رغم أن الوحدة المغربية لها من الشواهد ما يدلل على أنها قديمة قدم التاريخ، ورغم أن فكرة اتحاد المغرب العربى تعد فكرة معاصرة للغاية، ظهرت قبل استقلال دول المغرب العربى فى خمسينيات القرن العشرين، وتبلورت فى مؤتمر طنجة فى إبريل 1958، وتطورت عام 1964، ثم فى عام 1974، إلا أن قيام اتحاد المغرب العربى لم يتم تشكيله رسميًا إلا فى فبراير عام 1989، ولما كانت هناك ثمة خصوصية فى العلاقات المصرية مع دول الاتحاد بصورة قطرية ثنائية، وبصورة عضوية، بصفتها مراقباً له منذ إنشائه، وبحكم عوامل التاريخ المشترك والجغرافيا والصلات الاجتماعية، وبموجب تقاطع مصالح مصر ودوله فى عدة دوائر مهمة، عربية وإفريقية ومتوسطية، فإن هناك أهمية كبيرة تستدعى الإدارة المصرية ضرورة إحياء هذا الاتحاد وإبقائه فاعلًا. وبالطبع فإن الأهمية الإستراتيجية لدول الاتحاد المغاربى بالنسبة للأمن القومى المصرى لا تحتاج لتكرار فى التأكيد ولا تكرار فى الكتابة عنها.. فأهمية المنطقة التى تضم دول الاتحاد، المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، لا تدانيها أهمية بالنسبة لمصر اللهم إلا منطقة حوض النيل. ولهذا، فإنه بالرغم من وجود مساحات تقاطع بين المصالح المصرية وبعض دول الاتحاد، سواء فى النظرة الإستراتيجية وفى طبيعة المشاكل ونظم الحكم القائمة، إلا أن قدرة مصر على السيطرة على هذه الفجوات يسد لها الثغرات الموجودة فى أمنها القومي، الداخلى والإقليمى. ويقينًا فإن أى دور ستلعبه مصر فى توفيق الأوضاع بين دول الاتحاد المغاربى، سيقلل من المشاكل الموجودة بين بعض الأنظمة الحاكمة هناك، وينمى حركة التعاون الاقتصادى والسياسى والثقافى بين تلك الدول.. وفى هذا السياق يجب على الإدارة المصرية أن تولى قدرًا من الأهمية لرؤية الأنظمة الحاكمة فى تلك البلدان، وتعمل على التوفيق بينها، بهدف العمل فى إطار أوسع مما يطرحه البعض من وحدة فقط بين الدول الثلاث التى قامت فيها ثورات، مصر وتونس وليبيا. فعلاقة مصر بدول اتحاد المغرب العربى علاقة خاصة جداً.. حيث تضافرت فيها منذ القدم كل عوامل التآلف والتقارب بشكل يدهش العقول.. ورغم أن المؤرخين يجمعون على وجود استمرارية فى التواصل الحضارى والثقافى بين مصر وتلك البلدان على مر العصور، حيث بسطت الحضارات القديمة والثقافة العربية الإسلامية نفسها على ربوعها، بحيث بدت هناك وحدة فكرية واضحة المعالم، إلا أن هذا التواصل بين مصر ودول اتحاد المغرب العربى يفرض نفسه الآن بقوة، خصوصًا بعد طرح مشروع الاتحاد المتوسطى فى يوليو 2008، وتجاوب مصر ودول المغرب العربى مع هذا المشروع، وكذلك بعد قيادة مصر وتونس وليبيا لتيار الثورة الجارف الآن فى العالم العربى، بما يستدعى تضافر الجهود لتنسيق المواقف بين مصر وكل الدول العربية جنوب المتوسط فى مقاومة هذا المشروع فى شقه السياسى، بإحياء الاتحاد المغاربى وتفعيله، وانضمام مصر إليه، كمقدمة لتكامل اقتصادى فاعل يسبق الوحدة. وربما تكون الثورات التى قامت فى مصر وتونس وليبيا ضد الأنظمة الحاكمة، وتجاوب السلطات المغربية مع رياح التغيير التى اجتاحت المنطقة يدفع إلى ضرورة توحيد الجهود لإحياء الاتحاد وضم مصر إليه كعضو عامل، وليس كعضو مراقب، كما كان فى السابق، وعلى الدبلوماسية المصرية أن تبذل جهدًا مطلوبًا فى إتمام هذا الأمر. فمصالحها الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والثقافية تفرض عليها وجوب التحرك قدمًا على ثلاثة محاور رئيسية: أولها، أن تتحرك فى الإطار الثنائى، وذلك من خلال تبادل الزيارات الرسمية مع دول الاتحاد.. تشمل زيارات يقوم بها رئيس الجمهورية، الدكتور محمد مرسى، وزيارات على مستوى الوزراء.. يعقب كل زيارة توضيح لما تم الاتفاق عليه، وأوجه الخلاف والاتفاق فى بعض القضايا المتسببة فى برود العلاقات بين دول الاتحاد.. ولعل قيام الإدارة المصرية بإبرام العديد من اتفاقيات التعاون التجارى والاقتصادى والثقافى والعلمى والتقنى مع دول الاتحاد، سيدفع تلك الدول باتجاه التفاهم والوحدة أكثر سواء عن طريق عقد مؤتمرات تنظمها وزارة الخارجية المصرية، أو ندوات تقوم بها الجامعات ومراكز البحوث المصرية، أو دورات تدريبية تعقدها الإدارة المصرية لتنمية الخبرات البشرية لأبناء تلك المنطقة، يمكن البدء فعليًا فى اتخاذ خطوات عملية لإحياء الاتحاد. ثانيها، على مستوى المنطقة إجمالًا، فيمكن للدبلوماسية المصرية أن تتحرك فى إطار متعدد الأطراف مع دول الاتحاد، انطلاقاً من وعى بالبعد العربى والمتوسطى، وتقيم تعاونًا واسعًا ووثيقًا مع تلك الدول من أجل تنشيط وتعميق العلاقات بينها فى مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والاتصالات والنقل وغيرها.. وأن تقيم تجمعًا يدفع للتشاور والتنسيق والعمل المشترك بهدف إحياء الاتحاد وتنمية علاقات التعاون الاقتصادى والاجتماعى بين دوله جميعًا. ثالثها، على مستوى العالم العربى، فيمكن للإدارة المصرية أن تأخذ بيد شقيقاتها المغربيات باتجاه التمسك بهذا التجمع المغاربى، بدفع التجمعات العربية الأخرى للسعى معها فى هذا الأمر.. موظفةً علاقتها الجيدة بدول المشرق العربى فى دفع دول المغرب العربى فى هذا الاتجاه.. ولعل جهدًا تبذله داخل الجامعة العربية فى إقناع بقية العرب بدعم قدرات الاتحاد وزيادة فعاليته فى مواجهة المشاكل العربية والبينية القائمة، سيكون له مردوده فى مد جسور التعاون والترابط بين الدول العربية بصفة عامة، والاتحاد المغاربى بصفة خاصة.. لكن قبل هذا وذلك، على الإدراة المصرية أن تضع خطة إستراتيجية مشتركة مع دول الاتحاد، لا تضمن عودة الاتحاد للحياة فقط، بل تضمن استمرارًا لبقائه وفاعليته بأقصى سرعة ممكنة. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة.