للمرة الأولي منذ قيام الاتحاد الأوروبي، انعقدت قبل أيام في مدينة غرناطة الإسبانية قمة بين الاتحاد من جهة ودولة عربية من جهة أخري. هذه الدولة العربية هي المملكة المغربية التي يمكن مشاهدة الشاطئ الإسباني من بعض أراضيها. الواقع أنه ليس بعيدًا اليوم الذي سيكون فيه نفق يمرّ تحت المتوسط يربط المغرب بالقارة الأوروبية عبر إسبانيا. من لديه أدني شك في ذلك، يستطيع زيارة مدينة طنجة والمنطقة المحيطة ليشاهد بنفسه عملية بناء ميناء طنجة- ميد الذي سيكون مخصصا لاعادة تصدير منتجات أوروبية ومحلية تُصنَع في المغرب إلي أوروبا نفسها. ليس سرا أن المغرب يسعي إلي تطوير علاقاته بأوروبا إلي أبعد حدود وليس سرا أن هناك مصلحة مشتركة في أن يكون المغرب امتدادا لأوروبا وأن تكون لأوروبا امتداداتها في المغرب، خصوصا عن طريق الاستثمار فيه في مجالات عدة علي رأسها الصناعة والزراعة. الموضوع، موضوع وضع أسس متينة لتعاون بين الجانبين الأوروبي والمغاربي، تعاون لا يتعلق بالمغرب وحده، بل بكل دول شمال أفريقيا العربية التي انضوت يوما تحت مظلة الاتحاد المغاربي وهي إضافة إلي المغرب، الجزائر وموريتانيا وليبيا وتونس. سبق لأوروبا أن عملت من أجل تعاون في العمق، سياسي واقتصادي، مع دول اتحاد المغرب العربي الذي تأسس قبل واحد وعشرين عاما. لكن الاجتماعات بين الدول الخمس الأعضاء في الاتحاد والدول الخمس الأوروبية علي الضفة الأخري من المتوسط (صيغة خمسة زائد خمسة) لم تؤد إلي نتائج تذكر حتي الآن. يبدو واضحا أن العائق الأول في طريق التعاون الأوروبي- المغاربي يتمثل في حالة الجمود التي يعاني منها اتحاد المغرب العربي. السبب الأساسي للجمود العلاقة بين المغرب والجزائر. كيف يمكن لدول اتحاد المغرب العربي الاتفاق علي سياسة موحدة تجاه اوروبا ما دامت الجزائر مصرة علي بقاء الحدود مغلقة مع المغرب وما دامت مصرة علي شن حرب استنزاف علي المغرب عن طريق وضع العصي في طريق تسوية في الصحراء الغربية مستخدمة اداتها المتمثلة بجبهة "بوليساريو" المقيمة في الأراضي الجزائرية. اختار المغرب طريقه. وعلي الرغم من أن الملك محمد السادس لم يحضر قمة غرناطة وقد مثله فيها الوزير الأول السيد عباس الفاسي، في حين كانت اوروبا ممثلة برئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريجز ثاباتيرو الذي ترأس بلاده الاتحاد، حرص العاهل المغربي علي توجيه رسالة إلي القمة تدعو إلي "ايجاد تسوية سياسية للخلاف المفتعل" في الصحراء الغربية علي اساس الاقتراح المغربي القاضي باعطاء الصحراء حكما ذاتيا واسعا. كعادته، كان العاهل المغربي واضحا في تحديده للتوجهات المغربية. ليس في الوارد، مغربيا، البقاء في اسر المشاكل الداخلية لاتحاد المغرب العربي. علي المغرب الانطلاق في اتجاه اوروبا وفتح كل آفاق التعاون الممكنة بغض النظر عما إذا كانت الجزائر قادرة علي تجاوز العقدة المغربية ام لا. في العام 2008 حصل المغرب علي "وضع متميز" من الاتحاد الأوروبي. انها خطوة في اتجاه مزيد من التعاون بين الجانبين وانفتاح كل منهما علي الآخر. وأدت قمة غرناطة إلي ما هو ابعد من "الوضع المتميز". السؤال الآن هل تتعلم الجزائر من التجربة المغربية من أجل المساهمة في بناء المغربي الحديث، أم تعتقد، وهذا خطأ كبير، أن معركتها الحقيقية هي مع المغرب بصفة كونه القطب الآخر في أي صيغة للتعاون بين دول الإقليم؟ الجواب أن من الصعب أن تقدم الجزائر، أقله حتي الآن، علي خطوة في الاتجاه الصحيح تصب في مزيد من التضامن والتكافل بين دول المغرب العربي. انها ترفض بكل بساطة الاعتراف بأن صيغة التسوية في الصحراء ستساعد في انفراج علي الصعيد الإقليمي وأن أي انفراج يصب في مصلحة الطرفين. يكفي أن مثل هذا الانفراج سيساعد في حال حصوله في توفير مزيد من الفعالية للحرب علي الإرهاب وكل أنواع التطرف. لا تزال الجزائر أسيرة ثروتها النفطية بدل أن تكون الثروة أسيرة الإنسان والمواطن الجزائري. كانت القمة المغربية- الأوروبية مفيدة إلي حد كبير وانتهت بتطوير العلاقة بين الجانبين. اظهرت القمة أن المغرب يتابع مسيرته علي الرغم من كل الصعوبات المصطنعة التي تحاول أن تخلقها الجزائر. حبذا لو تستخدم الجزائر المساعدات التي تصرفها علي ابقاء "بوليساريو" حية ترزق من أجل توفير الرفاه لشعبها ومن أجل الاستثمار في الإنسان، خصوصا في التعليم وبناء المساكن للمواطنين الفقراء. هناك مشكلة اجتماعية ضخمة في الجزائر. هذه المشكلة هي التي أدت إلي نمو التطرف والإرهاب. لا شك أن الجيش الجزائري والأجهزة الأمنية التابعة له لعب دورًا مهما في المواجهة مع التطرف والإرهاب. استطاع الجيش الجزائري المحافظة علي الجمهورية ومؤسساتها عندما ضرب المنظمات المتطرفة، التي تتستر بالدين، من دون هوادة. في النهاية، لا يوجد متطرف جيد وآخر سيئ. التطرف ليس لديه اسم آخر. لا يمكن التمييز بين متطرف وآخر حتي لو لبس ربطة عنق وقميصا نظيفًا وتظاهر بأنه يفهم بالفن ويحب الموسيقي. لكن المؤسف أن كل الجهود التي بذلت في هذا المجال لن تكون ذات فائدة في المدي الطويل من دون سياسة جزائرية جديدة أن علي صعيد توظيف عائدات النفط في الحرب علي الفقر أو علي صعيد الانفتاح علي المغرب بدءا بدعم المشروع المغربي الهادف إلي حكم ذاتي موسع للصحراء الغربية. فاستنزاف المغرب لا يمكن أن يكون سياسة في أي شكل من الأشكال. إنه دليل علي قصر نظر من جهة وعجز عن تجاوز ذهنية السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي من جهة أخري. العالم تغير. استطاع المغرب فهم ذلك واستوعب أن لا مفر من الانفتاح علي أوروبا من دون تجاهل القضايا المرتبطة بالعالم العربي. متي يأتي دور الجزائر؟ إذا كانت لديها العقدة المغربية... لماذا لا تحاول أن تستفيد من التجربة التونسية الناجحة اجتماعيا واقتصاديا وفي مجال مكافحة الإرهاب عن طريق الانفتاح علي المحيط المباشر والتركيز علي تطوير المجتمع، خصوصا الطبقة المتوسطة في الوقت ذاته؟