث المهم للغاية؟ والسؤال الآخر لماذا قام وزير الإعلام ومباحث أمن الدولة بتكليف وحيد حامد وهو الذى نجد فى بعض أعماله هجوماً ونقداً حاداً للنظام؟ ولكن من المعروف أن الذين يعملون لصالح الجهات الأمنية والجهات الإعلامية الرسمية كانت تمنح لهم بعض الحريات فى كتاباتهم حتى لا ينفضح أمرهم ويظهرون أمام الرأى العام على غير حقيقتهم، وكانت هذه الحريات لا تمنح لغيرهم من الكتاب المعارضين الحقيقيين للنظام القائم.. وكان جهاز الرقابة على المصنفات الفنية يقوم بعمل اللازم لتنفيذ هذه السياسة وفقاً للتعليمات السيادية". [email protected]