بعد أن وصلت رسالة «الجماعة» علي مدي عشرين حلقة وحيد حامد كاتب حر وله رأي، وهو يعد من الكتاب الذين تبنوا قضية ودافعوا عن رأيهم، كما أنه لم يغير رأيه طوال ثلاثين عاما، تبني قضية المواطن البسيط في أعماله الأولي. ومع مطلع الثمانينات كان أول من نبه الي خطورة فكرة توظيف الأموال، وانتقد المسئولين الذين عملوا مع شركات توظيف الأموال بعد نهاية خدمتهم في الدولة . وعندما بدأت أنياب الإرهاب تنشب في جسد المصريين من الأهالي والأقباط ورجال الشرطة وأصحاب الفكر، كان وحيد حامد أول من تبني بشجاعة منقطعة النظير مقاومة الإرهاب، وذلك في الوقت الذي صمت فيه الكثيرون . كتب وحيد أعمالا درامية ناجحة تعكس وجهة نظره في قضية الإرهاب كما يراها والرجل من الكتاب القليلين الذين لم تتغير اهتماماتهم أو قضاياهم مثل عدد كثير من الكتاب الذي تتغير آراؤهم من الثمانينات إلي التسعينات إلي الألفية الثانية، وهو معه لا يزيد علي أصابع اليد الواحدة من الكتاب الذين ظلوا تشغلهم الديمقراطية واهتمامات المواطن البسيط وحمايته من سطوة الحكومة والجماعات المتطرفة علي قدم المساواة. فهو يري أن الإرهاب لا دين له، ويري ونحن معه أن فكرة الدولة الدينية وإن كانت تصلح في دول بدوية وشرقية إلا أن مصر بالذات لها طبيعتها التي ينبغي أن تكون الدولة فيها لجميع أبنائها دون فئة دينية دون أخري. دعاية الجماعة مما لاشك فيه أن جماعة الإخوان المسلمين ما كان لها أن تنال تلك الدعاية إلا من خلال مسلسل الجماعة من تأليف وحيد حامد . وهو في مسلسل الجماعة الذي أذيع في القنوات كان يود إبلاغ رسالة بالغة العمق إلي الناس، وهي أن السياسة لا تتفق مع الدين، وأن السياسة هي الاغتيالات والنفاق والكذب ونكث الوعود، وأنه لا مانع من التضحية بآخرين في سبيل الوصول للحكم، وأن من يريد التدين فليلتزم بتعاليم الدين الحنيف دون أن يؤذ الآخرين . رسالة وحيد حامد وصلت للناس في آخر الحلقات، ولكن بعد أن وصلت رسالة جماعة الإخوان المسلمين علي مدي عشرين حلقة . المسلسل أذيع في الفضائيات علي مدي 28 حلقة، ينشر مبادئ وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، علي لسان مرشدها العام الشيخ حسن البنا، وفي كل حلقة يقول حسن البنا إننا جماعة دينية نهدف الي إعلاء شأن الإسلام . وهذا وحده يكفي لأن تلقي الجماعة تعاطفا شعبيا، أما بقية أهداف الجماعة وتطلعاتها السياسية لحكم مصر فهو لا يهم المواطن العادي البسيط . الجيل الجديد من الشباب كل أفكاره عن جماعة الإخوان المسلمين استمدها من الإعلام الرسمي للدولة بأنها جماعة محظورة تسعي لقلب نظام الحكم والوصول الي السلطة، ويقرأ يوميا أنباء اعتقالات كوادرها وأعضائها، ويتساءل - لماذا تعتقل الحكومة هؤلاء المسلمين ؟ المسلسل أجاب عن أسئلة جيل الشباب الجديد الذي لم يعاصر قضية الإخوان الكبري في عام 1965، وجاءت الإجابة من خلال الحوار الدرامي أن الاعتقالات بسبب محاربة الجماعة لأعداء الإسلام من الإنجليز واليهود، ومحاربة الدولة التي لا تطبق شرع الله . وبالتالي فكل معلوماته عن تلك الجماعة أنها جماعة إرهابية، شأنها شأن بقية الجماعات التي كانت تقتل الناس في الثمانينات وبداية التسعينات، وهذا في حد ذاته لا يكفي لإقناع بسطاء الناس بعدالة قضية مكافحة جماعة الإخوان لمنعها من الوصول الي الحكم . يصور المسلسل المقدرة التنظيمية الهائلة لحسن البنا وتطلعاته السياسية، والسرعة التي انتشرت بها الدعوة الي الجماعة الإسلامية، وحماس أعضائها ورغبتهم في رفع شأن جماعتهم . وقدرته الهائلة علي جذب الناس والسيطرة عليهم . ويتابع المواطن العادي رحلة حسن البنا اليومية لتشكيل تلك الجماعة في المساجد، وإعلان رغبته في مقاومة المحتل الإنجليزي، وتطهير مدينة الإسماعيلية من الخمارات وبيوت الدعارة، وإعلانه عن مساندة الملك فاروق ضد المحتل الإنجليزي، وكلها أهداف نبيلة في نظر المواطن البسيط . أما في نظر المواطن المثقف الواعي والمدرك فهي أهداف مرحلية للوصول الي هدف أعلي هو حكم مصر، وحسن البنا لم يخف أحلامه ولا تطلعاته تلك، فهو صرح بها في بداية حركته في أول المسلسل . وربما تساءل المواطن المسلم العادي مستسلما: وما الخطر علي الإسلام من جماعة حسن البنا؟ وتكون الإجابة في المسلسل، أن الخطر كان فقط خوف الحكومات المتعاقبة في مصر من هيمنة حسن البنا وجماعته علي مقاليد الأمور، وهي أمور لا تشغل بال المصريين عموما، فهم يرون أن وصول جماعة الإخوان المسلمين الي الحكم شأنها كشأن وصول حزب الوفد أو أي حزب آخر الي الحكم، لم ير المصريون في حكم هؤلاء ما يوجب التمسك، لأجل ذلك ربما تطلع المواطن الي حكم الجماعة كنوع من التغيير الذي ينشده . أفكار «أبوباشا» ما حدث في مسلسل الجماعة حدث تماما في أعقاب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في أكتوبر 1981، وجاء اللواء حسن أبو باشا كأول وزير داخلية في عهد الرئيس حسني مبارك معتنقا فكرة الحوار مع الجماعات الإسلامية، وان الحوار يعتبر بداية منطقية وأسلوب جديد يجب ان تواجه به الدولة التطرف . كان منطق حسن أبو باشا نبيلا، ويقوم علي الاعتبارات التالية : - الوصول الي وصول أفكار الجماعات الإسلامية ومصادره الحقيقية . - مدي اتفاق هذا الفكر مع أحكام القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما اتفق عليه فقهاء المسلمون علي مر التاريخ . -ان تدور المناقشات في حرية تامة دون مصادرة علي رأي أو فكر . وقد بدأ حسن أبو باشا الحوار مع الجماعات الإسلامية في بداية عام 1982 واستمر حتي عام 1984 . بدأ وزير الداخلية اللواء حسن أبو باشا، ومعه مدير المباحث العامة في ذلك الوقت إجراء اتصالات مع بعض رجال الدين المعتدلين مثل الشيخ محمد الغزالي وعبد الصبور مرزوق وعبد الصبور شاهين، وتم الاتفاق ان يقوم التليفزيون بتسجيل تلك الحلقات لإذاعتها بعد ذلك في برنامج " ندوة للرأي " والذي كان يقدمه الإعلامي اللامع حلمي البك، وكان في مواعيد تعتبر ذروة المشاهدة . وقد امتد الحوار ليشمل محافظات أسيوط والمنيا والقاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والمصانع والنقابات العمالية، وقد تحقق أكثر من 40 حواراً وأكثر من مائة ندوة، وكان من المشاركين فيها الدكتور الأحمدي أبو النور والدكتور عبدالله شحاتة. صحيح أنه كان من رأي اللواء حسن أبو باشا أن هناك بعض التحفظات بخصوص إذاعة الحوارات في التليفزيون، منها أن إذاعة تلك الحلقات يمكن أن تفتح بابا للجدل الديني السلبي . ولأجل هذا كان ينبغي أن يوافق الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء في ذلك الوقت علي الفكرة . عرضت الفكرة علي الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء في حلقتين تم تسجيلهما، ووافق في النهاية علي إذاعة الحلقات . كان حسن أبو باشا يهدف الي حماية الشباب من الوقوع في الفهم الخاطئ، وتحصينهم ضد الدعاوي المغرضة . وإعطاء فرصة للمتورطين في اعتناق الأفكار والتنظيمات المنحرفة لكي يراجعوا أنفسهم بعد ان يستمعوا الي الشرح الصحيح للفكر الخاطئ والأسانيد الخاطئة . غير أن حلقات برنامج ندوة للرأي انجرفت نحو مناقشة بعض القضايا الفرعية وليست الأساسية في فكر التكفير والاستحلال والحاكمية التي ظهرت الي الوجود مع أفكار الجماعة الإسلامية . ولم تقترب الحوارات التي أذيعت وقتها من جوهر أفكار التطرف، فقد تركزت معظم المناقشات حول ما يجب أن يرتديه المؤمن، وفضائل إطلاق اللحية والحجاب ,وأخلاق المسلم, وفضائل السواك وغيرها من القضايا الفرعية . تعاطف مع المتطرفين والذي حدث أن الناس وقتها تعاطفت مع المتطرفين عندما شاهدوا قدرتهم علي المجادلة والإقناع، وحفظهم للقران الكريم والأحاديث النبوية، فضلا عن قدرتهم علي الدفاع عن وجهة نظرهم . كما ساعدت تلك الندوات علي نشر أفكار الجماعات الإسلامية علي الملأ . وهو ما حدث بالفعل عندما بدأت الجماعة الإسلامية عملياتها ضد الحكومة المصرية في نهاية الثمانينات حتي منتصف التسعينات، فقد كان رجال الشرطة يقفون عاجزين أمام محاولات الاعتداء عليهم، واختباء أعضاء الجماعات في بيوت الناس، وفضلا عن أنه لم تتوافر أي معلومات لدي رجال الأمن عن القتلة أو أماكن تواجدهم، فقد كانوا يختبئون في بيوت الناس وهؤلاء كانوا يمتنعون عن الإدلاء بأي معلومات، أو حتي الإدلاء بشهاداتهم . صحيح أن الناس كانت تخاف من بطش تلك الجماعات ولكن كان نوع من التعاطف الشعبي معهم ربما لأن الناس كانت متأثرة بما أعلن عن أنهم لا يهدفون إلا إعلاء كلمة الله . وفضلا عن هذا ظهرت في فترة الستينات تنظيمات متطرفة جديدة منها التكفير والهجرة، وطلائع الفتح، والعائدون من أفغانستان، والشوقيون، والناجون من النار والعائدون من ألبانيا، وتنظيمات أخري . وكل تلك التنظيمات ساهمت بنصيب فعال في الاغتيالات والتدمير والخطف والترويع التي كان ضحيتها المصريين . كنا نتمني أن يعيد وحيد حامد التفكير قبل أن يقدم علي تقديم المسلسل علي عموم الناس بسطائهم ومثقفيهم، وكان يكفيه فيلم الإرهابي وطيور الظلام ومسلسل أوان الورد، وغيرها من الأعمال الناجحة . ولكن ما حدث قد حدث، وعليه أن يفكر في مسلسل آخر يمحي ما أحدثه مسلسل الجماعة.